“الحريديم” والتجنيد.. رفض عقائدي مدعوم من قادة الحكومة المتطرفة
يشكل “الحريديم” نحو 13% من سكان “إسرائيل” البالغ عددهم نحو 10 ملايين نسمة، ولا يخدمون بالجيش
من جديد عادت قضية تجنيد “الحريديم”، اليهود المتشددين دينياً في “إسرائيل”، للظهور بعد عودة الحديث عن تطبيق قرار المحكمة العليا الإسرائيلية بالإجماع، بأنه يجب على الدولة تجنيد طلبة المدارس اليهودية في الجيش، ووقف ميزانياتها، في وقت يتهرب طلابها من الخدمة العسكرية.
ظهرت الخلافات على الأرض، حين تظاهر المئات من المستوطنين “الحريديم” أمام مقر للتجنيد في تل أبيب رفضاً للتجنيد الإجباري، واشتبكوا مع الشرطة الإسرائيلية التي حاولت تفريقهم.
يرفض الحريديم وقادتهم اليهود المتدنيين الالتزام بقرار التجنيد، حيث حصلوا على إعفاء منه منذ الأيام الأولى من تأسيس دولة الاحتلال بشرط التزامهم بالمدارس اليهودية (اليشيفوت)، ويعتبرون أن توراتهم هي مهنتهم.
استمرت الحكومات المتعاقبة على دولة الاحتلال في تحديد عدد الطلبة المعفيين من الخدمة العسكرية، وفي عام 1977 ألغي التحديد وأصبح كل “حريدي” يحصل على إعفاء منها.
ذلك الإعفاء خدم “الحريديم” خلال الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، فقد تعرض الجيش لخسائر بشرية فادحة في صفوفه، ليصل عدد القتلى إلى 772 و5184 جريحاً منذ بداية العدوان، وفقاً لآخر إحصائية للجيش على موقعه الأربعاء 29 أكتوبر الماضي.
كما كشفت أرقام لإدارة إعادة التأهيل التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي عن تلقي 12 ألف جندي العلاج في وحداتها منذ بداية العدوان على قطاع غزة، ثم على لبنان، ثلثاهم من قوات الاحتياط، وهو ما يفوق كثيراً الأرقام الرسمية التي ينشرها الجيش.
أمام تلك الخسائر، تحرك وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت من أجل المطالبة بتمرير قانون تجنيد “الحريديم”، ولكن الكنيست صوت في يونيو الماضي لصالح استمرار العمل بقانون التجنيد الذي تم طرحه في البرلمان السابق ويعفي شباب الحريديم من الخدمة العسكرية.
بعد قرار الكنيست قررت المحكمة العليا الإسرائيلية (أعلى هيئة قضائية في “إسرائيل”) في 25 يونيو الماضي، إلزام “الحريديم” بالتجنيد في الجيش، ومنع المساعدات المالية عن المؤسسات الدينية التي يرفض طلابها الخدمة العسكرية.
ويشكل “الحريديم” نحو 13% من سكان “إسرائيل” البالغ عددهم نحو 10 ملايين نسمة، ولا يخدمون بالجيش، ويقولون إنهم يكرسون حياتهم لدراسة التوراة، ويعتبرون أن الاندماج بالعالم العلماني يهدد هويتهم الدينية واستمرارية مجتمعهم.
أزمة كبيرة.
لا تغيير قادم
يوضح المحلل السياسي محمود حلمي، أن تشكيل حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة تضم وزراء من قادة من “الحريديم”، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذي يعد من قادة المدارس اليهودية، يعيق أي تقدم في مسألة تجنيد هؤلاء.
وقال حلمي في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “في ظل حرب متعددة الجبهات تخوضها دولة الاحتلال في غزة ولبنان، والخسائر البشرية اليومية في صفوف الجيش من قتلى وجرحى، بات من المهم تجنيد هذه الفئة لتعويض النقض في الكادر البشري للجيش”.
يتوقع حلمي أن تشهد الأيام القادمة صراعاً كبيراً داخل “إسرائيل” بين “الحريديم” وقوات الشرطة والحكومة الإسرائيلية، “حيث سينزل هؤلاء إلى الشوارع رفضاً للتجنيد؛ لأنهم يعتبرون ذلك مخالف للشريعة اليهودية التي يجب الاستمرار بدراسة التوراة”.
ويوضح حلمي أن السيناريو المتوقع واضح “وهو دعم حكومة بنيامين نتنياهو لمطالب الحريديم وعدم إجبارهم على التجنيد في الجيش الذي يخوض أكثر من حرب؛ بسبب وجود أكثر من وزير يميني متطرف في هذه الحكومة”.
وأشار المحلل السياسي إلى أن “ملف تجنيد الحريديم سيكون من أبرز الخلافات والثغرات التي تواجهت حكومة نتنياهو بالشأن الداخلي حالياً، ولكنه سيتغلب عليها كونه أضعف المعارضة في إسرائيل وأنهى وجود الوسط ولم يتبقى أحد يقف ضده”.
من هم الحريديم؟
هم الجمهور اليهودي الذي يقيم طقوسه الدينية ويعيش حياته اليومية وفق التفاصيل الدقيقة للشريعة اليهودية، ويوجد منظمات ومؤسسات خدمية تخصهم في كافة مواقع عيشهم وانتشارهم.
يحافظ الحريديم بدقة متناهية على كافة الأنظمة والقوانين الوارد ذكرها في التوراة والكتب الدينية المقدسة، ويعارضون بشدة إحداث أي تغيير فيها.
يعتقد هؤلاء أن “إسرائيل” ونظم حياة اليهود يجب أن تسير وفق قوانين وأنظمة الشريعة اليهودية وليس بموجب قوانين حددها ونظمها بني البشر، ويحاولون بين الفينة والأخرى فرض شرائع التوراة على المشهد الحياتي في دولة الاحتلال.
ينقسم الحريديم من الناحيتين الدينية والسياسية إلى مجموعتين: أقلية صغيرة وتحمل اسم “الطائفة الحريدية”، وأغلبية ساحقة أكثر اعتدالاً محسوبة على حزب “اغودات إسرائيل”، إضافة لمؤيديهم من جماعة “نطوري كارتا” (التسمية من الآرامية وتعني “حراس المدينة”).
المجموعة التي تدور في فلك حزب “اغودات إسرائيل” تنقسم الى مجموعتين فرعيتين، هما: مؤيدون (حسيديم) ومعارضون (ليطائييم)، وهاتان المجموعتان تضمان في صفوفهما فرق وحوزات لرجالات دين لهم تأثير على الشارع الحريدي.
تضم “الطائفة الحريدية” وفق التسجيلات الرسمية في “إسرائيل” قرابة 10 آلاف نسمة، لا يعترفون بوجود دولة “إسرائيل” وأجهزتها الإدارية والتنظيمية العاملة، وتقاطع هذه الطائفة كافة الانتخابات في مستويات متنوعة من أبرزها انتخابات الكنيست والسلطات المحلية والبلدية.
لا يعترف أعضاء هذه الطائفة أو يقرون بالمحاكم في “إسرائيل”، وتعمل كهيئة مستقلة، لديهم محاكم خاصة بهم، ومؤسسات تربوية وتعليمية مستقلة، ومجلات وجرائد وكافة الخدمات التي يحتاجونها.
ينتشر أعضاء هذه الطائفة في القدس وبني براك والولايات المتحدة وبريطانيا، ومعظمهم لا يخدم في الجيش الاسرائيلي.
لهذه الطائفة قوة ونفوذ واسعان لدى الحريديم، حيث بإمكانهم إثارة مشاعرهم بصورة واسعة وتجنيدهم في قضايا مركزية بالنسبة لهم، وفي مقدمتها “قضية السبت”، خاصة قيام شرائح من الإسرائيليين بالعمل والتجوال أيام السبت.