“اتفاقية الدفاع المشترك” بين الرياض وواشنطن.. مصير مجهول في عهد ترامب
ما آخر مستجدات معاهدة الدفاع المشترك بين الرياض وواشنطن؟
“رويترز” تحدثت عن اقتصار النقاشات على اتفاقية محدودة بدلاً عن معاهدة الدفاع المشترك.
ما أسباب تراجع النقاشات حول اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين؟
العدوان الإسرائيلي على غزة واشتراط السعودية إقامة دولة فلسطينية للتطبيع مع “إسرائيل”.
يعود مشروع “معاهدة الدفاع المشترك” بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية إلى الواجهة مجدداً، في آخر أسابيع فترة الرئيس الحالي جو بايدن، بعد أشهر من طرحها ومناقشتها بين البلدين دون التوصل لاتفاق حقيقي.
اتفاقية كان يُراد لها أمريكياً أن تكون ثمناً للتطبيع بين المملكة و”إسرائيل”، لكن العدوان على غزة، وجرائم الاحتلال، دفعت الرياض لجعل إقامة الدولة الفلسطينية على رأس قائمة اشتراطاتها، وهذا ما تسبب بجمود المفاوضات.
واليوم، تشير المعلومات إلى سعي الرياض إلى توقيع اتفاق أمني محدود، أقل اتساعاً من المعاهدة الشاملة، خلال الأسابيع القليلة المتبقية من فترة بايدن، فهل تنجح مساعيها، وما مصير المعاهدة الشاملة في عهد الرئيس القادم دونالد ترامب؟.
لا اتفاقية دفاع شاملة
في يونيو 2024، نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين أمريكيين وسعوديين قولهم، إن إدارة بايدن تضع اللمسات النهائية على معاهدة مع السعودية، تلتزم بموجبها واشنطن في الدفاع عن المملكة في إطار صفقة تضمن التطبيع مع “إسرائيل”.
وتزامن ذلك مع تعقيدات كبيرة فرضها العدوان على غزة، حيث قفزت القضية الفلسطينية إلى الواجهة مجدداً، واضطرت الرياض لإعادة جدولة شروطها للتطبيع، من خلال تقديم شرط إقامة دولة فلسطينية، كشرط أساس لأي اتفاق مع “إسرائيل”
تداعيات أعاقت كما يبدو النقاشات بين الرياض وواشنطن، بالرغم من التحركات الأمريكية التي لم تتوقف طيلة الأشهر الماضية، لتتحول المملكة من الرغبة في توقيع معاهدة أمنية شاملة مع الولايات المتحدة، إلى اتفاقية أقل تواضعاً، وفق ما نقلت وكالة “رويترز” مؤخراً.
ونقلت الوكالة عن مسؤولان سعوديان، وأربعة مسؤولين غريبين قولهم، إن الرياض “تخلت عن مساعيها لإبرام معاهدة دفاعية طموحة مع واشنطن مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل وتريد الآن اتفاقاً محدوداً للتعاون العسكري”.
وأوضح مصدرين سعوديين وثلاثة مصادر غربية، أن “الأمير محمد بن سلمان جعل الاعتراف بإسرائيل مشروطاً باتخاذها خطوات ملموسة نحو إقامة دولة فلسطينية مع تصاعد الغضب الشعبي بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة”.
وأفادت المصادر الستة لـ”رويترز”، بأن المعاهدة الأمريكية السعودية الكاملة ستحتاج إلى تصديق مجلس الشيوخ الأمريكي عليها بأغلبية الثلثين، وهو ما لن يكون ممكناً ما لم تعترف الرياض بإسرائيل”.
اتفاقية محدودة
وبدلاً من الاتفاقية الدفاعية الشاملة، تأمل الرياض حالياً إبرام اتفاقية دفاعية أكثر تواضعاً قبل مغادرة الرئيس بايدن للبيت الأبيض في يناير الماضي، بحسب مصادر “رويترز”.
وأوضحت المصادر، أن النقاشات حالياً بين الرياض وواشنطن تتركز حول اتفاقية تتضمن “توسيع التدريبات والمناورات العسكرية المشتركة لمواجهة التهديدات الإقليمية، وخاصة من إيران”.
وتهدف الاتفاقية إلى تعزيز الشراكات بين شركات الدفاع الأمريكية والسعودية، مع ضمانات لمنع التعاون مع الصين، كما ستعزز الاستثمارات السعودية في التقنيات المتقدمة، خصوصاً أنظمة التصدي للطائرات المسيرة.
وقالت “رويترز”: “ستزيد الولايات المتحدة من وجودها في الرياض من خلال التدريبات والدعم اللوجستي والأمن السيبراني، وقد تنشر كتيبة صواريخ باتريوت لتعزيز الدفاع الصاروخي والردع المتكامل، لكنها لن ترقى إلى معاهدة ملزمة للدفاع المشترك تلزم القوات الأمريكية بحماية أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم في حال تعرضها لهجوم أجنبي”.
وحول هذا قال عبد العزيز بن صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث السعودي، إن المملكة “ستحصل على اتفاق أمني يسمح بمزيد من التعاون العسكري ومبيعات الأسلحة الأمريكية، ولكن ليس معاهدة دفاعية مماثلة للمعاهدة مع اليابان أو كوريا الجنوبية كما كان المسعى في البداية”، وفق الوكالة.
عودة ترامب
ومع بدء العد التنازلي لانتهاء فترة حكم بايدن، واقتراب تولي ترامب السلطة، يأخذ الحديث عن النقاشات السعودية الأمريكية حول معاهدة الدفاع المشترك منحىً مختلفاً.
ووفق وكالة “رويترز”، فإن الصورة “تتزايد تعقيداً بسبب وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض”، مشيرةً إلى أن خطة الرئيس المنتصر لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لن تتضمن أي بنود عن دولة أو سيادة فلسطينية، بالرغم من كونه “حليف وثيق لولي العهد السعودي”.
ونقلت عن دبلوماسيين قولهم إن الطريقة التي يوفّق بها ولي العهد بين أولويات السعودية وبين المشهد الدبلوماسي المتغير ستكون محورية وستحدد ملامح زعامته ومستقبل عملية السلام.
وقال مسؤول سعودي بارز – لم تكشف “روتيرز” عن هويته – إن المعاهدة مع واشنطن اكتملت بنسبة 95%، إلا أن الرياض اختارت مناقشة اتفاق بديل لأنه لا يمكن تنفيذها بغير تطبيع مع “إسرائيل”.
واستعرضت الوكالة عقبات أخرى، منها تعثر محادثات التعاون النووي المدني، بسبب رفض الرياض التوقيع على ما يعرف باتفاقية 123 مع واشنطن؛ لأنها تحرم المملكة حق التخصيب النووي.
علاقات وضغوطات
وبالرغم من العلاقات الوثيقة في المجال العسكري بين المملكة والولايات المتحدة، إلا أن ثمة ضغوطات تتعرض لها الرياض من قبل واشنطن بخصوص التطبيع، وهذا يفسر عدم حسم موضوع “معاهدة الدفاع المشترك”.
ويقول الخبير العسكري العقيد إسماعيل أيوب، إن العلاقة الأمريكية السعودية، “علاقة قديمة ومتجذرة، خاصة في المجال العسكري، ومعظم سلاح السعودية سلاح أمريكي وغربي”.
وأضاف أيوب في تصريح لـ”الخليج أونلاين”: “من هنا تأتي نقاط الضغط على المملكة العربية السعودية، فضلاً عن الضغوطات الأخرى، علماً بأن الولايات المتحدة تضغط على السعودية من أجل التطبيع مع إسرائيل”.
واستطرد قائلاً: “قادة المملكة يعارضون؛ لأن شرط المملكة معروف، وهو أن تسمح إسرائيل بحل الدولتين للقضية الفلسطينية، وهنا تأتي التجاذبات السياسية، والضغوطات بين واشنطن والرياض”.
تجاذبات مستقبلية
وحول موضوع الدفاع المشترك، قال العقيد أيوب، إن “الأمر منوط بالتجاذبات السياسية المستقبلية للمنطقة بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية”، لافتاً إلى أن الرياض لا تستطيع أن تتخلى عن العلاقات العسكرية فضلاً عن الاقتصادية وغيرها مع واشنطن لأسباب عديدة.
وشدد على أن الرياض وواشنطن “في النهاية هم حلفاء”، مشيراً إلى أن هناك قواعد أمريكية على أراضي المملكة، كما أن الولايات المتحدة تعتبر السعودية “فضاء جيوسياسي وجيوعسكري في المنطقة، وتعتبرها حليفاً”.
ونوّه العقيد أيوب، إلى وجود تباين في الولايات المتحدة تجاه السعودية، “حيث أن عدد من أعضاء الكونغرس يرون أن السعودية منبع الإرهاب، ويضغطون من أجل تغيير كثير من الأمور في المملكة، من بينها الضغوطات نتيجة الاتفاقيات العسكرية التي عُقدت أيام ترامب، في الحقبة الأولى من حكمه”.
واختتم حديثه بالقول: “الآن ربما هناك ضغوطات من أجل إيقاف تلك الاتفاقيات من قبل الساسة الأمريكان، ولي ذراع السعودية وإجبارها على تقديم تنازلات أكثر لإسرائيل، لغرض التطبيع مع الاحتلال، لكونه سيجر كل العالم العربي والإسلامي لفتح علاقات مع إسرائيل، وهذا ما ترفضه السعودية دون إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران”.