التصنيف الأقسى.. ما التبعات المتوقعة بعد قرار ترامب ضد الحوثي؟
تعد الحرب في اليمن والتهديدات التي يشكلها الحوثيون في البحر الأحمر إحدى أهم الملفات المتداولة على طاولة الإدارة الأمريكية الجديدة
في ثالث يوم من توليه منصبه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موقفاً أكثر صرامة تجاه الحوثيين، بإعادة وضعهم في التصنيف الأكثر تقييداً في قائمة “المنظمات الإرهابية الأجنبية”، التي تعرف اختصاراً بـ (FTO).
وهذه المرة الثانية التي تثار المخاوف بشأن احتمالية أن يكون للتصنيف عواقب سلبية، سواء على عملية السلام في اليمن، أو عرقلة جهود ومساعي الوساطة الأممية التي لم تنجح على مدار 10 أعوام في إنهاء الحرب، فضلاً عن العواقب الإنسانية بحقل المواطنين، خصوصاً بعدما أقرت واشنطن أيضاً معاقبة أي جهة قد تتعامل مالياً مع المليشيا، الذي يسري في هذا الاتجاه على المنظمات الدولية العاملة في اليمن.
ويفرض القرار الذي أعلنه البيت الأبيض عقوبات أشد من تلك التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن على الجماعة المتحالفة مع إيران، وذلك رداً على هجماتها على حركة الشحن التجاري في البحر الأحمر وعلى سفن حربية أمريكية معنية بالدفاع عن هذا الممر المائي الهام، فما التبعات المتوقعة عن القرار، وهل سيلحقه عمل عسكري ضد المليشيا؟
قرار متوقع
وتعد الحرب في اليمن، والتهديدات التي يشكلها الحوثيون في البحر الأحمر، أحد أهم الملفات المتداولة على طاولة الإدارة الأمريكية الجديدة، وأثارت التحليلات الأمريكية عدداً من السيناريوهات المتوقعة خلال الأشهر الماضية، مع تصاعد هجمات الحوثيين، خلال الأشهر الماضية.
ولذلك، وفي خطوة مبكرة فاجأت الجميع بإعلانها، أعلن البيت الأبيض (23 يناير 2024) أن الرئيس ترامب الذي تولى السلطة في 21 يناير، قرر إدراج الحوثيين على قائمة “المنظمات الإرهابية الأجنبية”.
وذكر البيت الأبيض في بيان له أن “أنشطة الحوثيين تهدد أمن المدنيين والموظفين الأمريكيين في الشرق الأوسط، كما تهدد أقرب شركائنا الإقليميين واستقرار التجارة البحرية العالمية”، موضحاً أن سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة تتمثل في “التعاون مع شركائنا الإقليميين للقضاء على قدرات وعمليات الحوثيين، وحرمانهم من الموارد لإنهاء هجماتهم”.
وأكد البيان أنه سيوجه الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لإنهاء علاقتها مع الكيانات التي قدمت مدفوعات للجماعة.
هذه الخطوة جاءت بالتزامن مع تعيين ماركو روبيو وزيراً للخارجية، حيث يكشف جزءاً من طبيعة السياسة الخارجية لإدارة ترامب، إذ يعرف بمواقفه الصارمة تجاه الحوثيين ونقده اللاذع لسياسة بايدن تجاه اليمن، وطالب بتصنيفها جماعة إرهابية أكثر من مرة، ويتبنى آراء متشددة بشأن إيران.
تأثيرات واردة
إعادة تصنيف الولايات المتحدة للحوثيين “منظمة إرهابية”، وفق الباحث السياسي نجيب السماوي، “يعمق عزلة مليشيا سياسياً واقتصادياً”، مؤكداً أن “القرار مهم وهو عنوان مرحلة قادمة حساسة في المنطقة”.
ويؤكد أن ما يحدث يؤكد أن اليمن دخلت مرحلة جديدة، خصوصاً أن القرار سيعمل على “تجفيف منابع الحوثي الاقتصادية والمالية والسياسية والعسكرية وإضعافه قبيل المعركة القادمة التي قد تكون معركة عسكرية”.
ويلفت في حديثه لـ”الخليج أونلاين” إلى أن القرار كان متوقعاً ضمن أجندة ترامب، حيث كان لافتاً منذ فوزه في الانتخابات وقبل وصوله إلى البيت الأبيض، من خلال تصريحاته، أنه ستزال أذرع إيران من الشرق الأوسط”.
ويرى أن حلفاء إقليميين لأمريكا أعطوا صك بياض لترامب للمضي نحو هذه الخطوة، كما يقول، مثل: “السعودية والإمارات ومصر، لأنها تضررت كثيراً خلال السنوات الماضية”، إضافة إلى “إسرائيل التي ربما كان واحداً من تعهدات ترامب مقابل وقف إطلاق النار في غزة أن يصنف الحوثيون”.
كما يشير إلى أن النص “متشدد وواضح بأنه يعاقب بنص فضفاض ويسمح بالتوسع بتأويله، كما يرد السياسيون في البيت الأبيض بمعاقبة أي طرف له علاقة مع جماعة الحوثيين، ومنها قطع التمويل الأمريكي عن أي منظمة لا تقوم بما يكفي من توثيق لانتهاكاتهم، أو بما يكفي في مواجهة الحوثيين عموماً”.
وعن الحكومة اليمنية يقول: إنها “أمام فرصة تاريخية يجب أن تستغلها بعد أن فشلت سابقاً في استغلال القرار السابق الذي اتخذته إدارة ترامب السابقة”، مضيفاً: “إذا لم يتم استغلال هذه الفرصة فأعتقد أنها لن تحصل على فرصة أخرى”.
فيما يقول الاقتصادي محمد سلام إن القرار سيكون له تأثير يتمثل في “تعزيز الضغط الدولي على الجماعة، ما قد يدفعها للتفكير في تقديم تنازلات والمشاركة بجدية في مسار السلام”.
وإلى جانب ذلك يشير إلى أن هذه الخطوة تعد “رسالة قوية ضد الأنشطة التي تهدد الاستقرار في اليمن والمنطقة، وخصوصاً بما يقوم به الحوثيون في البحر الأحمر”.
ويضيف لـ”الخليج أونلاين”: “قد يسهم أيضاً في تحفيز الجهات الدولية والمحلية على العمل على آليات بديلة لضمان وصول المساعدات الإنسانية مباشرة إلى المستفيدين، بعيداً عن تأثير المليشيا”.
قرار سابق
هذا القرار كان قد سبقه قرار مماثل، في يناير 2021، قبل رحيل ترامب عن السلطة في ولايته السابقة بأيام فقط، لكن إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جو بايدن قامت بإلغائه بعد توليها الحكم مباشرة، حيث لم يدم سوى أسابيع قليلة.
لكن وتحت الضغوط التي تعرضت لها واشنطن بعد هجمات الحوثيين، منذ نوفمبر 2023، على السفن في البحر الأحمر، دفعت مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، إلى الإعلان بأن البيت الأبيض أعاد إدراج جماعة الحوثي في اليمن “منظمة إرهابية عالمية”، ولكن بشكل مخفف من الإعلان الحالي لإدارة ترامب.
وذكر وزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن حينها أن الحوثيين شنوا هجمات غير مسبوقة على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وعلى القوات المتمركزة في المنطقة. وأضاف أن واشنطن تريد أن يجبر هذا التصنيف الحوثيين على الابتعاد عن إيران.
ومنتصف يناير الجاري، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على بنك اليمن والكويت في صنعاء بتهمة تقديم دعم مالي للحوثيين ليصبح أول بنك تجاري في مناطق سيطرة الحوثيين تبلغه عقوبات أمريكية بعد أن اقتصرت في السابق على 12 فرداً على صلة بالجماعة.
ومع ذلك لم تعطِ مليشيا الحوثي اهتماماً لتلك القرارات وواصلت هجماتها، التي لا تزال مستمرة حتى اليوم، حيث نفذت أكثر من 100 هجوم على السفن بالبحر الأحمر.
حرب لم تتوقف
ويخوض الحوثيون في اليمن منذ انقلابهم على السلطة عام 2014 حرباً مدمرة مع القوات الموالية للحكومة اليمنية، ويسيطرون حالياً على معظم مناطق شمال البلاد، بعدما تمكن في مارس 2015، تحالف عسكري بقيادة السعودية لدعم الحكومة المعترف بها دولياً من تقليص أماكن سيطرتهم بعدما كانوا يسيطرون على معظم مناطق البلاد.
وفي أبريل 2022، أدى وقف لإطلاق النار توسطت فيه الأمم المتحدة إلى تهدئة القتال، قبل أن تلتزم أطراف النزاع، في ديسمبر 2023، بعملية سلمية، إلا أن هجمات الحوثيين مستمرة بين الحين والآخر على المدن الواقعة تحت سيطرة الحكومة.
وتسببت الحرب بآثار مدمرة على الوضع الاقتصادي والإنساني، فبينما كانت التقديرات تشير إلى حاجة 18 مليون يمني إلى المساعدات، زاد العدد خلال عام واحد فقط ليصبح 19.5 مليون شخص، وسط مخاوف من أن يسهم القرار الأمريكي في انزلاق 1.3 مليون يمني إلى طبقة الفقراء المحتاجين للمساعدات الإنسانية.