الاخبار

اتفاق غزة وانعكاسه على الملاحة في البحر الأحمر.. بين التفاؤل والمخاوف

أعلنت جماعة الحوثي أن عملياتها البحرية ستتوقف إذا توقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لكن شركات الشحن لا تزال تتخوف من عودة سفنها عبر البحر الأحمر.

مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في غزة، تتجه الأنظار نحو بقية ساحات الحرب، ومنها البحر الأحمر، حيث تعرض الخط الملاحي الدولي الذي يمر عبر باب المندب، لاضطرابات كبيرة أربكت التجارة الدولية وإمدادات الطاقة.

ومنذ نوفمبر 2023، نفذت جماعة الحوثي مئات الهجمات التي استهدف غالبيتها سفناً تجارية مرتبطة بـ”إسرائيل”، وأخرى تخص شركات قالت الجماعة إنها تنقل بضائع وسلع للموانئ الإسرائيلية.

تلك الهجمات تسببت بخسارة كبيرة لقطاع الملاحة والتجارة والطاقة الدولية، وتسببت بعزوف العديد من كبريات شركات الشحن العالمية عن المرور عبر المضيق الأقرب بين جنوب العالم وشماله، فكيف سينعكس اتفاق غزة على الملاحة البحرية؟.

غزة والبحر الأحمر

حتى اللحظة، ليس ثمة إشارة في اتفاق وقف إطلاق النار تخص المشهد العسكري في البحر الأحمر، رغم إعلان الحوثيين المستمر بأن تلك الهجمات مرتبطة بشكل مباشر بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

وقال مركز تنسيق العمليات التابع لجماعة الحوثي في اليمن، الاثنين (20 يناير)، إن هجماتهم في البحر الأحمر ستقتصر على استهداف السفن المرتبطة بـ”إسرائيل” فقط، وأنهم “سيوقفون العقوبات” على السفن الأخرى التي استهدفوها سابقاً، مشددين على أن هجماتهم على السفن الأمريكية والبريطانية ستستأنف “إذا استؤنفت هجماتهم علينا”، وفق ما نقلت وكالة “رويترز”.

وفي خطابه يوم الخميس الماضي (16 يناير)، قال زعيم الجماعة اليمنية المتمردة، عبدالملك الحوثي، إنها ستبقى في مواكبة مراحل تنفيذ الاتفاق في غزة، وأنها ستكون جاهزة لمباشرة الإسناد العسكري للشعب الفلسطيني.

هذا التصريح يمثل إعلاناً من الجماعة بإمكانية توقف الهجمات في حال توقفت الحرب في غزة بشكل كامل، بينما قال كبير مفاوضي الجماعة يوم الأربعاء 15 يناير، إن “حرب إسناد غزة وصلت إلى نهايتها بعد توقيع الاتفاق”.

وعملياً انحسرت هجمات الجماعة على السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، والسبب يعود لعزوف شركات الشحن عن المرور عبر الخط الملاحي في مضيق باب المندب، واتخاذها طريقاً بديلاً عبر رأس الرجاء الصالح.

كما يعود الأمر للانتشار الكثيف للمدمرات والسفن الحربية الغربية، وكذلك حاملات الطائرات الأمريكية في البحر الأحمر وخليج عدن، ومساهمتها في تمرير سفن الشحن التي ظلت تبحر عبر هذا الطريق.

وأعلنت الجماعة يوم الجمعة (17 يناير)، استهداف حاملة الطائرات الأمريكية “يو إس إس هاري ترومان”، شمال البحر الأحمر، وهو ما لم تؤكده أو تنفيه القيادة المركزية الأمريكية، لكنه يعكس حالة العسكرة الحاصلة في البحر الأحمر.

عسكرة البحر الأحمر

كثافة الحضور العسكري للسفن الحربية الأوروبية والأمريكية والدولية، في البحر الأحمر وخليج عدن، يجعل من المبكر الحديث عن عودة الملاحة الدولية عبر مضيق باب المندب إلى سابق عهدها.

وتحتفظ الولايات المتحدة الأمريكية بوجود عسكري كبير في البحر الأحمر وخليج عدن، وحالياً تتواجد حاملة الطائرات “يو إس إس هاري ترومان”، والمجموعة الحربية التابعة لها، كما تملك بريطانيا قطعاً عسكرية في المنطقة، في الوقت الذي تواصل المهمة الأوروبية “إسبيدس” عملياتها لحماية السفن التجارية هناك، وهي الحملة التي بدأت مطلع العام الماضي ولا تزال مستمرة حتى اليوم.

هذا الحشد الغربي العسكري الكبير في البحر الأحمر، ساهم في مضاعفة الاضطرابات في هذا الخط الملاحي الدولي، الذي تمر عبره قرابة 10% من التجارة البحرية العالمية، بما في ذلك صادرات النفط من الخليج العربي للأسواق العالمية.

وتشير المعلومات إلى أنه يمر عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر قرابة 4.8 ملايين برميل من النفط يومياً، وقرابة 10 آلاف سفينة سنوياً، منها 4 آلاف سفينة نفط.

مؤشرات أولية

ومع توقيع الاتفاق في غزة، بدأت التأثيرات تظهر على بعض الأسواق الآسيوية، وخصوصاً اليابانية والصينية، في ظل توقعات بأن الاتفاق سيؤدي إلى استئناف حركة الملاحة في البحر الأحمر.

ووفقاً لوكالة “بلومبيرغ”، فإن هناك توقعات بأن يؤدي استئناف حركة الملاحة، إلى خفض أسعار شحن الحاويات المرتفعة، وبالتالي سيؤثر سلباً على أرباح الشركات.

وحتى الآن لا يزال قرابة 90% من سفن الحاويات تتجنب البحر الأحمر، وتلتف حول أفريقيا، إلا أن وقف إطلاق النار قد يعزز التوقعات بمرور آمن.

مخاطر مستمرة

وبالرغم من حالة التفاؤل هذه، إلا أن مدراء تنفيذيون في صناعة النقل البحري، تحدثوا لوكالة “رويترز”، بأن الشركات التي تنقل منتجاتها حول العالم غير مستعدة للعودة إلى طريق التجارة عبر البحر الأحمر، بعد اتفاق غزة، بسبب الشكوك في استمرار الهجمات.

وقال المدراء التنفيذيون إن المخاطر ما تزال مرتفعة جداً أمام استئناف الرحلات عبر مضيق باب المندب في البحر الأحمر، ونقلت عن مات كاسل نائب رئيس الشحن العالمي بمجموعة الخدمات اللوجستية “سي إتش روبنسون”، إنه “لن تشهد الصناعة على الأرجح تحولاً كبيراً نحو العودة إلى قناة السويس في الأمد القريب”.

وحتى اللحظة من غير الواضح النهج الذي ستتبعه الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل” وحلفائهما الغربيين تجاه الحوثيين في المرحلة المقبلة، ما يعني أن الجماعة قد تستخدم ورقة الملاحة والهجمات البحرية، للمساومة والضغط، من أجل التوصل لاتفاق ينهي التهديد الذي يستشعرونه في اليمن.

انعكاس مباشر

أما الخبير الاقتصادي الأردني نمر أبو كف، فيرى أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، من الممكن أن ينعكس بشكل مباشر على أمن الطاقة والملاحة في البحر الأحمر، بعد أن تضررت بشكل مباشر بسبب الحرب.

وقال في تصريح لـ”الخليج أونلاين”: “إذا توقفت الحرب، ستزول هذه التهديدات، وإذا ما توقف العدوان، اليمن سيلتزم بوعده بوقف تلك الحرب، وربما تعود مرة ثانية شركات النقل العالمية إلى البحر الأحمر، في النقل والعبور باتجاه قناة السويس، وسيعود ميناء إيلات في فلسطين المحتلة للعمل مرة ثانية، وسيعود النشاط أيضاً إلى ميناء العقبة الأردني”.

ولفت إلى أن الأمور في هذا الممر المائي الحيوي ستعود إلى ما كانت عليه؛ “لأن الحوثيين أعلنوا أنه في حال توقف العدوان على غزة، سيوقف الهجمات، بشرط ألا يكون هناك استفزازات من الدول الغربية خصوصاً أمريكا أو من إسرائيل”.

واستطرد أبو كف قائلاً: “هجمات الحوثي مرتبطة بمدى التزام بوقف إطلاق النار في غزة”، لكنه أشار إلى أنه “بسبب عسكرة البحر الأحمر، قد يكون هناك مجهود أكبر من طرف الكثير من الدول، للإبقاء على وجودها العسكري هناك”.

وأضاف: “هناك أطراف ودول تسعى لإقامة قواعد عسكرية لها في البحر الأحمر، سواء من الجهة الغربية بأفريقيا، أو من جهة الدول الشاطئية على البحر الأحمر، وفعلاً هناك دول مثل تركيا والإمارات، وروسيا والصين، لديها رغبة في وجود عسكري بالبحر الأحمر، وحتى أمريكا ربما تريد زيادة تمركزها في هذه المناطق”.

وتوقع أبو كف، أن يكون هناك زيادة في عدد القواعد العسكرية في تلك المنطقة، خصوصاً من الولايات المتحدة التي ستزيد وجودها العسكري عن طريق حاملات الطائرات والبوارج الحربية.

عودة الشحن

يشير أبو كف أيضاً إلى أن بواخر وسفن الشحن ستعود للمرور عبر البحر الأحمر؛ “لأنه سيختصر مسافات طويلة، ويقلل كلف التأمين والشحن، وبالتالي غاية أي عملية تجارية بين دول العالم، هي في النهاية تعظيم الأرباح والمنافع، وفي حال توقفت التوترات هناك، فلا شك ستعود الدول والشركات مرة أخرى إلى المرور عبر البحر الأحمر”.

واستطرد قائلاً: “ما حدث في البحر الأحمر، وما حدث من تدخل اليمن (الحوثيين) للمرة الأولى في بؤرة الصراع في غزة وفلسطين المحتلة، أمر سيكون له ما بعده، وأعتقد أن اليمن تعلم الكثير من هذه التجربة، ربما سيستفيد إذا وقعت أخطار، وظهرت أهمية الصواريخ بأنواعها، وظهرت قدرة اليمن بالتحكم في باب المندب”.

كما لفت إلى أن جزءاً كبيراً من اقتصاد “إسرائيل” تعطل بسبب تلك الهجمات التي قام بها الحوثيون، مشيراً إلى أن “ميناء إيلات وهو من الموانئ الرئيسية في دولة الاحتلال توقف تماماً عن استقبال أو تصدير السلع من الكيان المحتل، وتعطلت فيه عملية الإنتاج بشكل كبير، وبالتالي فإن هذه الحرب فرضت معادلة جديدة”.

أهمية كبرى

ويرى الخبير الاقتصادي الأردني، أن البحر الأحمر يعتبر من أهم الممرات المائية في العالم، إن لم يكن الأهم، كونه يربط إلى حدٍ ما شرق الكرة الأرضية بغربها، فيما يتعلق بالتجارة، وهذا ما أثبته قيام اليمن بقطع الإمدادات باتجاه “إسرائيل” وقناة السويس.

وأضاف أبو كف، في تصريحاته لموقع “الخليج أونلاين”، أنه “بلغة الأرقام، فإن 20 إلى 25% من إمدادات الطاقة العالمية تمر من هذا البحر، وهذا يؤشر إلى أهمية البحر الأحمر، خصوصاً أنه يقع بالمنطقة الأولى في العالم في إنتاج البترول والغاز”.

ونوّه إلى أن قرابة 70% من التجارة التي كانت تمر عبر البحر الأحمر توجهت إلى رأس الرجاء الصالح، وهذا زاد في مدة الشحن العالمي من 12 إلى  30 يوماً تقريباً، وكان لهذا انعكاسات كبيرة على التجارة العالمية، حيث ارتفعت كلف التأمين والشحن، وتأخرت سلاسل الإمداد بشكل كبير، وزادت مخاطر النقل البحري، إضافة إلى ارتفاع السلع العالمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى