ماذا وراء التقدم الكبير للجيش السوداني على حساب “الدعم السريع”؟

الجيش السوداني حقق انتصارات ميدانية كبيرة خلال الأسابيع الماضية في الخرطوم والجزيرة وسنار ومناطق أخرى على حساب قوات الدعم السريع.
يواصل الجيش السوداني تقدمه الدراماتيكي على حساب قوات “الدعم السريع”، محققاً في غضون أسابيع قليلة انتصارات كبيرة ميدانياً، في العاصمة الخرطوم، وولاية الجزيرة، ومناطق أخرى كانت في معاقل للقوات المتمردة.
الجيش السوداني، حتى اللحظة، يواصل تقدمه داخل الخرطوم، بعد أن سيطر على أكبر منطقة سكنية، وأطبق الحصار على القصر الجمهوري ويواصل التقدم باتجاه مركز العاصمة، فضلاً عن انتصارات مماثلة في الفاشر والجزيرة وسنار.
انتصارات الجيش السوداني تأتي بعد اقتراب الحرب السودانية من عامها الثاني، وبعد أن اتخذ الجيش تكتيكاً مختلفاً، يقوم على الهجوم، في ظل دعم إقليمي متزايد للجيش السوداني في مواجهة قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”.
انتصارات كبيرة
الجيش السوداني، قال إن قواته وصلت إلى ضاحية المايقوما بمنطقة شرق النيل، شرق العاصمة، كما أعلن سيطرته على أجزاء واسعة من حي كافوري في الخرطوم بحري، في الوقت الذي يسعى للسيطرة على جسر سوبا، والقصر الجمهوري، وكامل مناطق وسط الخرطوم، حيث لا تزال قوات الدعم السريع تتمركز.
وقالت وسائل إعلام سودانية، إن الجيش توغل في شارع الحرية، وتمكن من السيطرة على وزارة الثروة الحيوانية، وبرج الضرائب والبرج الماليزي، ومقر رئاسة الإمدادات الطبية، القريبة من مركز العاصمة.
كما اقترب الجيش من السيطرة على جسر الحرية، الذي يربط جنوب الخرطوم بوسطها، والذي ظل تحت سيطرة قوات الدعم السريع منذ بداية النزاع في أبريل من العام 2023.
وبحسب موقع “سودان تربيون” المحلي، فإن الجيش أكمل السيطرة على ثلاثة من أصل أربعة طرق رئيسية تؤدي إلى وسط الخرطوم من النواحي الجنوبية، وهي، شارع الغابة، شارع الحرية، وشارع المك نمر، في الوقت الذي تتمركز قوات الدعم السريع في شارع القصر، والذي تستخدمه كطريق للدعم والإمداد.
بسياق متصل، قالت مصادر إن الجيش السوداني بات يسيطر على ما نسبته 70% من مدينة أم درمان ثاني أكبر مدن البلاد، بعد الاستيلاء على أهم وحدات في وادي سيدنا العسكرية والكلية الحربية، وقاعدة الصافات الجوية ومناطق عسكرية أخرى، بعد أن نجحت قواته في فك الحصار على القيادة العامة وسط الخرطوم.
وفي ولاية الجزيرة، سيطر الجيش السوداني على مدينة جياد الصناعية والتي تعرضت للتخريب بشكل كبير من قبل قوات الدعم السريع، بعد أن حرر ود مدني عاصمة الولاية، وولاية مدينة أبو قوتة، لتصبح بذلك الولاية كاملةً تحت سيطرة الجيش.
أسباب تقدم الجيش
ويعزو الباحث السوداني محمد صالح لاباهي، مدير المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات، هذا التحوّل الميداني بـ”نجاح الجيش في امتصاص الصدمة الأولى، وإعادة تنظيم صفوفه، ووضع خطط لاستعادة المناطق من الدعم السريع”.
واستعرض الباحث لاباهي في تصريح لـ”الخليج أونلاين” أسباب تقدم الجيش السوداني كالتالي:
- امتصاص الصدمة الأولى، وإعادة تنظيم صفوفه ووضعه خططاً لاستعادة المناطق.
- انشقاق القائد العسكري للدعم السريع أبو عاقلة محمد أحمد كيكل، الذي قاد احتلال ولاية الجزيرة، في نهاية 2023، وانحيازه للقوات المسلحة السودانية بكامل عتاده وقواته، كما أن هناك العديد من القيادات السياسية وعدد من المستشارين من الدعم السريع، انحازوا للجيش وعادوا إلى حضن الدولة.
- وجود عدد كبير من القوات المساندة، ممن تم تجنيدهم لإسناد القوات المسلحة، إلى جانب حصول الجيش على عتاد عسكري يستطيع من خلاله خوض المعركة الرئيسية، وهو ما أدى إلى هذا التقدم.
- حسم الجيش لموقعة جبل مويا، في ولاية سنار، كانت فاصلة مهمة في قطع أوصال وخطوط إمداد الدعم السريع في ولاية سنار، وكان عنده حتى امتدادات في ولاية النيل الأزرق، وولاية الجزيرة.
وتوقّع لاباهي، أن تتجه الأمور إلى الحسم في المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع، في ولاية الخرطوم بعد الجزيرة وولاية سنار.
وقال: “واضح أنه من خلال التحركات التي نشاهدها والتصريحات والخطوات التي تقوم بها قوات الجيش والقوات المساندة، فإننا نلحظ إصرار الجيش على حسم المعركة عسكرياً، ولكن هذا أمر نسبي في تقديري، وأنه قد يحسم عسكرياً في مساحات واسعة، ثم تتم محاصرة الدعم السريع في نطاق ضيق، ويفرض بعد ذلك توجهه وقراراته النهائية، والمتمثلة في التسليم وإلقاء السلاح”.
ولفت إلى احتمالية أن تذهب الأمور باتجاه اتفاق عبر وسطاء، عندما يحقق الجيش تقدماً أكبر، بحيث تكون هناك محاولات للحل عبر التفاهمات التي تحفظ ماء الوجه، بعد محاسبة من ارتكبوا الجرائم.
معادلة مختلفة
التقدم الكبير للجيش السوداني، فرض معادلة سياسية مختلفة، ومن شأنه أن يمنح الجيش بقيادة الجنرال عبدالفتاح البرهان، أوراقاً أكثر قوة، بل وصل الأمر حد رفض البرهان علناً التفاوض مع قوات الدعم السريع المتمردة.
وقال البرهان، في يناير الماضي، إن الحرب في السودان لن تتوقف إلا بخروج مليشيا الدعم السريع من الأعيان المدنية ومساكن المواطنين، مشيراً إلى أن الجيش يواجه حرباً متعددة الأطراف، وأن علاقات البلاد مع الخارج ستبنى على مواقف الدول من الحرب الدائرة.
وتأتي هذه التصريحات، بعد اتهامات كثيرة أطلقها الجيش السوداني للإمارات بالاستمرار في دعم قوات الدعم السريع، مشيراً إلى أن لديه تفاصلي حول إمدادات السلاح الذي تقدمه أبوظبي لقوات حميدتي، عبر رحلات جوية وبرية، وهو ما نفته أبوظبي في أكثر من مناسبة.
ويضيف الباحث محمد صالح لاباهي، إن انتصار الجيش السوداني “سيغير كثيراً من الأوضاع في المنطقة بشكل عام، خاصة تجاه الدول التي سمحت بمرور سلاح لصالح الدعم السريع، أو التي تواطأت بالصمت على ما يجري في السودان من جرائم ارتكبتها قوات الدعم السريع، وهو ما وثقته تقارير أممية معروفة”.
وتابع: “ستتغير المعادلة طبعاً، سيتغير الكثير من التعامل أيضاً، وفي نهاية المطاف، المنتصر هو الذي يحدد كيفية التعامل، وأنا أتوقع أنه بعد انتصار الجيش السوداني، ستعود كثيراً من العلاقات، ما عدا دولة أو اتجاه أو اتجاهين، للدول المتهمة بتوجيه الدعم للدعم السريع، وهنا أقصد دول الجوار السوداني”.
وأشار إلى أن هناك “دولاً أصبحت مسرحاً لأعمال معادية للسودان، ولكن ليس لديها حدوداً مباشرة مع السودان”، لافتاً إلى أنه في حال انتصار الجيش “سيذهب في اتجاه محاسبة مرتكبي الجرائم، ومحاسبة الدول التي وقفت وكانت متورطة في دعم التمرد دعماً مباشراً”.
خريطة السيطرة
يسعى الجيش السوداني لتحسين موقفه من خلال تحصين مواقعه في النيل الأبيض والأزرق، وتهيئة خطوط إمداده من جهة الشرق إلى الوسط، تمهيداً للتوغل في مناطق الدعم السريع.
ولا يزال الدعم السريع، يسيطر على عدة مناطق، منها معظم ولاية دارفور، باستثناء ولاية شمال دارفور، وأيضاً أجزاء من ولاية الجزيرة ومن الخرطوم، مع وجود محدود في ولاية سنار، والنيل الأبيض، وولاية كردفان.
وبسط الجيش السوداني نفوذه على وسط وشرق السودان، كما استولى على معظم مناطق الخرطوم بحري، واقترب من القصر الرئاسي بمسافة 2 كيلومتر.
في حين تسيطر قوات الدعم السريع على القصر الرئاسي وأجزاء من شارع النيل، بالخرطوم، إضافة إلى بقائها في جنوب غرب العاصمة، وحي كافوري شرق بحري، وأجزاء من أم درمان، وجسر المنشية وشارع الستين شرق الخرطوم، فضلاً عن وجود قوي في إقليم دارفور.