“إطار المهارات الرقمية” في قطر.. رافعة للاقتصاد وبوصلة تمكين الأفراد

– “إطار المهارات الرقمية” هو مرجعية وطنية لتقييم وتطوير المهارات الرقمية في قطر.
– تهدف قطر من إطلاق الإطار إلى تسريع التحول الرقمي وتأهيل المجتمع لسوق العمل المستقبلي.
ترسم وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات القطرية مساراً جديداً لتطوير القدرات الرقمية في البلاد، من خلال إطلاق “إطار المهارات الرقمية”، كمبادرة وطنية تهدف إلى بناء مجتمع أكثر جاهزية للتعامل مع تحديات الاقتصاد الرقمي.
ويأتي إطلاق هذا الإطار في فبراير 2025، استجابةً لحاجة متزايدة إلى مرجعية وطنية تقيس وتُطوّر الكفاءات الرقمية، عبر أدوات ومعايير تواكب المتغيرات التكنولوجية، وتدعم الأفراد والمؤسسات في رحلة تطوير مهني مستمرة، تضعهم في موقع متقدم ضمن بيئة رقمية سريعة النمو.
تمكين رقمي
وتهدف هذه المبادرة الوطنية إلى بناء منظومة مستدامة للتمكين الرقمي تدعم سوق العمل، وتواكب التطورات التقنية، وذلك ضمن أهداف الأجندة الرقمية 2030، لاسيما ما يتعلق بركيزة “مجتمع رقمي يقود المستقبل”.
وفي تصريح لوكالة الأنباء القطرية “قنا”، أكدت مديرة إدارة المجتمع الرقمي والكفاءات الرقمية بوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ضحى البوهندي، أن الإطار يهدف إلى تمكين الأفراد والمؤسسات من اكتساب المهارات الرقمية التي تؤهلهم للتفاعل مع التحولات المستقبلية، مشيرةً إلى أن المبادرة لا تُعد مجرد مشروع تدريبي، بل منظومة وطنية للتطوير المهني المستمر.
وأوضحت أن المرحلة التجريبية انطلقت في 24 فبراير الماضي، على أن يتم الإطلاق الرسمي في وقت لاحق من عام 2025، مع قابلية مستمرة للتحديث والتوسع، نظراً لطبيعة المبادرة الديناميكية وارتباطها الوثيق بأهداف التحول الرقمي الوطني.
وأضافت أن من أبرز مكونات الإطار “أداة التقييم الرقمية”، التي تتيح للمستخدمين تحديد مستواهم الحالي وبناء مسارهم التطويري.
مرجع وطني
ويؤكد الأكاديمي والخبير الاقتصادي، الدكتور عبد الرحيم الهور، بأن أهم عنصر في عولمة الرقمنة الذكية هو الإنسان، والذي لا بد من صقل وتبويب مهاراته في المجال، على مستوى التخصص والاطلاع العام.
ويوضح الهور لـ”الخليج أونلاين”، أن أهمية المبادرة القطرية تكمن في كونها مرجعاً وطنياً موحداً يحدد المهارات الرقمية الأساسية والمتقدمة التي يحتاجها الأفراد في مختلف القطاعات، سواء في التعليم أو العمل أو الحياة اليومية.
ويلفت إلى أن ذلك يُسهم في تقليص الفجوة الرقمية بين شرائح المجتمع المختلفة، ويُعزز من جاهزية الدولة لمواجهة التحديات التقنية المستقبلية.
ويضيف أن “إطار المهارات الرقمية” يساعد في بناء مجتمع رقمي متكامل، من خلال توفير خريطة واضحة وشاملة للمهارات الرقمية المطلوبة، مما يساهم في تطوير المناهج التعليمية وتوجيه البرامج التدريبية نحو المهارات المستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، التفكير التحليلي، وحل المشكلات الرقمية.
وبهذا، تتعزز قدرة المجتمع على التفاعل بمرونة وكفاءة مع التطورات التكنولوجية المتسارعة، مما يدعم ثقافة الابتكار وريادة الأعمال الرقمية، بحسب الهور.
ويتابع: “يُعد هذا الإطار أحد الركائز المهمة الداعمة لرؤية قطر الوطنية 2030، إذ ينسجم مع أهدافها في مجالي التنمية البشرية والتنمية الاقتصادية، فمن خلال تعزيز القدرات الرقمية لدى الأفراد، يُسهم الإطار في إعداد جيل من الكفاءات الوطنية المؤهلة، القادرة على قيادة الاقتصاد الوطني وتنويعه، بعيداً عن الاعتماد الأحادي على الموارد التقليدية”.
وعلى صعيد الاقتصاد المعرفي، يشير الهور إلى أن “إطار المهارات الرقمية” يُمثل أداة استراتيجية لتسريع التحول نحو اقتصاد متنوع قائم على الابتكار والمعرفة.
ويُبيّن أن المبادرة لا تقتصر فقط على إعداد الأفراد لسوق العمل الرقمي، بل تفتح المجال أمام نمو قطاعات جديدة قائمة على التكنولوجيا، وتُعزز القدرة التنافسية لقطر في الاقتصاد العالمي الرقمي.
وفي المحصلة، يختتم حديثه بالقول إن إطلاق “إطار المهارات الرقمية” يؤكد أن قطر لا تسير فقط في ركب التحول الرقمي، بل تسعى لأن تكون من صُنّاعه، فبناء مجتمع رقمي لا يبدأ بالتكنولوجيا فقط، بل بالإنسان القادر على فهمها واستخدامها وتطويرها.
دعم التحول الرقمي
وحرصت قطر على مواصلة تطوير الإطار وفق أفضل الممارسات العالمية، بما يتوافق مع متطلبات سوق العمل المتغيرة ويواكب التطورات الرقمية الحديثة.
وأكّدت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، في فبراير 2025، أن هذا الإطار يهدف إلى تعزيز المهارات الرقمية في الجهات الحكومية، وتصميم برامج تدريبية مبتكرة، وتنسيق الجهود بين الجهات المعنية لتوفير بيئة داعمة للتعلم والتطوير المهني في المجال الرقمي.
ويُشكّل الإطار أداةً محورية لبناء وتأهيل كوادر وطنية قادرة على تلبية متطلبات سوق العمل الرقمي المتطور، إذ يوفر هيكلاً واضحاً لتقييم وتطوير المهارات، مما يمكّن الأفراد والمؤسسات من التكيف بفعالية مع التغيرات الرقمية المتسارعة.
ويشمل الإطار 19 مجالاً رئيسياً للمهارات الرقمية، تغطي طيفاً واسعاً من المهارات الأساسية التي يحتاجها القطاعان العام والخاص، مع تصنيف 115 مهارة رقمية ضمن أربعة مستويات كفاءة متدرجة، لضمان تغطية شاملة لاحتياجات التحول الرقمي.
وبحسب السياسات التنظيمية للإطار، يتدرج الأفراد في رحلة التمكين الرقمي عبر أربع مراحل متكاملة: تبدأ بمرحلة الوعي التي يكتسبون خلالها المعرفة الأساسية بالمهارات الرقمية، تليها مرحلة المعرفة لتعزيز الفهم العميق للأدوات والتقنيات الرقمية.
ثم مرحلة القدرة التي يُطور فيها الأفراد مهارات عملية لتطبيق معارفهم بفعالية في بيئة العمل، وأخيراً مرحلة التحول، التي تمكّنهم من توظيف التكنولوجيا للابتكار الرقمي وتعزيز الكفاءة ودعم مسيرة التحول في مختلف القطاعات.
ويوفر الإطار مزايا عدة، منها تمكين الأفراد من تقييم مهاراتهم الرقمية وتحديد مجالات التطوير، ومتابعة تقدمهم، إلى جانب مساعدة المؤسسات في تحديد المهارات المطلوبة بسوق العمل، مما يدعم صياغة استراتيجيات تنمية الموارد البشرية وتوجيه عمليات التوظيف وفق الاحتياجات الوطنية والقطاعية.
ونوّهت ضحى البوهندي إلى أن هذا التدرج يعكس فلسفة واضحة في تنمية الكفاءات، ويُعزز قدرة الأفراد والمؤسسات على تحديد احتياجاتهم التدريبية بدقة، ويُسهم في توجيه برامج التأهيل والتوظيف والتعليم بما يتماشى مع متطلبات سوق العمل المتجددة.
وكانت صحيفة الشرق القطرية قد كشفت، في 16 يناير الماضي، أنّ شركة “ابتكار” الرائدة في حلول الابتكار العملي في قطر، تتولى، بالشراكة مع شركة UQ البلجيكية المتخصصة في تقييم المهارات الرقمية، إعداد مشروع تطوير وتنفيذ “إطار المهارات الرقمية العامة” برعاية وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
وقال المهندس نايف الإبراهيم، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “ابتكار”، لصحيفة الشرق آنذاك: “نعتز بقيادة مهمة وضع إطار المهارات الرقمية العامة في قطر، الذي سيمثل قوة دافعة لتعزيز القدرات الرقمية، ويُسهم في تحقيق رؤية قطر الوطنية 2030، وبناء مجتمع معرفي رائد في الثقافة الرقمية”.
من جانبه، أوضح الرئيس التنفيذي لشركة UQ، تييري ليسكراوايت، للصحيفة أن شركته تلعب دوراً رئيسياً في هذا المشروع بالشراكة مع “ابتكار”، مستفيدة من خبرتها في التعليم والمهارات الرقمية.
هذا، ويأتي “إطار المهارات الرقمية” في وقت تشهد فيه قطر تسارعاً لافتاً في مشاريع التحول الرقمي، ما يجعل من الاستثمار في المهارات أولوية وطنية.
ويوفر الإطار، بفضل بنيته المتكاملة، قاعدة معرفية وعملية لتطوير رأس المال البشري، بما يُعزز تنافسية المجتمع الرقمي، ويُواكب أهداف الدولة نحو اقتصاد قائم على المعرفة، قادر على الإبداع والابتكار في مواجهة تحديات المستقبل.