الاخبار

الثورة الرقمية.. حضور متوسع للذكاء الاصطناعي في المجتمع الخليجي

أدخلت دول الخليج تقنيات الذكاء الاصطناعي في قطاع التعليم، والعمل، وأيضاً قطاعات الطاقة والصحة بهدف تحسين جودة حياة الناس.

تسابق دول مجلس التعاون الخليجي الزمن للاستفادة القصوى من تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتوظيف هذه الطفرة التكنلوجية في مجالات التعليم والصحة والنقل والخدمات الحكومية والعمل وغيرها.

وخلال السنوات القليلة الماضية، أصبحت دول الخليج في صدارة دول الشرق الأوسط في توظيف الذكاء الاصطناعي أو ما يُسمى بـ”الثورة الصناعية الرابعة” في تلك المجالات، والهدف تيسير حياة الناس وتوفير خدمات ذات جودة عالية وتيسير العمل الحكومي والخاص.

وتشير التقارير إلى أن دول الخليج، وتحديداً السعودية والإمارات ثم قطر، تنفق عشرات المليارات على برامج الذكاء الاصطناعي، في مجالات العمل والمدن الذكية والصناعة والصحة والتعليم، وفي المحصلة تحقيق فائدة اقتصادية واجتماعية كبيرة، تنعكس على شكل مؤشرات.

مؤشرات عامة

وفق توقعات شركة “جارتنر” الأمريكية للبحوث والاستشارات التكنولوجية، فمن المتوقع أن يكون إجمالي إنفاق دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على تكنلوجيا المعلومات قد وصل لقرابة 183.8 مليار دولار في 2024.

وتظهر دول مجلس التعاون الخليجي اهتماماً كبيراً بقدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وإمكاناته في إعادة تعريف الإنتاجية، وإعادة تشكيل الأنشطة الاقتصادية، ووقع اقتصادات تلك الدول كقوى تنافسية جاهزة للمستقبل، وفق تقرير لمركز “ماكنزي” (نوفمبر 2024).

وبحسب تحليلات “ماكنزي”، فإن التقديرات الحالية لاستعمال تقنيات الذكاء الاصطناعي في المجالات المختلة بالخليج، كالتعليم العالي والتعليم العميق، تصل لنسبة من 15 إلى 40%، مشيرةً إلى أن الرهان عالي في دول مجلس التعاون في هذا المجال.

ولفت المركز إلى أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي في دول الخليج يمكن أن تضيف ما بين 21 إلى 35 مليار دولار سنوياً إلى اقتصاد المنطقة، معززة بذلك التأثير المقدر بـ 150 مليار دولار لتقنيات الذكاء الاصطناعي الأخرى.

وتشير المعلومات إلى أن السعودية تنوي استثمار 100 مليار دولار في قطاع التكنلوجيا المتقدمة بحلول العام 2030، في حين تستثمر قطر قرابة 2.5 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي، بما يسهم في تحسين جودة الخدمات والحياة اليومية.

من جانبها تعتزم الإمارات استثمار 3 مليارات دولار كل عام في الابتكار، في الوقت الذي من المتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي بقرابة 98 مليار دولار في اقتصاد البلاد عام 2030.

فيما بلغت قيمة سوق تكنلوجيا المعلومات بالكويت 39.8 مليار دولار خلال 5 سنوات، بينما تشكل خريطة طريق التحول الرقمي في البلاد جزءاً من رؤية 2035.

الخدمات الحكومية

وتركز دول مجلس التعاون الخليجي على قطاعات مثل البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات، والخدمات الرقمية، والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، والحوسبة السحابية، ومبادرات المدن الذكية، والخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمية.

وفي هذا السياق، تعمل دول الخليج على تكريس الخدمات الذكية في مؤسساتها، بهدف تسهيل الإجراءات على المواطنين والمقيمين، وتحسين كفاءة الأداء الحكومي وتعزيز الشفافية.

وأصبحت غالبية دول مجلس التعاون، تملك بوابات إلكترونية وتطبيقات ذكية شاملة لتوفير الخدمات للمواطنين والمقيمين، وبما يضمن إنجاز مجموعة واسعة من المعاملات الحكومية عبر الإنترنت، كتجديد جوازات السفر ورخص القيادة، ودفع الفواتير، والتقديم لمختلف الخدمات، فضلاً عن الهوية الرقمية للتحقق من هوية المستخدمين، والخدمات الاستباقية أيضاً.

وتعتبر الإمارات رائدة في مجال الخدمات الحكومية الذكية، حيث أطلقت مبادرة “حكومة بلا ورق” و”استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي”، وكذلك “الهوية الرقمية”.

في حين أطلقت السعودية مبادرات مثل برنامج التعاملات الإلكترونية الحكومية “يسر” و”رؤية 2030″، التي تهدف لتحويل الخدمات الحكومية إلى خدمات رقمية، بينما تُركز قطر على تطوير الخدمات الحكومية الإلكترونية وتقديمها عبر منصات رقمية متطورة في مختلف المجالات.

تقرير لمجموعة “بوسطن كونسلتينج جروب” (9 ديسمبر 2024)، أشار إلى أن هناك أداء استثنائي لافت لدول مجلس التعاون في تقديم الخدمات الحكومية الرقمية، مؤكداً تحقيق السعودية والإمارات وقطر ريادة عالمية ملموسة في رضا المواطنين على مستوى أداء الخدمات الحكومية الرقمية.

وأوضح التقرير أن دول المجلس تتصدر دول العالم من حيث ارتفاع مستوى رضا المواطنين عن مستوى كفاءة وأداء الخدمات الحكومية الرقمية، حيث وصلت إلى أعلى معدل رضا ويبلغ 81%.

التعليم

وفي قطاع التعليم، أظهرت دول الخليج اهتماماً متزايداً بدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي بهدف تحسين التجربة التعليمية الشاملة، وتعتبر حالياً رائدة في هذا المجال.

ولتسريع دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم، أصدر وزير التربية ووزير التعليم العالي والبحث العلمي الكويتي عادل العدواني (13 مارس 2024)، قراراً يقضي بتشكيل لجنة لدمج تقنية الذكاء الاصطناعي ضمن منهج الحاسوب.

أما قطر فقد أعلنت، في يونيو من العام الماضي 2023، على لسان بثينة النعيمي وزيرة التربية والتعليم والتعليم العالي السابقة، أن تطوير أنظمة بيئة التعليم الإلكتروني والذكاء الاصطناعي، وتعزيز التحول الرقمي للبيئة التعليمية، “أصبح جزءاً لا يتجزأ من أي خطة استراتيجية تعليمية في قطر”.

بالسعودية أطلقت وزارة التعليم مبادرة “ساعة الذكاء الاصطناعي”، مستهدفة أكثر من 1300 مدرسة حكومية وأهلية في مختلف مناطق المملكة، كثاني مبادرات الأولمبياد الوطني للبرمجة والذكاء الاصطناعي “أذكى”.

الإمارات قالت على لسان وزير التربية والتعليم أحمد بالهول الفلاسي إن استخدام “ChatGPT” قد يكون طريقة ممتعة للطلاب للتكامل مع الذكاء الاصطناعي؛ معتبراً إياه أمراً مهماً لدمج الطلبة في هذه التقنيات، “مع مراعاة أن نكون أذكياء عند التقييم”.

أما عُمان فتسعى وفق رؤية 2040 إلى تحقيق “تعليم عالي الجودة، مُدمج بالتقانة، مُتعدد المسارات، يُعزز الابتكار وريادة الأعمال، ويَبني المهارات”، من خلال برامج تعليمية وتربوية تعزز العملية التعليمية واكتساب مهارات المستقبل، وفق رؤيتها الكاملة.

الصحة

تشير التوقعات إلى أن إنفاق دول الخليج على الرعاية الصحية بحلول العام 2027، سيبلغ 135.5 مليار دولار، وهذا يساهم في تبني الذكاء الاصطناعي بإعادة تعريف المشهد الصحي في المنطقة، من التشخيص والعلاجات الأكثر ذكاءً إلى تحسين عمليات المستشفيات، بحسب مقال لمارك وهبي، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في مؤسسة “شفرة” (الوطن – 16 ديسمبر 2024).

وفي مقال نشره راشد ابانمي، في صحيفة “مال” (23 أكتوبر 2024)، أشار إلى أن الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً مهماً في تحسين الرعاية الصحية من خلال تطوير تقنيات تشخيصية أكثر دقة، وتوفير الرعاية الصحية الشخصية باستخدام البيانات الضخمة، بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي تطوير الأدوية المخصصة ومراقبة صحة المرضى عن بعد باستخدام الأجهزة القابلة للارتداء.

وحالياً تستخدم الإمارات تقنيات الذكاء الاصطناعي في العديد من المستشفيات والمراكز الصحية في الإمارات، مثل تحليل صور الأشعة السينية للكشف عن مرض السل، كما تولي السعودية أهمية كبيرة في توظيفه في القطاع الصحي كجزء من “رؤية 2030″، حيث يتم استخدامه في تحليل البيانات الجينية لتطوير علاجات مُخصّصة.

وكذلك الحال في الكويت التي أدخلت تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التشخيص والعلاج والتدريب، فيما تسعى قطر وبقية دول الخليج لتحسين كفاءة العمليات الطبية، وتطوير علاجات وأدوية جديدة، وتقديم الرعاية الصحية عن بُعد، وتدريب الكوادر الطبية.

النقل والمواصلات

كما تولي دول الخليج أهمية خاصة لإدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي في النقل والمواصلات، من خلال إدخال السيارات ذاتية القيادة، وتنظيم الحركة المرورية بشكل أكثر كفاءة، مما يقلل من الحوادث ويحسن استخدام الموارد.

وساهمت تلك التقنيات التي أدخلت على قطاع النقل، في تحسين تدفق حركة المرور، وتقليل الازدحام، وتحسين خدمات النقل، ومنع الحوادث ومراقبة سلوك السائقين، وكذا تشجيع استخدام المركبات الكهربائية وتحسين كفاءة استهلاك الوقود.

وتسعى سلطات دبي إلى أن تكون 25% من رحلات النقل في الإمارة ذاتية القيادة بحلول العام 2030، في الوقت الذي أطلقت هيئة الطرق والمواصلات فيها منصة مؤسسية متكاملة لتصميم وتطوير حلول الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات.

كما أطلق مركز النقل المتكامل بأبوظبي مبادرتين بالتعاون مع “جوجل” لتعزيز الذكاء الاصطناعي في مجال استدامة النقل والمواصلات، وهما مشروع “غرين لايت”، و”منصة جوجل للذكاء الاصطناعي” لتحليل البيانات الضخمة الناتجة من منظومة خرائط “جوجل” لتوقعات حركة المرور والازدحامات المتوقعة ووضع خطط استباقية للتقليل منها.

وفي السعودية تولي المملكة اهتماماً كبيراً بتطوير قطاع النقل كجزء من رؤية 2030، وتشمل المبادرات استخدام التقنيات الذكية لتحسين السلامة على الطرق وتطوير خدمات النقل العام، خصوصاً في المدن الكبرى مثل الرياض وجدة، فضلاً عن دراسة استخدام المركبات ذاتية الحركة في مشروع “نيوم”.

وهناك نماذج عدة لاستخدامات الذكاء الاصطناعي في المواصلات والنقل منها أنظمة المراقبة الذكية، وتطبيقات النقل الذكية كـ”أوبر” و”كريم”، وكذا استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تحسين كفاءة استهلاك الوجود.

مجالات العمل

ولعل من أبرز القطاعات في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في دول الخليج، هو قطاع العمل، مثل الصناعة والطاقة، والزراعة وغيرها، وقد أولت تلك الدول وخصوصاً السعودية والإمارات وقطر أهمية كبرى لاستخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات المتعلقة بالبنية التحتية للطاقة والنفط، وتعزيز الصيانة التنبؤية التي تساهم في تقليل التكاليف وزيادة الكفاءة، بحسب مقال راشد ابانمي، في صحيفة “مال” (23 أكتوبر 2024).

وأشار إلى ان تقنيات الذكاء الاصطناعي تستخدم في دول الخليج لتحليل الاحتياجات المستقبلية للطاقة، وتطوير استراتيجيات إنتاج وتوزيع أكثر كفاءة، فضلاً عن استخدامها في تبني الزراعة الذكية باستخدام تقنيات مثل الروبوتات وأجهزة الاستشعار بما يمكن أن يؤدي إلى تحسين إدارة الموارد الزراعية، وتوفير المياه، وزيادة الإنتاجية في المناطق الزراعية.

تحديات

وبقدر مساعي دول الخليج في تحقيق الريادة في توظيف التكنلوجيا الحديثة وتقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، إلا أنها لا تزال تواجه العديد من التحديات، تتعلق بالبنية التحتية المتطورة، والتشريعات المطلوبة، فضلاً عن الكلفة الضخمة المطلوبة لذلك.

ومن التحديات توفير الكوادر البشرية المدربة، وخصوصاً ما تعلق باستخدام وصيانة الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات بدول الخليج.

ويضاف لذلك التحدي الثقافي، حيث يتطلب التحول إلى اقتصاد قائم على الذكاء الاصطناعي تغييراً في طريقة التفكير وفي أسلوب العمل، كما يتطلب هذا إعادة هيكلة بعض القطاعات الاقتصادية والتعليمية، بالإضافة إلى إدخال سياسات تشجيع الابتكار، وفق راشد أبانمي.

ومن أبرز التحديات أيضاً التحدي الأمني، فمع التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي، تزداد التحديات المتعلقة بالأمن السيبراني وحماية الخصوصية؛ ما يوجب على دول الخليج تعزيز أنظمتها الأمنية لحماية البيانات الشخصية والمؤسسية من الهجمات السيبرانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى