ماذا تنتظر أوكرانيا من دول الخليج لدعم اقتصاد ما بعد الحرب؟

تسعى أوكرانيا لتعزيز التعاون الاقتصادي مع دول الخليج لدعم اقتصادها المتضرر من الحرب وجذب استثمارات في إعادة الإعمار
في ظل التطورات الجارية على الساحة الأوكرانية، ومع تزايد جهود إنهاء الحرب مع روسيا، تتزايد أهمية الدور الخليجي كشريك استراتيجي لأوكرانيا، سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي.
وتكشف زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأخيرة للإمارات، وخططه لزيارة السعودية، عن مساعي كييف الرامية إلى تعزيز التعاون مع دول الخليج، بهدف دعم الاقتصاد الأوكراني المتضرر، والمساهمة في جهود إعادة الإعمار بعد الحرب.
جولة زيلينسكي الإقليمية
وحملت زيارة الرئيس الأوكراني الرسمية إلى الإمارات، برفقة السيدة الأولى، ملفات تحظى بأولوية قصوى، تتمثل في ضمان عودة المزيد من الأسرى إلى وطنهم، إلى جانب تعزيز الاستثمارات والشراكة الاقتصادية، والبرامج الإنسانية.
وتأتي الزيارة التي بدأت في 16 فبراير في إطار جولة إقليمية كان من المقرر أن تشمل السعودية وتركيا، لكنّ زيلينسكي قرر تأجيل زيارة المملكة حتى 10 مارس القادم، بانتظار ما تسفر عنه نتائج المفاوضات الأمريكية الروسية التي تستضيفها الرياض بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا.
وتزامنت الزيارة مع تحركات دبلوماسية في الرياض، حيث يجري ترتيب لقاء قمة مرتقب بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين لمناقشة سبل إنهاء الحرب التي اندلعت في 24 فبراير 2022، وما تزال مستمرة.
وأكد الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد خلال استقباله زيلينسكي التزام الإمارات بدعم الحلول السلمية للأزمة الأوكرانية، انطلاقاً من إيمانها بأن الاستقرار أساس التنمية، مشدداً على مواصلة جهود تخفيف التداعيات الإنسانية.
كما بحث مع الرئيس الأوكراني تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري، والطاقة المتجددة، والأمن الغذائي، بما يخدم مصالح البلدين. بحسب وكالة الانباء الإماراتية “وام”
ويعكس تأكيد زيلينسكي على ملف الاقتصاد والاستثمار خلال زيارته الإمارات رغبة أوكرانيا في تنويع شركائها التجاريين والبحث عن مصادر تمويل جديدة لدعم اقتصادها المتضرر بالحرب.
كما يكشف ذلك عن إدراك القيادة الأوكرانية لأهمية دور دول الخليج، كشركاء استراتيجيين قادرين على المساهمة في إعادة الإعمار وجذب رؤوس الأموال.
ويُبرز هذا التوجه تحولاً في الأولويات الأوكرانية نحو الاستفادة من الفرص الاقتصادية المتاحة في المنطقة، لتعزيز الاستقرار الداخلي، وتمهيد الطريق لنمو اقتصادي مستدام بعد انتهاء الصراع.
وبرزت الإمارات كوسيط مؤثر في ملف تبادل الأسرى بين موسكو وكييف، إذ لعبت دوراً محورياً في إتمام 12 عملية تبادل منذ مطلع 2024، كان آخرها في 5 فبراير، شملت 300 أسير من الطرفين.
وتواصل دول مجلس التعاون الخليجي وخاصة السعودية وقطر جهودها الإنسانية والدبلوماسية، ما يعزز مكانتها كوسيط موثوق في خفض التصعيد، وفتح قنوات الحوار، بما يسهم في تهيئة المناخ لحل سياسي للأزمة الأوكرانية، تزداد مؤشرات تحقيقه خلال العام الجاري.
شراكة اقتصادية
وشهدت زيارة زيلينسكي إلى الإمارات توقيع اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة تمنح إعفاءات جمركية واسعة، بهدف تعزيز التعاون التجاري والاستثماري بين البلدين، في خطوة قد تكون مقدمة لشراكات أخرى مع باقي دول الخليج.
وجرى توقيع الاتفاقية في 17 فبراير الجاري، خلال فعالية في أبوظبي، بحضور الرئيسين الإماراتي والأوكراني، حيث وقعها عن الجانب الإماراتي وزير الدولة للتجارة الخارجية، الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي، ومن الجانب الأوكراني يوليا سفيريدينكو، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزيرة الاقتصاد.
تمنح الاتفاقية 99% من واردات أوكرانيا من السلع الإماراتية، و97% من صادرات أوكرانيا إلى الإمارات، إعفاءً فورياً من الرسوم الجمركية، ومن المتوقع أن تضيف الاتفاقية 369 مليون دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي للإمارات، و874 مليون دولار إلى الناتج المحلي لأوكرانيا بحلول عام 2031.
وتأمل أوكرانيا أن تسهم هذه الاتفاقية في تسريع انتعاش اقتصادها، وخلق فرص تعاون جديدة في قطاعات البنية التحتية، والصناعات الثقيلة، والطيران، والفضاء، وتكنولوجيا المعلومات.
يذكر أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 372.4 مليون دولار عام 2024، فيما تسعى الإمارات إلى رفع حجم تجارتها غير النفطية إلى 1.1 تريليون دولار بحلول 2031، ضمن خطة لتعزيز شبكة شراكاتها التجارية العالمية.
فرص ومكاسب
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة “سكاريا” التركية، محمد سليمان الزواوي، إن أوكرانيا رغم ما تخوضه من حرب مع روسيا، تظل دولة غنية بالموارد الطبيعية، زراعياً ومعدنياً، فهي من كبار مصدري القمح والمنتجات الغذائية، كما تحتوي على معادن ثمينة ونادرة، مما يصنفها ضمن أعلى عشر دول في احتياطي هذه المعادن.
ويضيف لـ”الخليج أونلاين” أن من أبرز المعادن التي تصدرها أوكرانيا معدن الليثيوم الذي يعد أساسياً في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، التي تمثل مستقبل صناعة النقل في العالم، لذا، فإن ربط دول الخليج اقتصادها بأوكرانيا يضمن لها مكاناً في الصناعات المستقبلية الحيوية.
ويشير الزواوي إلى أن أوكرانيا هي الأخرى بحاجة ماسة إلى الأموال الخليجية التي يمكن أن تساهم في تمويل عملية إعادة الإعمار بعد الحرب، كما أن الاهتمام الخليجي بمعادن أوكرانيا النفيسة يفتح الباب واسعاً أمام الشراكات التجارية في مختلف المجالات الصناعية والتجارية.
ويرى أنه يمكن مقايضة المعادن الهامة الأوكرانية بما يمكن أن تقدمه دول الخليج في عملية إعادة الإعمار، لاسيما مع تهديد الولايات المتحدة لانتزاع حصة من تلك المعادن مقابل الحماية.
ويؤكد الزواوي أن التعاون بين أوكرانيا ودول الخليج سوف يمثل مكاسب لكلا الطرفين، من دون أن تتعرض كييف إلى الابتزاز الاقتصادي الأمريكي في عهد ترامب.
ويشير إلى أن دول الخليج حافظت على علاقات متوازنة مع القوى الكبرى، متبعة سياسات حكيمة في إدارة مصالحها الاقتصادية والعسكرية.
ويتابع: بالنظر إلى علاقاتها العسكرية مع روسيا، واستثمارها في الصناعات العسكرية الروسية كبديل عن الصناعات الدفاعية الأمريكية التي تحد من مخرجاتها حفاظاً على التفوق الإسرائيلي، فإن هذا التوازن يمثل استراتيجية خليجية ناجحة.
ويؤكد الزواوي بأن هذا التوازن والحذر في صياغة العلاقات الخليجية قد أعطى زخماً كبيراً لدول الخليج في عقد الشراكات التجارية والعسكرية، وكذلك التقنية وجعل تلك الدول بملاءتها المالية ذات ثقل دولي بسياسات متوازنة تجاه القضايا الشائكة حول العالم.
دور خليجي مرتقب
مع اقتراب حل الأزمة الأوكرانية وزيارة الرئيس زيلينسكي للمنطقة، تبرز تساؤلات حول كيفية دعم دول الخليج لاقتصاد أوكرانيا في مرحلة ما بعد الحرب.
وفي إطار ذلك تسعى أوكرانيا إلى تعزيز علاقاتها التجارية والاستثمارية مع دول الخليج، مستهدفةً عدة مجالات، أبرزها تعزيز التبادل التجاري والاستثماري، والتعاون في القطاع الزراعي حيث تُعد أوكرانيا من أبرز الدول المنتجة للقمح، وقد أثرت الحرب على قدرتها التصديرية، مما أدى إلى اضطرابات في الأسواق العالمية.
كما تسعى أوكرانيا إلى جذب استثمارات خليجية في قطاعها الزراعي، لتعزيز الإنتاج وتطوير البنية التحتية الزراعية، وضمان استقرار الإمدادات الغذائية.
وتشير باحثة في مركز دراسات الشرق الأوسط في أوكرانيا، أولينا بشينيشنايا، في تقرير نشره مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية، في 18 فبراير الجاري، إلى أن زيارة زيلينسكي إلى منطقة الخليج تعكس استراتيجية متعددة الأوجه، تهدف إلى تأمين حلفاء اقتصاديين وسياسيين حيويين في الشرق الأوسط.
وتعرب بشينيشنايا عن اعتقادها بأن هذه الشراكات الجديدة مع دول الخليج ستكون حاسمة في تشكيل كل من الانتعاش الاقتصادي لأوكرانيا والجهود الدولية لحل النزاع، لكن الرئيس الأوكراني يدرك أن وجود هذه القوى المؤثرة كشركاء سياسيين سيساعده على تعزيز موقف أوكرانيا في جميع أنحاء العالم، وخاصة في المنصات التي ستتخذ فيها القرارات بشأن إنهاء الحرب.
كما تتطلع أوكرانيا إلى مشاركة دول الخليج في جهود إعادة الإعمار، من خلال استثمارات في مشاريع البنية التحتية، مثل الطرق والجسور والمرافق الحيوية، مما يسهم في تسريع التعافي الاقتصادي.
وإلى جانب ذلك، تمتلك أوكرانيا احتياطيات كبيرة من الوقود الأحفوري، وتطمح إلى تطوير هذا القطاع بالتعاون مع دول الخليج، من خلال شراكات استثمار في استخراج وتكرير النفط والغاز، وتبادل الخبرات والتقنيات الحديثة، مما يعزز من قدرات أوكرانيا الإنتاجية في هذا المجال.
ورغم التحديات التي فرضتها الحرب، حافظت دول الخليج على علاقات اقتصادية مع أوكرانيا، ومع قرب انتهاء الصراع، من المتوقع أن تُستأنف وتتعزز هذه العلاقات، خاصة في مجالات التجارة والاستثمار والطاقة.
وترى أوكرانيا في دول الخليج شركاء استراتيجيين يمكنهم المساهمة بشكل فعّال في إعادة بناء اقتصادها وتعزيز استقراره، من خلال استثمارات مشتركة وتعاون اقتصادي متبادل في مختلف القطاعات.