التصعيد في جنين.. هروب إسرائيلي من عار الفشل بحرب غزة
هذه الانتهاكات تعبر عن رؤية توراتية متطرفة تسعى لضم الضفة الغربية ضمن ما يسمى “دولة إسرائيل الكبرى”
لا يهدأ مخيم جنين شمال الضفة الغربية المحتلة عن الاقتحامات المتكررة لجيش الاحتلال الإسرائيلي وأجهزة أمن السلطة الفلسطينية، إضافة إلى تشديد الحصار المفروض عليه ومنع إدخال الطعام والشراب لسكانه، بهدف إخراج المقاومين منه وإنهاء حالة المقاومة المتواجدة هناك.
يشهد المخيم عملية عسكرية مستمرة لجيش الاحتلال الإسرائيلي بدأت في 21 يناير الجاري، بمشاركة قوات كبيرة من المشاة والدبابات والطائرات المسيرة، مما يعد تغييراً لقواعد الاشتباك، حيث إنها المرة الأولى التي يتم فيها استخدام الدبابات منذ عملية “السور الواقي” في عام 2002.
جاءت العملية الإسرائيلية بعد حالة إنهاك كبيرة عاشها المخيم وسكانه بسبب أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، التي فرضت حصاراً عليه استمر 50 يوماً وأسفر عن مقتل عدد من المقاومين والمدنيين.
أظهرت عملية جيش الاحتلال الأخيرة على المخيم تنسيقاً عالياً مع أجهزة أمن السلطة، التي اعتقلت خلال أيام حصارها لجنين عدداً من المقاومين وفككت عبوات ناسفة.
برر جيش الاحتلال العملية بأنها تستهدف “تفكيك البنية التحتية للإرهاب” في المخيم، حيث يزعم أن مجموعات مسلحة تنشط فيه بشكل مكثف وتنفذ هجمات ضد المستوطنات وقوات الجيش. من جانبها، بررت السلطة الفلسطينية حملتها السابقة بأنها تهدف إلى حفظ الأمن والنظام في جنين.
استهدفت عملية الاحتلال منشآت مدنية ومنازل في المخيم، بما في ذلك محاصرة مستشفى جنين الحكومي وتدمير البنية التحتية، مما أجبر آلاف العائلات على النزوح، في تكرار لما حدث بقطاع غزة.
بدورها، اعتبرت حركة “حماس” أن تزامن انتهاكات السلطة مع عدوان الاحتلال على جنين يؤكد أن تنسيقها الأمني مع الاحتلال وصل إلى مستويات كارثية، وهو نهج مرفوض من كافة مكونات الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة.
يرى الكاتب والمحلل السياسي محمود حلمي أن العملية العسكرية الإسرائيلية ضد مخيم جنين جاءت مباشرة بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في قطاع غزة، وهو ما يشير إلى أن “إسرائيل” انتقلت إلى جبهة أخرى من القتال.
يقول حلمي في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “لا تريد القيادة العسكرية والسياسية الإسرائيلية أي تعاظم للمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، وستعمل على مهاجمة أي حالة تنشأ أو تتطور، أو تحاول تكرار تجربة غزة”.
وأوضح حلمي أن “إسرائيل” لن تستريح أو تهدأ خلال السنوات القادمة، لأنها تعلمت جيداً من هجوم السابع من أكتوبر وما تركه من آثار استراتيجية على دولة الاحتلال، وخسائر بشرية واقتصادية.
حول استخدام جيش الاحتلال للدبابات في شوارع جنين والطيران المروحي، يرى الكاتب والمحلل السياسي أن ذلك يعد تغييراً لقواعد الاشتباك، ورسالة من قيادة الجيش بأن الوضع تغير في الضفة الغربية، في تذكير بأيام عملية “السور الواقي” عام 2002.
كما يتوقع أن تنتقل العملية العسكرية لجيش الاحتلال من مخيم جنين إلى مناطق أخرى في الضفة الغربية المحتلة، والوصول إلى مدن ومخيمات أخرى خلال الأيام القادمة، خاصة بعد توقف القتال في قطاع غزة، وعلى جبهة لبنان.
توضح الكاتبة الفلسطينية سالي أبو عياش أن الضفة الغربية تشهد في الفترة الأخيرة تصعيداً عسكرياً إسرائيلياً غير مسبوق، من خلال حملة واسعة النطاق على جنين ومخيمها، وزيادة الإجراءات الأمنية عبر الحواجز العسكرية، التي بلغت 898 حاجزاً وبوابة مغلقة، ما أدى إلى تقطيع أوصال الضفة وتحويلها إلى كانتونات معزولة.
تقول أبو عياش في مقالها: “هذه العمليات جاءت كتعويض عن الفشل الإسرائيلي في تحقيق أهداف الحرب في قطاع غزة ولبنان، وسعياً لتحويل أنظار الداخل الإسرائيلي عن إخفاقات الجيش، ورفع الروح المعنوية للمستوطنين”.
وترى أن التصعيد العسكري يهدف إلى الحد من مظاهر احتفال الفلسطينيين بإطلاق سراح الأسرى، والتضييق على الحركة والتنقل خوفاً من العمليات الفدائية، وربما يكون الهدف الخفي هو العودة للحرب مجدداً.
تشير الكاتبة إلى أن السياسات الإسرائيلية تهدف إلى السيطرة الكاملة على منطقة (ج) كخطوة أولى، ثم تحويل مناطق (ب) إلى (ج)، مما يعكس خطة ممنهجة لضم الضفة الغربية، وتشمل هذه السياسات قرارات حكومية بإنشاء الحواجز، وتنفيذ الاقتحامات، وتدمير البنية التحتية، وتقييد حركة الفلسطينيين.
تضاف إلى هذه الانتهاكات استهداف المؤسسات التعليمية والإعلامية، والأماكن الدينية، وسوء معاملة الأسرى، إضافة إلى توسيع البناء الاستيطاني والهدم الممنهج.
وأوضح أبو عياش أن هذه الانتهاكات تعبر عن رؤية توراتية متطرفة تسعى لضم الضفة الغربية ضمن ما يسمى “دولة إسرائيل الكبرى”، ما يزيد من معاناة الفلسطينيين اليومية ويهدد وجودهم على أرضهم.