الاخبار

“أمريكا أولاً”.. سياسات ترامب تدفع الحلفاء بعيداً عن واشنطن

أثارت توجهات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صدمة واسعة في أوساط حلفاء الولايات المتحدة، خصوصاً ما يتعلق بالحرب الأوكرانية وفرض المزيد من الضرائب.

بعد أيام قليلة من وصوله إلى البيت الأبيض، فجّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قنابل دخانية في وجه خصوم الولايات المتحدة وحلفائها على حد سواء، الأمر الذي مثّل صدمة، وخلط أوراق الحلفاء قبل الخصوم.

وبينما كانت سياسة واشنطن تقوم على تطمين الحلفاء، جاء ترامب على النقيض، مستهدفهم بجملة من الإجراءات والقرارات، بل وصل الأمر حد التلويح بالقوة، في تجاوز صريح للأعراف الدولية.

توجهات أثارت الكثير من المخاوف، ودفعت العديد من أصدقاء واشنطن لإعادة تقييم علاقاتهم معها، فهل تتسبب سياسات ترامب المتكئة على شعار “أمريكا أولاً”، بتصدع علاقات الولايات المتحدة الوثيقة بحلفائها؟

الانقلاب على الحلفاء

الإجراءات والقرارات التي اتخذها ترامب، منذ أيامه الأولى في البيت الأبيض، كانت صادمة بكل ما في الكلمة من معنى، فالرجل بدأ فترة رئاسته باتخاذ قرارات تمثل تعدياً على سيادة دول، وقوانين دولية.

فعلى سبيل المثال أعلن أن الولايات المتحدة تنوي ضم كندا لتكون الولاية الـ51، كما هدد باحتلال جزيرة غرينلاند الدنماركية، وكذا استعادة السيطرة على قناة بنما، ووجه باستبدال اسم “خليج المكسيك” بـ”خليج أمريكا”.

وفاجأ ترامب العالم بتقاربه مع روسيا، متجاوزاً حلفاء واشنطن الغربيين، وتعرض الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، للتنمر في البيت الأبيض من قبل ترامب وطاقمه، على مرأى ومسمع العالم كله.

هذا التقارب الأمريكي مع روسيا، نُظر إليه من قبل الدول الأوروبية على أنه انقلاب على الشراكة الأمريكية الغربية، ما تسبب بحالة من الصدمة والحيرة في الأوساط الغربية، خصوصاً في ظل انتقاد ترامب الدائم لحلف “الناتو”.

وقبل أيام، انتقد وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك، الكويت بسبب الرسوم الجمركية التي تفرضها على المنتجات الأمريكية، مذكّراً بفاتورة الدور العسكري لبلاده خلال الغزو العراقي للدولة الخليجية، وهو ما أثار غضباً في الأوساط الكويتية.

وكان الأمر الأكثر إثارة للجدل، هو الخطة التي أطلقها ترامب، وتضمنت اقتراحاً باحتلال أمريكي لغزة، بعد تفريغها من سكانها، وتهجيرهم إلى مصر أو الأردن ودول أخرى حليفة لأمريكا، وهو ما أثار غضباً عربياً وإسلامياً ودولياً عارماً.

ضرائب وعقوبات

وافتتح ترامب عهده باستهداف حلفاء بلاده، بسلسلة من الإجراءات والقرارات الاقتصادية، منها فرض المزيد من الضرائب على كندا والمكسيك، والاتحاد الأوروبي، ودول أخرى.

هذه الضرائب والإجراءات، جاءت في سياق ما أسماه ترامب، محاولة استعادة مكانة أمريكا الاقتصادية في العالم، رافعاً شعار “أمريكا أولاً”، ولديه قناعة بأن سيستعيد مجد بلاده لتكون القوة العظمى مرة أخرى.

ودفعت الضرائب التي فرضها ترامب، العديد من دول العالم إلى اتخاذ إجراءات مماثلة، من خلال استهداف المنتجات الأمريكية بمزيد من الضرائب، وهذا أثر بشكل مباشر على العديد من القطاعات الاقتصادية في الولايات المتحدة.

ويوم الخميس (27 مارس)، هدد ترامب بفرض مزيد من الرسوم الجمركية “واسعة النطاق” على الاتحاد الأوروبي وكندا، إذا تعاونا لإلحاق الضرر الاقتصادي بالولايات المتحدة.

فقدان الثقة

ورصدت وكالة “بلومبيرغ” في تقرير حديث، تراجعاً في الثقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، بعد تولي ترامب السلطة في يناير الماضي.

وبحسب الوكالة، فإن هناك حالة من الصدمة أصابت المسؤولين الأوروبيين الذين كانوا يعتقدون أنهم يعرفون ترامب، بعد أن اتضح أنه بعام 2025، ليس هو ذاته في العام 2017 (خلال ولايته الأولى).

ويتجاوز الأمر حد الصدمة والمخاوف، ليصل حد التشكيك في كفاءة التحالف مع الإدارة الأمريكية في الجوانب الاستخباراتية والمعلوماتية الحساسة، وهذا ما أشارت إليه “بلومبيرغ”.

ونقلت عن مسؤولين مطلعين رفضوا الكشف عن هوياتهم، أن بعض الحلفاء التقليديين باتوا يفكروا في مراجعة مواقفهم من تبادل المعلومات الاستخباراتية مع واشنطن.

وقال مسؤول أوروبي، إنه “لم يعد من الممكن الاعتماد على السرية الراسخة بين وزراء الخارجية في اجتماعات مجموعة السبع، وخاصة فيما يتعلق بقضايا حساسة مثل غزة وإسرائيل”.

وأضاف أنهم في الغرب، لم يتمكنوا من مناقشة السياسات مع واشنطن منذ تنصيب ترامب، في حين قال آخر، إنه من الصعب إيجاد نظراء مناسبين في جميع المجالات، وأن التواصل مع نظرائهم الأمريكيين بشأن دبلوماسية المناخ قد انهار تماماً.

في حين قال مسؤول دبلوماسي عربي لـ”بلومبيرغ”، إن كل الأمور تُدار الآن عبر البيت الأبيض، بينما القنوات المؤسسية الأخرى صارت بلا جدوى، ويبدو أن بعض المسؤولين الأمريكيين مُستبعدون تماماً.

وتابع: “عدد من الدبلوماسيين لا أحد يعلم من هو صانع القرار في الجانب الأمريكي”، في حين قال دبلوماسي عربي في واشنطن “إن التعامل مع الروس أسهل من التعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة”.

بدائل دفاعية

سياسة ترامب، دفعت العديد من دول العالم التي كانت تعتمد على التسليح الأمريكي لإعادة النظر في ذلك، فعلى سبيل المثال، قررت البرتغال التراجع عن شراء المقاتلات الأمريكية “إف 35”.

وقال وزير الدفاع البرتغالي، نونو ميلو قبل أيام لوسائل الإعلام، إن حكومة بلاده “تأخذ في الاعتبار الأوضاع الجيوسياسية في قراراتها”.

وأضاف: “لا يمكننا تجاهل البيئة الجيوسياسية في اختياراتنا. الموقف الأخير للولايات المتحدة في سياق الناتو يجعلنا نفكر في أفضل الخيارات؛ لأن قابلية التنبؤ بحلفائنا هي أحد العوامل المهمة التي يجب أخذها في الاعتبار”.

الإجراء ذاته اتخذته الحكومة الكندية، حيث قالت وزارة الدفاع إنها تراجع ما إذا كان شراء هذا النوع من الطائرات المقاتلة أفضل استثمار لكندا، في حين انتقد رئيس وزراء أستراليا السابق مالكولم ترونبول اتفاقيات “أوكوس” الأمنية بين بلاده وبريطانيا والولايات المتحدة.

كذلك الحال مع ألمانيا، إذ تشير التقارير إلى أن برلين باتت تتخوف من اقتناء طائرات “إف 35″، بسبب احتمال أن تحجب واشنطن التحديثات البرمجية وقطع الغيار اللازمة لتلك المقاتلات.

عزلة دولية

ولا يمكن أن تمر سياسات ترامب بدون نتائج وتداعيات، فهي من وجهة نظر الكاتب الأمريكي ألكسندر وورد “إعلان عن تشكّل نظام عالمي جديد يقلب النظام الذي ولد بعد الحرب العالمية الثانية رأساً على عقب”.

ونقل وورد، في مقال كتبه قبل أيام في صحيفة “وول ستريت جورنال”، عن ريتشارد هاس، الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية والمسؤول البارز في الإدارات الجمهورية السابقة، قوله إن ما يجري جعل سمعة الولايات المتحدة تتعرض لهزة كبرى في عيون الحلفاء.

بدوره قال تشاك هيغل، السيناتور الجمهوري السابق، ووزير الدفاع في حقبة الرئيس باراك أوباما، لصحيفة “وول ستريت جورنال”، إن ما يجري “هو تحد خطير لأساس النظام العالمي الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية”، مضيفاً: “لم أشعر قط بمثل هذا القدر من القلق بشأن مستقبل هذا البلد والعالم كما أشعر بذلك الآن”.

من جانبها قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في تقرير قبل أيام، إن نظرة ترامب إلى أوروبا تقرع أجراس الخطر، متسائلةً عن مدة عمق العداء الذي يضمره للحلفاء الغربيين، وما إذا كان هدفه هو القضاء على الاتحاد الأوروبي.

صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، نشرت هي الأخرى مؤخراً مقالاً يوم 25 مارس الجاري، بعنوان “الولايات المتحدة أصبحت عدوة الغرب”، وفيه أشار الكاتب مارت وولف إلى أن واشنطن تخلّت عن دورها التقليدي كقائد للنظام العالمي.

كما تساءل مراد علي عن تحوّلات ترامب قائلاً: “هل فقدت أمريكا عقلها؟”، مضيفاً: “حين يصف نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس الدنمارك بأنها ليست حليفاً جيداً، ويلوّح بالاستحواذ على جرينلاند وكأنها سلعة عقارية، ندرك أن الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس ترامب تنزلق نحو عزلة دولية خطيرة”.

وأشار في تدوينة على منصة “إكس” إلى أن حديث دي فانس، “ليس مجرد تصريح طائش، بل تعبير عن عقلية إمبراطورية محدثة لا تعبأ بالقيم ولا بالحلفاء”، مشيراً إلى أن “من يستهين بالأصدقاء، سيصحو ذات يوم وحيداً في مواجهة عالم تغيّر”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى