لقاء الشرع والسوداني.. نجاح قطري يؤسس لتقارب سوري – عراقي

أكدت قطر أن رعاية الأمير لهذا اللقاء تأتي “انطلاقاً من حرص دولة قطر على ترسيخ الأخوة العربية”
تمر العلاقات العراقية السورية بتوترات خلال الأشهر الأخيرة، خصوصاً بعد سيطرة المعارضة بقيادة الرئيس الحالي أحمد الشرع على الحكم في البلاد، رغم ما يجمعهما من مصالح مشتركة في ملفات أمن الحدود، ومكافحة الإرهاب، وتنظيم حركة التجارة البرية.
ويبدو الملف السوري محاطاً بالإرباك، خصوصاً على الجانب العراقي، ويتضح ذلك في التعاطي الإعلامي مع أي تواصل رسمي بين البلدين، وكأن الطرفين في علاقة “محرمة”، يحاول الإعلام الرسمي العراقي دائماً مداراتها وإخفائها عن العيون ووسائل الإعلام.
يأتي ذلك في وقت فاجأت فيه الدوحة الأوساط الدبلوماسية بتنظيم لقاء غير معلن بين الرئيس السوري ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ما اعتُبر خطوة أولى ضمن جهود قطرية لاحتواء التصعيد، فهل كان اللقاء بداية لوساطة قطرية لإنهاء التوتر بين البلدين؟.
لقاء غير مسبوق
في حدثٍ لافت، أظهرت صورة نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي جانباً من الاجتماع، الذي جمع السوداني والشرع، بحضور أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في العاصمة القطرية الدوحة (منتصف أبريل 2025).
وتُشير المعلومات إلى أن الزيارة كان يفترض أن تبقى غير معلنة بهذه المرحلة، في ظل وجود أطراف سياسية، وفصائل مسلحة داخل العراق، تعارض تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة؛ بسبب اتهامات سابقة للشرع بالتورط في استهداف عراقيين، عقب سقوط النظام العراقي عام 2003، وهو ما تروج له وسائل إعلام تابعة لفصائل شيعية موالية لإيران.
ووفق قناة “بي بي سي”، نقلاً عن مصدر مقرب من حكومة العراق، فإن السبب وراء إبقاء زيارة السوداني إلى الدوحة طي الكتمان، هو أن الحكومة لم تُصارح بعض حلفائها بهذه الخطوة، وأنها جاءت كمحاولة “لجسّ نبض” الشرع.
وأكدت قطر في تصريحٍ للناطق باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، أن رعاية أمير قطر لهذا اللقاء تأتي “انطلاقاً من حرص دولة قطر على ترسيخ الأخوة العربية وتعزيز العمل العربي المشترك، باعتباره ركيزة أساسية للأمن والاستقرار والنهضة في المنطقة، وتحقيق تطلعات شعوبها”.
وتابع أن “اللقاء جرى في أجواء إيجابية عكست التفاهم والتقارب بين الجانبين، والرغبة الصادقة في دفع مسارات التعاون العربي بما يخدم مصالح شعوب المنطقة”.
وحول بنود اللقاء أيضاً، كشفت الرئاسة السورية في بيان، أنه تم “بوساطة كريمة من دولة قطر الشقيقة”، و”تناول العلاقات الثنائية بين سوريا والعراق في إطار حرص الجانبين على إعادة تفعيل مسارات التعاون العربي المشترك”.
وبرز الحديث عن عمق الروابط التاريخية التي تجمع الشعبين السوري والعراقي، وأهمية احترام سيادة واستقلال البلدين، ورفض كل أشكال التدخل الخارجي، مشددَين على أن استقرار سوريا والعراق يمثل حجر الزاوية لأمن المنطقة بأسرها، وفق البيان.
كما ناقش اللقاء ملف أمن الحدود المشتركة، حيث اتفق الطرفان على تعزيز التعاون الميداني والاستخباراتي بين الجهات المعنية، لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة.
تطورات متسارعة
في الـ16 من أبريل قبيل لقائهما في الدوحة، أعلن رئيس الوزراء العراقي أنه وجه دعوة إلى الرئيس السوري لحضور القمة العربية المقبلة في العاصمة بغداد، مؤكداً أن الشرع سيحضرها.
وأضاف: “الشرع مرحب به لحضور القمة العربية في بغداد، وقد وجهت له دعوة رسمية بهذا الصدد”.
ويبدو أن هذه الدعوة قد أغضبت نواب من قوى “الإطار التنسيقي” الموالية لإيران، حيث تقدموا بشكاوى قضائية ضد الشرع، متهمين إياه بـ”الإرهاب”، في محاولة لمنع مشاركته في القمة.
غير أن هذه الشكاوى التي أعلنها نواب من “عصائب أهل الحق” و”كتائب حزب الله” لم تلقَ حتى الآن أي استجابة من الجهات القضائية العراقية.
وفي 19 أبريل، وصل رتل عسكري تابع لوزارة الدفاع السورية إلى مدينة البوكمال، القريبة من الحدود العراقية، في خطوة تهدف إلى ضبط الحدود ومكافحة عمليات التهريب، بحسب ما أفاد تلفزيون “سوريا”.
وبحسب وسائل إعلام عراقية، فإن هذه التعزيزات تأتي وسط تصاعد التوترات في المنطقة الشرقية، إذ تمثل البوكمال نقطة استراتيجية على الطريق البري الرابط بين العراق وسوريا، وتشهد نشاطاً متزايداً للفصائل المسلحة.
وكانت الرئاسة السورية، قالت في (1 أبريل) إن الشرع تلقى اتصالاً هاتفياً من رئيس الوزراء العراقي، بحثا خلاله العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها، مشيرة إلى أنهما شددا على أهمية فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية، وتطرقا لملف أمن الحدود والتعاون في مكافحة المخدرات.
جاء ذلك بعد أيام من توتر شاب العلاقة، فبعد التوترات في الساحل السوري والاشتباكات بين جماعات ذات خلفيات طائفية مختلفة، أُثيرت حملات تحريض واسعة في العراق ضد المقيمين السوريين. وبرز من بين هذا مقطع فيديو لمجموعة من الملثمين المسلحين العراقيين وهم يقتحمون مخبزاً في العراق يعمل فيه شباب سوريون وأخذوا يعتدون عليهم.
وفي حين اعتبرت الخارجية السورية ذلك “انتهاكاً واضحاً لحقوق الإنسان والقانون الدولي”، أكد مكتب السوداني أن هذه الاعتداءات “مدانة بحكم القانون وتخالف جميع القيم الإنسانية والأخلاقية، وتمثل انتهاكاً لكرامة الإنسان وحقوقه”، وشكل فريق تحقيق بها.
نجاح كبير
وخلال السنوات الأخيرة، لعبت قطر دوراً بارزاً في دعم وتسهيل عمليات الوساطة في مناطق متعددة، تجاوزت الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا، ووصلت إلى مناطق أبعد وأصعب في ملفاتها.
يعتقد الكاتب الصحفي إياد الدليمي أنه لم يعد الحديث عن نجاح من عدمه في الوساطة القطرية بين العراق وسوريا، بل إن “ما حصل بحد ذاته هو نجاح كبير”.
الدليمي في حديثه لـ”الخليج أونلاين” يوضح بالقول:
– قبل هذا اللقاء ليس كما كان بعده، الاختراق القطري مهد لأرضية جديدة من العلاقات بين البلدين، وهو ما بدأنا نلمسه في العراق الذي كان يبدو أكثر تشدداً من ناحية القبول بسوريا الجديدة.
– ما إن أعلن عن اللقاء بين السوداني والشرع بالدوحة حتى بدأت الكثير من الأصوات السياسية الوازنة في العراق تتحدث عن صوابية تلك الخطوة، في حين لم تعلق القوى السياسية الموالية لإيران سلباً تجاه اللقاء؛ ما يشير بما لا يدع مجالاً للشك بأن تلك القوى كانت على علم بترتيب اللقاء.
– هناك اليوم نتائج بدأت تظهر على أرض الواقع من بينها سحب مليشيات الحشد الشعبي في القائم العراقية الحدودية مع سوريا بعيداً عن نقطة الحدود، وكان هذا طلب سوري قابله تعزيز للقوات العراقية.
توتر ومخاوف
ورغم أن الخلافات لا تزال قائمة، إلا أن المسار الذي بدأ في الدوحة يفتح نافذة أولى نحو تهدئة محتملة، في وقت تواجه فيه المنطقة تحولات سريعة، وسط رغبة بعض الأطراف الإقليمية بتثبيت استقرار نسبي في الميدان، بما يتيح إعادة ضبط العلاقات السياسية تدريجياً.
ويتشارك العراق وسوريا ما يزيد على 600 كيلومتر من الحدود، ورغم هذا، فقد بقيت العلاقات مضطربة بسبب تعارض المصالح، لكن الواقع الراهن والتحديات المشتركة تشكل دافعاً للطرفين لمحاولة التنسيق مجدداً.
وكانت الحكومة العراقية سارعت إلى إيفاد رئيس جهاز المخابرات حميد الشطري إلى دمشق في ديسمبر 2024، حيث التقى بالرئيس السوري لبحث أمن الحدود، واتبعت لاحقاً بزيارة لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى بغداد منتصف مارس الماضي، بالتزامن مع تنسيق إقليمي أعلنت عنه أنقرة، يشمل العراق وسوريا وتركيا والأردن لمواجهة تنظيم الدولة (داعش).
وتتركز المخاوف الأمنية على احتمال فرار معتقلي تنظيم الدولة من سجون “قسد” شمال شرق سوريا، فيما تطالب أنقرة بإعادة السجون إلى سيطرة الدولة السورية، ضمن تحرك أوسع لضبط الأمن في المنطقة الحدودية المشتركة مع العراق وسوريا.
وعلى الأرض، تستمر عمليات التهريب وتحركات خلايا التنظيم بين دير الزور والأنبار، ما يزيد الضغط على بغداد ودمشق، فيما تعاني حركة التجارة البرية بين البلدين من الجمود، وسط تحفظ عراقي على إعادة فتح معبر البوكمال بشكل دائم، في ظل مطالب سورية بتسهيلات للتصدير نحو الخليج.