ماذا وراء تحوّل الخطاب السياسي للحوثيين تجاه السعودية؟
ما الذي تغير في موقف الحوثيين في الآونة الأخيرة؟
بدأت الجماعة بتبني خطاب تصالحي مع المملكة العربية السعودية والأطراف اليمنية الداخلية.
ما أبعاد هذا التحول في موقف الحوثيين؟
يعود الأمر لمخاوف الجماعة من عودة ترامب، وأيضاً بسبب الضربة التي تعرض لها “حزب الله”.
تخشى الجماعة تحركاً دولياً وإقليمياً يستهدفها على خلفية هجماتها المستمرة في البحر الأحمر.
تتحسس جماعة الحوثي رأسها ترقباً للتطورات الإقليمية والمنحى الذي سارت عليه المعركة بين “حزب الله” وإسرائيل، ونتائج الانتخابات الأمريكية، التي أعادت الرئيس دونالد ترامب إلى سدة الحكم.
هذه التحولات دفعت الجماعة لإعادة النظر في اشتراطاتها، وخطابها الإعلامي والسياسي، خصوصاً تجاه المملكة العربية السعودية.
فالجماعة اليوم تدرك أنها في عين العاصفة بعد هجماتها في البحر الأحمر، ما دفعها لتقديم تنازلات في ملف السلام سواءً مع الأطراف اليمنية أو مع الرياض.
هدنة لفظية
في العادة، كانت خطابات زعيم جماعة الحوثيين رأس حربة الهجوم الإعلامي على الرياض، وفي كل خطاب أسبوعي، كان يطلق التهديدات للمملكة، متهماً إياها بالتآمر، بل ومهدداً باستهدافها.
لكن ولأول مرة خلى خطاب عبدالملك الحوثي، يوم الخميس (28 نوفمبر) من أي هجوم على المملكة، مكتفياً باتهام واشنطن بـ”ممارسة الضغوط لمنع الاتفاق مع الجانب السعودي”.
من جانبه قال نائب وزير الخارجية السابق بحكومة الحوثيين، القيادي حسين العزي، إن “صنعاء والرياض قطعتا شوطاً مهماً على طريق السلام”، وأنهما “تظهران تسميماً مشتركاً على إنجاز هذه الغاية”.
وأضاف العزي، وهو من القيادات السياسية بالجماعة، في تدوينة على منصة “إكس”، أن الجماعة والسعودية “لن تسمحا لأي طرف بمواصلة عرقلة هذا المسار”، مكرراً الاتهام لواشنطن بإعاقة السلام في اليمن.
تنازلات
وحتى وقت قريب كانت الجماعة تشهر سيف الاشتراطات في وجه السعودية والأطراف اليمنية الأخرى، من بينها إنهاء التدخل العسكري في اليمن، ورفع الحصار الاقتصادي، وصرف الرواتب، وكذا إعادة الإعمار ودفع التعويضات.
ومؤخراً قال مسؤول ملف الأسرى بجماعة الحوثي عبدالقادر المرتضى، إن الجماعة جاهزة لتنفيذ كافة الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها مع الأمم المتحدة بدون قيد أو شرط، كما أعلن جاهزية الجماعة للدخول في صفقة شاملة تضم جميع الأسرى من كل الأطراف.
كما أكد مصدر مطلع، لموقع “الخليج أونلاين”، أن الجماعة تنازلت عن بعض شروطها التي مثلت عائقاً أمام المضي قدماً في موضوع السلام باليمن.
وبحسب المصدر، فإن الجماعة تخلت عن اشتراطها بأن تقوم السعودية بصرف الرواتب للموظفين في مناطق سيطرة الجماعة، في تحول جديد في تعاطي الجماعة مع ملف السلام.
كما يبدو أن الجماعة تضع في حسبانها المتغيرات الراهنة وأبرزها عودة ترامب إلى البيت الأبيض، والضربة الموجعة التي تعرض لها حليفها “حزب الله” اللبناني، فضلاً عن الضغوطات الأمريكية على دول المنطقة للانخراط في الحرب ضد الجماعة لتأمين جبهة البحر الأحمر.
وتضع جماعة الحوثي في حسبانها وضع إيران راعياتها الإقليمية، وانشغالها بمواجهة التهديدات الإسرائيلية المباشرة، وأيضاً انشغالها بترميم وجودها في سوريا، وترميم وضع ذراعها الأبرز “حزب الله” في لبنان بعد الضربات التي تلقاها.
فإيران اليوم، أمام مرحلة حساسة يبدو أمنها القومي على المحك، وإذا ما تطلب الأمر التخلي عن الأطراف لصالح المركز، فلا يبدو أنها ستتردد في اتخاذ مثل هذا القرار.
تداعيات
وحول هذا يقول الكاتب والباحث السياسي نبيل البكيري، إن تطورات الحرب في لبنان، وما آلت إليه من هزيمة واضحة لـ”حزب الله”، ومن ثم لإيران والجماعات التابعة لها، ظهر أثرها سريعاً لدى جماعة الحوثي.
وأشار في تصريح لـ”الخليج أونلاين”، إلى أن الجماعة سارعت إلى تلطيف لغة خطابها السياسي والإعلامي مؤخراً، وبشكل مفاجئ، معتبراً ذلك “دلالة واضحة على مدى الأثر الذي تركته حرب لبنان”.
وأشار البكيري، إلى أن هذا دفع بجماعة الحوثي للبحث عن مخرج لها، من خلال زيادة وتيرة حديثها عن السلام الذي طال أمد استعصائها أمامه خلال السنوات الماضية.
واستطرد قائلاً: “تغير الخطاب الحوثي السياسي وبروز مفردة السلام مجدداً هو نتاج مباشر لهزيمة (حرب الله) ومن ورائه إيران مما جعل الحوثي يسارع للهروب من تصلبه وممانعته لأي حلول سياسية، لكن إلى أي مدى سيستفيد خصومهم من هذا التحول هذا ما لا يمكن التنبؤ به في ظل شتات وضعف خصومهم أيضاً وتضارب أجنداتهم أيضاً”.
تحركات سابقة
وبقدر ما تصر الجماعة على استمرار عملياتها دعماً لغزة، إلا أنها تخشى تحركاً داخلياً، خصوصاً في ظل حالة القمع التي تفرضها وكذا تردي الاقتصاد وانتشار الفقر، وتكريس حالة من الاستبداد في مناطق سيطرتها.
وأواخر أكتوبر الماضي، أبدت وسائل إعلام حوثية توجسها من احتمال تنفيذ عملية عسكرية واسعة في الحديدة، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية.
وكمحاولة استعراضية، قامت الجماعة بتنفيذ مناورات واسعة في الساحل الغربي، في وقت تشير التقديرات إلى أن أحد خيارات الولايات المتحدة لدرء خطر الحوثي عن خطوط الملاحة، دعم عملية عسكرية تقوم بها قوات يمنية للاستيلاء على محافظة الحديدة المنفذ الوحيد للجماعة على البحر الأحمر.
ويضاف لما سبق من أسباب، ما تشهده الساحة السورية في الأثناء، من عمليات مفاجئة وانتصارات حققتها فصائل المعارضة ضد النظام السوري المدعوم من إيران، والفصائل الإيرانية الأخرى المرابطة على الأراضي السورية.
ولا بد من الإشارة إلى أن الأمم المتحدة أعلنت هدنة في اليمن في أبريل 2022، وهي الهدنة التي أنهت العمليات الجوية للتحالف العربي على جماعة الحوثي، وشهدت السنتين الماضيتين، تقارباً ملحوطاً بين السعودية والرياض، توّج بزيارة وفد من الجماعة إلى المملكة، وزيارة وفد من السعودية إلى صنعاء.
وبالرغم من ذلك عاودت الجماعة مهاجمة الرياض مجدداً عقب “طوفان الأقصى” في أكتوبر 2023، متهمةً إياهاً بالتحرك وفق إملاءات الولايات المتحدة، كما أطلق قادتها تهديدات صريحة باستهداف المنشئات الحيوية في المملكة، لكن وعقب تصنيف الجماعة ضمن قائمة الإرهاب، والتحركات الأمريكية لتعزيز جبهة الشرعية اليمنية، بدأت الجماعة بمراجعة حساباتها، وهذا ما تؤكده التصريحات الأخيرة لعدد من قادتها.