اقتصاد الإعلام الإماراتي يزدهر.. إيرادات مليارية تتصدرها المنصات الرقمية

– الإعلام الرقمي يتصدر إيرادات الإعلام بالإمارات بقيمة تتجاوز 11.6 مليار دولار
– من المتوقع أن تبلغ قيمة سوق الإعلام الإماراتي 18.5 مليار دولار في 2030
في ظل التحولات الرقمية المتسارعة وتنامي الطلب على المحتوى المخصص، يشهد قطاع الإعلام في دولة الإمارات مرحلة توسّع ملحوظة، مدفوعاً بنمو المنصات الرقمية وتكاملها مع الأشكال التقليدية.
وتُبرز المؤشرات الاقتصادية والبيانات الحديثة حجم الاستثمارات وتنوع مصادر الإيرادات، ما يعكس دور القطاع كأحد محركات الاقتصاد الإبداعي في الدولة الخليجية، وسط بيئة تشريعية مرنة وبنية تحتية متطورة تعزز من قدراته التنافسية إقليمياً وعالمياً.
تحولات السوق الإعلامي
في إطار ذلك، تشير التقديرات إلى أن حجم إيرادات قطاع الإعلام في دولة الإمارات سيبلغ نحو 56.5 مليار درهم (15.4 مليار دولار) خلال عام 2025، موزعة على 3 قطاعات رئيسية.
وكشفت صحيفة الوطن الإماراتية، في 25 مايو الجاري، نقلاً عن جهات بحثية متخصصة، أن الإعلام الرقمي جاء في الصدارة بإيرادات تبلغ 42.5 مليار درهم (11.6 مليار دولار)، يليه الإعلام المطبوع بنحو 13.1 مليار درهم (3.6 مليار دولار)، ثم السينما والإعلام المرئي بإيرادات تصل إلى 870 مليون درهم (237 مليون دولار).
في هذا السياق، أفاد مركز “إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية” أن السوق الإعلامي في الإمارات يشهد تحولات متسارعة، تقوده إلى مسارات نمو جديدة، في ظل ازدياد الاعتماد على الوسائط الرقمية وتكاملها مع الأشكال التقليدية للإعلام.
وقد سجّل الإعلام الرقمي إيرادات بلغت 30.4 مليار درهم (8.3 مليار دولار) في عام 2023، ومن المتوقع أن تصل إلى 67.8 مليار درهم (18.5 مليار دولار) في 2030، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 12.1%، وفقاً لتقرير صادر عن(Grand View Research) .
يُعزى هذا النمو إلى عوامل متعددة، منها التوسع في استخدام المنصات الرقمية، وزيادة الطلب على المحتوى التفاعلي، وارتفاع نسب المشاهدة عبر خدمات الفيديو حسب الطلب (VOD)، إلى جانب ارتفاع معدلات استهلاك المحتوى بين فئة الشباب، ونمو خدمات الإنترنت عالي السرعة في أنحاء الدولة.
ورغم الزخم الرقمي، لا تزال الصحف الورقية تحتفظ بحضورها في السوق المحلي، مدعومة بثقة القراء، وخصوصاً في المجالات التحليلية والسياسية والاقتصادية، وتصدر هذه الصحف بلغات متعددة، أبرزها العربية والإنجليزية، وتجمع بين الطابع التقليدي والمنصات الإلكترونية الحديثة.
بنية تحتية وتشريعات مرنة
ويلعب الإطار التشريعي المرن دوراً مهماً في دعم نمو قطاع الإعلام الإماراتي، إذ تبنّت الدولة منظومة قانونية حديثة تشمل تنظيم المحتوى، وحماية البيانات، وحقوق النشر، وتقنيات الذكاء الاصطناعي في الإنتاج الإعلامي.
كما تستمر الاستثمارات الحكومية في تطوير البنية التحتية الرقمية، من خلال إنشاء استوديوهات إنتاج متقدمة، وتعزيز قدرات البث، وتوفير بيئات عمل مرنة ضمن المناطق الحرة الإعلامية مثل twofour54 ومدينة دبي للإعلام.
وسجل قطاع السينما والإعلام المرئي إيرادات تجاوزت 800 مليون درهم (218 مليون دولار) في عام 2024، ما يعكس تزايد الطلب على المحتوى المحلي والتسهيلات المقدمة لصنّاع الأفلام والمستثمرين.
وفي الإطار التنظيمي، تم إصدار أكثر من 9000 ترخيص إعلامي جديد في عام 2024، من بينها 600 ترخيص لمؤثري وسائل التواصل الاجتماعي، في مؤشر واضح على نمو السوق الرقمي وتوسع قاعدة العاملين فيه.
وتشير توقعات مجموعة (IMARC) إلى أن الإعلان الرقمي في الإمارات سيواصل النمو بمعدل سنوي مركب يبلغ 12% خلال الفترة من 2025 إلى 2033، ما يدعم استدامة المؤسسات الإعلامية ويحفّز الابتكار في تقديم المحتوى.
قوة ناعمة
ويتحدث الباحث الرقمي نبيل العبيدي عن الأسباب التي دفعت الإعلام الرقمي في الإمارات لتصدر الإيرادات، مؤكداً بأن الدولة أدركت مبكراً أن الإعلام ليس مجرد قناة، بل “منصة اقتصادية”.
ويضيف لـ”الخليج أونلاين” أن هذا التحول استند إلى أربعة عوامل رئيسية، تتمثل في التحول الرقمي الشامل، التنوع السكاني والثقافي، نمو الاقتصاد الإبداعي، بالإضافة إلى الدعم الحكومي المباشر للمنصات الرقمية والإعلام البديل.
وحول دور البيئة التشريعية في جذب الاستثمارات الإعلامية، يشير العبيدي إلى ما أسماه “الذكاء التشريعي” في الإمارات، حيث لا تكتفي الدولة بالتنظيم فحسب، بل تبني تشريعات تمكينية.
ويبين ذلك بوجود مناطق إعلامية حرة مثل مدينة دبي للإعلام و”twofour54″ في أبوظبي، التي تقدم قوانين مرنة، وتسمح بالملكية الأجنبية الكاملة، وتوفر إعفاءات ضريبية وخدمات متنوعة وحديثة.
كما يلفت العبيدي إلى التراخيص الذكية والسريعة التي تقلل البيروقراطية وتتيح تسجيل الشركات الإعلامية إلكترونياً في أقل من 24 ساعة.
ويضيف أن القوانين التي تحمي الحقوق الفكرية وتضمن حرية نسبية للنشر (ضمن إطار منضبط) تعطي ثقة للمستثمرين الدوليين، كما أن التشريعات المواكبة للتحول الرقمي، مثل قوانين الجرائم الإلكترونية، تحفظ بيئة الإعلانات والتفاعل على المنصات.
وبخصوص دور الذكاء الاصطناعي، يرى العبيدي أنه لم يكمل مسيرة الإعلام فحسب، بل أعاد صياغتها بالكامل، مبيناً أن الذكاء يمكن الإعلاميين من تحليل سلوك الجمهور لحظياً، مما يسمح بمعرفة من يشاهد، ومتى، ولماذا يغادر المحتوى، وإعادة تشكيل الرسالة بناءً على هذه البيانات.
ويشير إلى قدرة الذكاء الاصطناعي على إنتاج المحتوى آلياً، مثل كتابة الأخبار العاجلة، والتلخيصات، وحتى توليد الصور ومقاطع الفيديو عبر نماذج مختلفة.
وتطرق العبيدي إلى مدى تغيير المنصات الرقمية لطبيعة المنافسة في سوق الإعلام، مؤكداً بأن هذا التغيير كان جذرياً، إذ ألغت المنصات الرقمية الاحتكار المؤسسي، ولم تعد القنوات الكبرى تسيطر وحدها على السوق، بل أصبح بإمكان أي شاب، حتى من غرفته، بناء منصة إعلامية مؤثرة عبر جواله فقط.
ويشير إلى تسارع الإيقاع في المنافسة، التي أصبحت تعتمد على “السرعة والإبداع”، وليس فقط على عدد المراسلين أو حجم الاستوديوهات، مؤكداً على صعود اقتصاد المؤثرين، حيث أصبح الأفراد منافسين للمؤسسات، مما أدى إلى تغير جذري في توزيع ميزانيات الإعلان.
ويلفت الباحث الرقمي إلى تحول المحتوى إلى خدمة، حيث بات الإعلام الرقمي يخاطب الجمهور كـ”مستخدم”، لا كمشاهد فقط، مما يتطلب تفاعلية بدلاً من البث من طرف واحد.
ويؤكد العبيدي بأن الإعلام اليوم لم يعد يروج للخبر، بل يبني تجربة، ومن يسبق في فهم العقل الجديد للجمهور هو من يتصدر المشهد، مشدداً على أن الإمارات تقود هذا التحول لأنها لا تنظر للإعلام كأداة، بل كـ”قوة ناعمة” تدير بها صورتها، اقتصادها، وتأثيرها الإقليمي والدولي.
منصة شاملة لتطوير الإعلام
تواصل الإمارات تعزيز دورها كمحور إعلامي مؤثر في المنطقة، من خلال رؤية استراتيجية تدعم التحول الرقمي وتواكب التغيرات التكنولوجية.
وفي هذا الإطار، عقدت “قمة الإعلام العربي 2025” في دبي خلال الفترة من 26 إلى 28 مايو الجاري، بتنظيم من نادي دبي للصحافة، وبمشاركة واسعة من المؤسسات والخبراء وصنّاع المحتوى.
وأشار مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجي بتقرير حول القمة، أن نسخة هذا العام تميزت بتنوع محاورها وتكامل فعالياتها، حيث تضمنت فعاليات منتدى الإعلام العربي، والمنتدى الإعلامي للشباب، وجائزة إبداع، وقمة رواد التواصل الاجتماعي، ما يعكس التحول من الفعاليات التقليدية إلى منصات استراتيجية تناقش قضايا الإعلام بمختلف أشكاله.
وركزت القمة على قضايا جوهرية مثل الذكاء الاصطناعي، وتحديث غرف الأخبار، والتحديات الأخلاقية والمهنية في عصر الخوارزميات.
كما تناولت القمة دور الإعلام خلال الأزمات، وتساؤلات حول جاهزية المؤسسات لمواجهة التضليل والمعلومات المضللة، مع الحفاظ على المصداقية والبعد الإنساني في التغطيات.
وتأتي هذه المبادرات في وقت يشهد فيه قطاع الإعلام في الشرق الأوسط نمواً متسارعاً، مع توقعات ببلوغ قيمته أكثر من 47 مليار دولار بحلول عام 2026.
هذا وعكست القمة توجه الإمارات نحو تعزيز استدامة الإعلام وتكامل أدواره في التنمية الاقتصادية والمجتمعية، عبر دعم الكفاءات الوطنية، وتوفير بيئة تشريعية مرنة، واعتماد أحدث التقنيات في صناعة المحتوى.