إعمار غزة.. خطوة عربية تنتظر كسر التعنت الإسرائيلي الأمريكي

ما الهدف الأساسي من الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة؟
رصد 53 مليار دولار لإعادة إعمار غزة دون تهجير سكانها.
ما أبرز العقبات التي تواجه تنفيذ الخطة؟
- الرفض الأمريكي والإسرائيلي.
- غياب آليات واضحة لتمويل الخطة.
لم يعد ملف إعادة إعمار قطاع غزة مجرد مشروع إنساني، بل أصبح يمثّل خطوة حاسمة تحمل أبعاداً سياسية واقتصادية وتنموية.
وفي ظل التوترات الإقليمية والتحديات الدولية، تسعى الدول العربية إلى صياغة رؤية موحدة تدعم حق الفلسطينيين في العيش بكرامة داخل وطنهم، مع التركيز على توفير حلول مستدامة تعزز الاستقرار.
الخطة المصرية العربية
بعد انعقاد القمة العربية الطارئة بالعاصمة المصرية القاهرة، في 4 مارس الجاري، تكشّفت معالم خطة عربية واضحة لإعادة إعمار غزة دون تهجير سكانها.
وأعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال القمة أن بلاده، بالتنسيق مع فلسطين والمؤسسات الدولية، بلورت خطة شاملة تهدف إلى الحفاظ على حق الشعب الفلسطيني في إعادة بناء وطنه والبقاء على أرضه.
وأشار السيسي إلى ضرورة توجيه الدعم إلى الصندوق المزمع إنشاؤه لتمويل تنفيذ هذه الخطة، معلناً عن مؤتمر دولي لإعمار غزة سيُعقد في أبريل المقبل.
وبحسب ما أوردته إذاعة “مونت كارلو” الدولية، في 5 مارس، فإن الموقف العربي جاء متسقاً، إذ شدد زعماء الدول العربية وممثلوها خلال القمة على رفض تهجير الفلسطينيين من غزة وفق الطرح الذي قدّمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أواخر يناير الماضي.
بدورها قالت حركة “حماس”: “نرحب بخطة إعادة إعمار غزة، التي اعتمدتها القمة العربية في بيانها الختامي، وندعو إلى توفير جميع مقومات نجاحها، كما نثمن جهود مصر في التحضير لعقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة”.
واعتبرت الحركة أن هذا القرار “يعكس إجماعاً عربياً على دعم غزة ومواجهة مخططات الاحتلال لتهجير سكانها”.
في سياق متصل، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن ترحيبه بالخطة، واستعداد السلطة للعودة إلى غزة، وكشف عن استحداث منصب نائب رئيس السلطة الفلسطينية، استجابة لمطالب الدول العربية كخطوة إصلاحية.
وللمرة الأولى، برز تنسيق عربي-إسلامي-دولي لإقامة هيئتين: الأولى، لجنة خبراء فلسطينيين تتولى إدارة غزة لمدة ستة أشهر بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية وبدعم من بعثة مساعدة دولية؛ والثانية، قوة استقرار دولية تتألف بشكل أساسي من عناصر عربية، مع إمكانية انضمام دول أخرى لاحقاً.
ملامح خطة الإعمار
وتكشفت خلال الساعات الماضية ملامح الخطة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة، والتي تركز على تأسيس مرحلة انتقالية منظمة ومدروسة.
وأفادت وكالة “فرانس24″، في 4 مارس، بأن أحد أبرز بنود الخطة هو تشكيل “لجنة إدارة غزة”، وهي مستقلة تتألف من شخصيات غير فصائلية (تكنوقراط)، ستتولى إدارة شؤون القطاع لمدة 6 أشهر تحت إشراف الحكومة الفلسطينية.
وتهدف هذه اللجنة إلى تهيئة الأوضاع الداخلية في غزة، بما يضمن التمهيد لعودة السلطة الفلسطينية بشكل كامل لإدارة القطاع.
وتشمل الخطة توفير مساكن مؤقتة للنازحين عبر إنشاء 7 مواقع داخل غزة، قادرة على استيعاب أكثر من 1.5 مليون شخص، إلى جانب تحديد تكلفة إعادة الإعمار بنحو 53 مليار دولار، تُنفذ على مدار 5 سنوات.
وفقاً للمسودة، تتألف خطة إعادة الإعمار من مرحلتين رئيسيتين:
- المرحلة الأولى: تستغرق عامين بتكلفة 20 مليار دولار، وتتضمن بناء 200 ألف وحدة سكنية.
- المرحلة الثانية: تمتد لعامين ونصف، بميزانية 30 مليار دولار، وتشمل تشييد 200 ألف وحدة إضافية، بالإضافة إلى إنشاء مطار، وميناء تجاري، ومركز للتكنولوجيا، وفنادق على الشاطئ.
كما تضمنت الخطة خرائط توضيحية ومجسمات مرئية تم تصميمها بواسطة الذكاء الاصطناعي، تعرض تصوراً حديثاً لتطوير أراضي غزة، بما في ذلك المشاريع السكنية والحدائق والمرافق المجتمعية.
وعلى صعيد الترتيبات الأمنية، تسعى مصر والأردن لتدريب عناصر الشرطة الفلسطينية، تحضيراً لنشرها في القطاع، بما يساهم في ضمان الاستقرار خلال المرحلة الانتقالية.
وتشدد الخطة على أن حل الدولتين هو الخيار الأمثل وفقاً للقانون الدولي، مؤكدة أن غزة جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية، كما دعت إلى الحفاظ على وقف إطلاق النار، والتعامل مع ملف إعادة الإعمار ضمن إطار سياسي وقانوني يتوافق مع الشرعية الدولية.
وتدعو الخطة المصرية إلى ضرورة تمكين الفلسطينيين من إدارة مراحل التعافي المبكر، مع استمرار جهود السلطة الفلسطينية في تطوير مؤسساتها وأجهزتها، بما يعزز فرص إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة مترابطة الأراضي بين غزة والضفة الغربية.
تحديات وسيناريوهات
ويقول الباحث الفلسطيني المختص بالشأن الإسرائيلي، صلاح العواودة، إن الخطة العربية تذكرنا بقرارات مشابهة لإعادة إعمار غزة بعد الحروب السابقة، وكلها ظلت حبيسة الأدراج، “لأنه من الصعب إجبار الاحتلال على تنفيذ ما يترتب عليه”.
ويضيف لـ”الخليج أونلاين” أنه يصعب أيضاً تنفيذ الخطة فلسطينياً، “لأنها تشترط وجود دور للسلطة الفلسطينية لا ترغب به السلطة أو لا تقبل به إسرائيل، والأمر نفسه ينطبق على نشر القوات وتشكيل اللجنة الإدارية، فرهن ذلك بموافقة إسرائيل، أو السلطة التي ترتهن للإرادة الإسرائيلية”.
ويرى العواودة أن الخطة “لا تعدو تعبيراً عن رفض خطة ترامب من جهة، وبيان إسناد للفلسطينيين دون أدوات حقيقية لتنفيذ ذلك على الأرض، فالإعمار يحتاج إذن إسرائيل، ونشر قوات يحتاج إذنها أيضاً، وتشكيل لجنة إدارية لغزة يحتاج إلى اعترافها بها”.
وحول أوضاع قطاع غزة، يؤكد أنه سيبقى في حالة مواجهة مباشرة مع الاحتلال الذي يريد الاستمرار في الحصار والتضييق على الناس لدفعهم للهجرة، مع البحث عن آليات لتحقيق ذلك، مثل إتاحة الفرصة للغزيين بالسفر عبر “إسرائيل”.
ولفت العواودة إلى أن ذلك “لا يعني بالضرورة أن الاحتلال سينجح بتهجير أحد، فلا يوجد فلسطيني مستعد للهجرة الطوعية، وإن كان الكثيرون يرغبون بالسفر للعلاج أو التعليم أو العمل أو لأسباب عديدة، ولكن هؤلاء يريدون الاحتفاظ بحقهم بالعودة، وهو ما لا يريده الاحتلال”.
الحل في الضغط الأمريكي
بدوره يرى الكاتب والمحلل السياسي قحطان الشرقي أن الرغبة العربية في إعادة إعمار غزة تواجه تحديات جمة، أبرزها التعنت الإسرائيلي والواقع المأساوي الذي يفرضه الاحتلال، بالإضافة إلى “مواقف بعض الدول المتماهية معه”.
ويؤكد في حديثه لـ”الخليج أونلاين” أن نجاح الخطة مرهون بالضغط الأمريكي على الاحتلال، “إذ أن الإرادة الدولية هي الفيصل في هذا الملف، وليس الإرادة العربية وحدها”.
ويضيف الشرقي أن أبرز التحديات تتمثل في الموقف الإسرائيلي الساعي إلى تهجير سكان غزة وفرض واقع جديد، وذلك من خلال منع أي جهود عربية لإعادة الإعمار، وترك القطاع يعاني من الدمار والأوبئة.
ويشير إلى أن الخطة العربية لا تزال في إطار التفاهمات، ولم تتحول إلى خطة ميدانية قابلة للتنفيذ بسبب الموقفين الإسرائيلي والأمريكي.
ويستبعد الشرقي حدوث تغيير ملموس في غزة على المدى القريب، لكنه يأمل في تحرك عربي حقيقي لرفع المعاناة عن الفلسطينيين.
ويرى أن السيناريو المرجح هو استمرار الوضع الحالي، مع تضييق إسرائيلي على دخول المساعدات الإنسانية، مما يستدعي موقفاً عربياً أقوى وجهوداً مكثفة لحماية الفلسطينيين.
ويختم الشرقي بالإشارة إلى احتمال تدخل أمريكي في اللحظات الأخيرة لتجنب المزيد من التصعيد، وتفعيل الخطة العربية لإعادة إعمار غزة.
الرفض الأمريكي والإسرائيلي
في المقابل، قوبلت الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة برفض واضح من الولايات المتحدة و”إسرائيل”، ما يلقي بظلال من الشك حول فرص تنفيذها على أرض الواقع.
ويتّضح الموقف الأمريكي من خلال ما أعلنه البيت الأبيض، عبر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي براين هيوز، بأن الإدارة الأمريكية تعارض الخطة العربية، مؤكداً دعمها لرؤية الرئيس ترامب التي تنص على “إعادة إعمار غزة خالية من حماس”.
وأضاف هيوز أن المقترح العربي “يتجاهل حقيقة أن غزة غير قابلة للعيش حالياً”، مشيراً إلى أن الفلسطينيين لا يمكنهم العيش بشكل إنساني وسط الأنقاض والذخائر غير المنفجرة.
كما تتمسك “إسرائيل” برؤية ترامب، حيث وصفت وزارة الخارجية الإسرائيلية البيان الختامي للقمة العربية بأنه “متجذر في وجهات نظر عفا عليها الزمن”، منتقدة ما اعتبرته فشل الخطة في معالجة الواقع الجديد بعد 7 أكتوبر 2023.
وأكدت الوزارة أن هناك “فرصة لسكان غزة لاختيار مستقبلهم بحرية وفقاً لرؤية ترامب”، متهمة الدول العربية برفض هذه الفرصة دون تقديم بدائل واقعية.
ويشير موقع “بي بي سي” البريطاني بتقرير نشره في 5 مارس الجاري، إلى أنه ورغم استبعاد الخطة المصرية لحركة “حماس” من إدارة القطاع -في خطوة تتماشى مع أحد أبرز المطالب الإسرائيلية- فإنها لم تتطرق بشكل واضح إلى نزع سلاح الحركة أو تفكيك أجهزتها العسكرية، وهو ما أثار تحفظات أمريكية وإسرائيلية.
وتواجه الخطة أيضاً انتقادات بسبب غياب التفاصيل المتعلقة بآليات تمويل إعادة الإعمار، وكيفية التعامل مع “حماس” إذا رفضت نزع سلاحها أو التنحي عن العمل السياسي.
وبحسب تقرير لوكالة “رويترز”، فإن هذه الثغرات تُعقّد فرص تنفيذ الخطة، خاصة في ظل موقف أمريكي وإسرائيلي متصلب.
وعلى الرغم من ترحيب “حماس” بالخطة واعتبارها خطوة مهمة نحو توحيد الصف العربي، فإن الرفض الأمريكي والإسرائيلي يثير تساؤلات حول مدى قدرة الخطة على تجاوز العقبات السياسية والأمنية.
كما أن الموقف العربي بدا حذراً، حيث لم يقدّم القادة العرب تفاصيل واضحة حول وضع “حماس” المستقبلي، في محاولة -على ما يبدو- لموازنة المواقف بين إرضاء واشنطن وتل أبيب من جهة، وعدم إثارة غضب الشارع العربي المتعاطف مع المقاومة من جهة أخرى.
إلى ذلك، يرى مراقبون أن نجاح الخطة يبقى مرهوناً بقدرتها على التعامل مع العقبات السياسية، وإيجاد توازن بين التطلعات الفلسطينية والضغوط الدولية، وسط استمرار الدعوات العربية للضغط على “إسرائيل” والولايات المتحدة لدعم إعادة الإعمار ضمن إطار حل الدولتين.