الاخبار

قتلوه مرتين.. حسن إصليح شهيد الصحافة الذي أبكى الفلسطينيين

لاحقت الزميل حسن تهديدات مباشرة، وصلت إلى حد التهديد بالقتل العلني عبر منصات التواصل الاجتماعي.

استفاق الفلسطينيون على وقع خبر مؤلم ومفجع، إذ أُعلن عن استشهاد الزميل الصحفي حسن إصليح، إثر غارة جوية إسرائيلية استهدفت سرير علاجه داخل غرفة مخصصة للمصابين في قسم الجروح بمجمع ناصر الطبي، جنوب قطاع غزة.

هذا الاستهداف الوحشي جاء بينما كان إصليح يتلقى العلاج داخل المستشفى، في لحظة يفترض أن تكون فيها الرعاية الطبية والحماية الإنسانية هي السائدة، إلا أن جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يمنحه حتى فرصة الشفاء، بعد أن نجا سابقاً من محاولة اغتيال خلال شهر أبريل الماضي، أثناء أدائه لعمله الصحفي داخل خيمة إعلامية أقامها أمام المجمع الطبي نفسه في مدينة خان يونس. 

في مشهد يجسد أقصى درجات الإجرام، تسللت طائرة مسيرة إسرائيلية انتحارية إلى داخل غرفة العلاج حيث يرقد الزميل إصليح، كان حسن حينها في حالة نوم عميق، بعد أن تناول جرعة من العلاج الوريدي، دون أن يعلم أن الموت يتربص به حتى في أكثر الأماكن المفترضة أمناً.

فور دخول الطائرة الغرفة، وقع الانفجار الذي مزق جسده بشظايا قاتلة، وأرداه شهيداً في اللحظة ذاتها، دون أن تمنح الطواقم الطبية فرصة لمحاولة إنقاذ حياته. هرع زملاؤه الصحفيون، الذين كانوا يتمركزون في خيامهم الإعلامية خارج مجمع ناصر الطبي، إلى موقع الاستهداف، ليفجعوا بأن الغرفة التي طالها القصف هي غرفة علاج زميلهم حسن.

تعلقت صرخاتهم بالنداء: “يا حسن! يا أبو العبد!”، لكن الرد لم يأتِ، إذ كان الجسد قد خمد، والروح قد ارتفعت.

عثر الصحفيون على حسن جثة هامدة، ملقاة فوق سريره، لا يظهر أي حركة أو استجابة، مغطى بشظايا الطائرة المُسيّرة وأنقاض الغرفة، فسارعوا برفع الركام عن جسده المثخن، ونقلوه على الفور إلى قسم الطوارئ والاستقبال في مجمع ناصر الطبي، لكن الأطباء أعلنوا استشهاده بعد أقل من دقيقة على وصوله، ليكون الشهيد الصحفي رقم 215 ضمن قائمة الصحفيين الذين قتلتهم “إسرائيل” منذ بدء عدوانها المتواصل على قطاع غزة.

صحفي مهني

عرف الزميل الراحل بمهنيته العالية، وحرصه الدائم على الالتزام بأخلاقيات المهنة الصحفية، وكان مصدراً موثوقاً للمعلومات، ومحل احترام وتقدير من قبل العديد من وسائل الإعلام الفلسطينية والدولية على حد سواء.

لم يكن حسن مجرد صحفي، بل كان شاهداً على الحقيقة، وناقلاً لصوت الضحايا من قلب الميدان، بشجاعة لا يمتلكها الكثيرون.

تحريض ممنهج

ومن المؤلم أن اغتيال حسن لم يكن حدثاً عشوائياً أو عارضاً، بل جاء بعد حملة تحريض ممنهجة شنها الاحتلال الإسرائيلي عبر عدة مستويات، منها الرسمي والإعلامي، وحتى على صعيد النشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ففي دراسة أعدها مركز “صدى سوشال”، قام الباحث إبراهيم الحاج برصد وتتبع حملات التحريض التي طالت حسن، مشيراً إلى أن مركز “مئير عيمت” الإسرائيلي كان من أول الجهات التي ساهمت في تأجيج هذه الحملة، حيث نشر تقريراً يتهم فيه إصليح بالتقاط صورة مع الشهيد يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” في غزة، معتبراً تلك الصورة “دليلاً” على قربه من الحركة، رغم أن الصحفيين، بحكم عملهم، يلتقون بجميع الشخصيات العامة دون انتماء سياسي.

كما زعمت التقارير ذاتها أنه ظهر في مقطع مصور وهو يحمل قنبلة يدوية في السابع من أكتوبر، دون وجود أي دليل فعلي يثبت تلك الادعاءات، لا عبر الصور ولا عبر الفيديوهات الموثقة. وكانت نتيجة هذا التحريض أن قطعت وكالات أجنبية معروفة مثل “سي إن إن” و”أسوشيتد برس” علاقتها المهنية بالصحفي الفلسطيني، استناداً فقط إلى ما روجته وسائل الإعلام العبرية من معلومات مغلوطة ومفبركة.

موجة تهديدات

لاحقت حسن إصليح تهديدات مباشرة، وصلت إلى حد التهديد بالقتل العلني عبر منصات التواصل الاجتماعي.

فبعد أن نشر تغريدة يحذر فيها من خطورة ما يتعرض له من تحريض، واجه سيلاً من التعليقات التي حملت تهديدات صريحة، من بينها: “الصاروخ في طريقه إلى رأسك”، و”سنأتي إليك، اهرب واختبئ يا ابن الموت”.

ومن أبرز المعلقين الذين هددوه، جندي سابق في جيش الاحتلال يدعى إسرائيل ديسكيند، يصف نفسه بأنه خدم في كتيبة “نيتساح يهودا”، وهي إحدى أكثر الكتائب تطرفاً وتورطاً في مجازر مروّعة، لا سيما خلال اقتحام مستشفى الشفاء في غزة.

صوت الصحافة

وفي هذا السياق، قال نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين تحسين الأسطل، إن استهداف الزميل حسن “جريمة بشعة ومحاولة مكشوفة لإسكات الصوت الفلسطيني الحر”، مشدداً على أن ما جرى هو “جريمة مكتملة الأركان تستوجب تحقيقاً دولياً عاجلاً”.

وأضاف في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “الزميل حسن دفع حياته ثمناً لنقل الحقيقة من وسط الميدان، وهو شهيد الكلمة والصورة التي تُعرّي جرائم الاحتلال”.

بدوره، أشار الصحفي محمد منصور إلى أن حسن كان مثالاً للصحفي الفلسطيني الشريف، وأنه كان ملتزماُ بأخلاقيات العمل الإعلامي رغم التهديدات المستمرة، ولم يتوقف عن أداء واجبه المهني حتى اللحظة الأخيرة.

وأوضح منصور في حديثه لـ”الخليج أونلاين” أن “حسن نجا من محاولة اغتيال أولى خلال شهر أبريل أثناء تواجده في خيمته الصحفية، لكن الاحتلال لم يتوقف عند ذلك، بل واصل استهدافه حتى نال منه وهو على سرير الشفاء، في صورة تُجسد وحشية الاحتلال وازدراءه لكل القوانين الدولية التي تحمي المدنيين والصحفيين في مناطق النزاع”.

وبرحيل حسن إصليح، يفقد الصحفيون الفلسطينيون علماً من أعلام الصحافة الميدانية، ورمزاً من رموز التوثيق الميداني للعدوان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى