غزة تنزف من جديد.. ما الذي أفشل استمرار الهدنة؟

قال نتنياهو إن هذه العمليات مجرد بداية، وإنها تهدف للقضاء على “حماس” واستعادة الأسرى والقضاء على التهديد في غزة.
مئات الشهداء والجرحى، أغلبهم من الأطفال والنساء، جراء غارات مباغتة شنها جيش الاحتلال ابتداءً من فجر الاثنين (17 مارس)، على مناطق متفرقة في قطاع غزة، في انقلاب على اتفاق وقف إطلاق النار، بضوء أخضر أمريكي.
التصعيد الإسرائيلي المباغت في غزة يأخذ بُعدين؛ الأول له علاقة بورطة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الداخلية، والآخر يتعلق بمحاولة استغلال الضوء الأخير الأمريكي لتنفيذ أجندة اليمين المتطرف الإسرائيلي.
وحتى اللحظة يعتمد جيش الاحتلال في عدوانه على العمليات الجوية، وسط محاولات يبذلها الوسطاء لإنقاذ الاتفاق، والحيلولة دون الانزلاق نحو الحرب بمعناها الشامل، فكيف وصلت الأمور إلى هذه النقطة، ومن يتحمل المسؤولية؟
مجازر بشعة
أكثر من 439 شهيداً، بينهم قرابة 150 طفلاً، وأكثر من 560 جريحاً، أغلبهم من الأطفال والنساء هم ضحايا العدوان الإسرائيلي (حتى صباح الأربعاء 19 مارس).
من جانبها نعت حركة “حماس” عدداً من أعضاء مكتبها السياسي الذين قضوا في القصف الإسرائيلي، كما نعت حركة “الجهاد” المتحدث باسمها الذي قضى هو الآخر وعائلته في القصف.
وأعلن الجيش الإسرائيلي ليلة الاثنين (17 مارس) استئناف عملياته بغزة، في حين قال البيت الأبيض إن إدارة الرئيس دونالد ترامب اطلعت على خطط “إسرائيل” لاستئناف العمليات، وإن الأخير يؤيد خيار حكومة الاحتلال بالعودة إلى الحرب.
اشتراطات “إسرائيل”
وبالرغم من تعامل “حماس” الإيجابي مع المقترحات المطروحة، والتي كان آخرها مقترح مبعوث ترامب ستيف ويتكوف، فإن “إسرائيل” ذهبت إلى الحرب في منتصف المفاوضات.
وسبق هذا القرار مماطلة نتنياهو في الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، بعد انتهاء الأولى في 4 مارس، وسعيه لتمديد المرحلة الأولى، وأن يقتصر الاتفاق على مرحلة واحدة يفرج خلالها عن جميع الأسرى.
ويستند نتنياهو في تعاطيه مع المفاوضات إلى خطة ترامب التي تنص على تهجير سكان غزة، وهي الخطة التي يرى فيها اليمين المتطرف خريطة طريق مثالية للقضاء على “كابوس” الدولة الفلسطينية، وضمان أمن “إسرائيل”.
ورفض نتنياهو الانسحاب من محور فيلادلفيا الحدودي بين غزة ورفح المصرية، وأبدى مماطلة في تنفيذ الانسحاب من القطاع، وهو ما يتناقض مع بنود الاتفاق الذي دخلت مرحلته الأولى حيز التنفيذ في 19 يناير الماضي.
لماذا انقلب نتنياهو؟
وحدد نتنياهو ثلاثة أهداف للعمليات الحالية بغزة؛ هي تحرير كل الأسرى، والقضاء على “حماس”، وضمان ألا تشكل غزة تهديداً لـ”إسرائيل”، مشيراً إلى أن ما يحدث الآن ما هو إلا البداية، وأن المفاوضات ستستمر تحت القصف.
ويبدو أن خيار الذهاب إلى الحرب يمنح نتنياهو أملاً بالبقاء في السلطة لأطول مدة ممكنة، وتحاشي محاسبته على فشله في الـ7 من أكتوبر 2023.
كما أن نتنياهو يحاول من خلال استئناف الحرب الهروب من أزمته الداخلية مع أجهزته الأمنية، التي كان آخرها مع رئيس الشاباك رونين بار، في الوقت الذي كان فيه الرأي العام الإسرائيلي يتحضر لمظاهرات ضخمة، وفق المحلل السياسي أحمد الحيلة.
وأضاف الحيلة في حسابه على منصة “فيسبوك”: “الأهم والأخطر أن العدوان العسكري الأمريكي على اليمن منح نتنياهو فرصة تاريخية للتصعيد (وهو بالضرورة منسّق مسبقاً بين واشنطن وتل أبيب)، لتكون “إسرائيل” والولايات المتحدة في جبهة واحدة ضد أعدائهما المشتركين، لإعادة رسم الشرق الأوسط عبر تصفية خصومهما واحداً تلو الآخر”.
مسارات محتملة
ولا يخفى الهدف الأساس لحكومة الاحتلال من وراء استئناف القصف وهو القضاء على “حماس”، إلى جانب جعل غزة غير صالحة للحياة، ومن ثم الانتقال إلى خطة التهجير التي اقترحها ترامب.
ولكن ليس من المرجح أن تمضي الأمور كما تشتهي “إسرائيل”، ووفق المحلل السياسي أحمد الحيلة، فإن المشهد يتجه نحو مسارين؛ الأول تصعيد تكتيكي حتى نهاية الشهر الجاري، كي يحافظ نتنياهو على دعم اليمين المتطرف لتمرير قانون الموازنة السنوية في الكنيست بأغلبية مريحة.
المسار الثاني يتمثل في “تدحرج الأمور وارتفاع منسوب المواجهة العسكرية، ما قد يوسّع دائرة القتال من غزة إلى اليمن، ارتباطاً بتهديد ترامب لإيران بتحريض من نتنياهو الذي يحلم بضرب واشنطن للمشروع النووي الإيراني، وهو إن حصل فسيأخذ المشهد لأبعاد إقليمية مركّبة”.
أهداف نتنياهو
وثمة من يرى أن رئيس وزراء الاحتلال أجبر على الاتفاق الذي تم التوصل إليه في 19 يناير الماضي، ووفقاً للخبير في الشؤون الإسرائيلية عصمت منصور، فإن “نتنياهو منذ البداية لم يكن راضياً عن هذا الاتفاق، بل أجبر عليه، ولم يلتزم به”.
وقال منصور في تصريح لـ”الخليج أونلاين”:
- كان يفترض في يوم 16 مارس أن تبدأ مفاوضات المرحلة الثانية، وكان يفترض أن تدخل كرفانات وبيوت متنقلة، وغيرها، إلا أن نتنياهو لم يلتزم بذلك، وعند انتهاء المرحلة الأولى قطع المساعدات عن غزة، وبدأ عملية الضغط.
- نتنياهو لم ينقلب على الاتفاق، بل يريد اتفاقاً بظروف أفضل، ويحقق نتائج أكثر، ويعيد أسرى بأعداد أكبر، ودون أن يتضمن وقف الحرب، اعتقاداً منه أن الضغط العسكري هو الذي سيؤمن له ذلك.
- القضايا الداخلية، والاحتجاجات، وإقالة رئيس الشاباك، والتذمر في الشارع، والموازنة، وعودة بن غفير، والتغيرات في بنية الجيش ورئيس الأركان، كلها عوامل دفعت لهذا التصعيد.
- أعتقد أن الحرب ستظل مستمرة حتى لو تم التوصل إلى اتفاق، فالعمليات ستتصاعد، وهذا ما أعلنه نتنياهو، حيث قال إن هذه مجرد بداية.
- في تقديري سيسير التصعيد بشكل متوازٍ مع المفاوضات، إذا رأينا نتائج واستطاع الوسطاء بلورة اقتراح يعيد عدد الأسرى، فربما نشهد تهدئة في العمليات.
- إذا لم يحصل تقدم في المفاوضات، فإن الأمور ستتصاعد، وربما تمتد إلى عملية برية تشمل مناطق أوسع في القطاع، علماً بأن العملية حتى الآن “تقتصر على العمل الجوي”.
- إذا امتد التصعيد وتوسع، وتم تجنيد الاحتياط والدخول في عملية برية، وفي ظل الحديث عن التهجير وعودة بن غفير، فسيكون لهذا تداعيات على الضفة وغزة ومشروع التهجير.
- سينعكس هذا قطعاً على الوضع الإقليمي، وعلى حظوظ الورقة المصرية والخطة المصرية، التي باتت تشكل فعلاً أساساً لأي حل.
- الولايات المتحدة هي التي أعطت الضوء الأخضر لنتنياهو للذهاب نحو التصعيد، وعليه فالموقف الأمريكي عملياً هو الذي مكّن الاحتلال من العودة للقتال، وهذا ما يعقد المشهد أكثر.
محاولات إنقاذ
حركة “حماس” حملت حكومة الاحتلال والولايات المتحدة الأمريكية مسؤولية التصعيد الأخير والجرائم التي ارتكبت بحق المدنيين والأطفال والنساء في القطاع.
ونفت الحركة المزاعم حول رفضها مقترح “ويتكوف”، وقالت إن المقترح كان مطروحاً على الطاولة، وإنها تعاملت بإيجابية معه، كما أكدت أنها على تواصل مستمر مع الوسطاء بهذا الشأن.
ونقلت “الجزيرة مباشر” عن القيادي بحركة “حماس” أسامه حمدان قوله إن “إسرائيل” فشلت في الخروج من الاتفاق سياسياً، فقررت الخروج منه عسكرياً، مؤكداً استعداد الحركة للتعامل مع مقترح ويتكوف، شرط أن يكون جسراً للمرحلة الثانية.
ويبدو أن الوسطاء يحاولون إنقاذ الاتفاق حتى بعد استئناف “إسرائيل” حربها على غزة، ونقلت صحيفة “فايننشال تايمز” عن مصادر مطلعة قولها إن الوسطاء يتواصلون مع الجانبين على أمل منع استئناف الأعمال العدائية على نطاق واسع.
كما نقلت عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن “إسرائيل” مستعدة لاستمرار العمليات العسكرية إذا رفضت “حماس” تقديم تنازلات، في الوقت نفسه تواجه “إسرائيل” والولايات المتحدة انتقادات لاذعة حول ما يحدث من مجازر في غزة.