سياسة “الضغط القصوى”.. سيناريوهات التصعيد الأمريكي على إيران
الباحث السياسي ياسر عبد العزيز:
يعكس خطاب ترامب توجهاً لطمأنة دول الخليج تجاه الخطر الإيراني، لا سيما في ضوء تهديدات الملاحة البحرية.
الحصار الاقتصادي بدأ يُثقل كاهل طهران، التي فقدت نفوذها تدريجياً في المنطقة، إلى جانب اغتيال قيادات بارزة في الحرس الثوري.
تفتح سياسة الضغط القصوى، التي أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدء تنفيذها على إيران، الباب أمام سناريوهات عديدة يمكن أن تشهدها المنطقة، ويبرز التساؤل حول ما إن كانت سياسية الضغط هذه ستنجح في إضعاف طهران مجدداً أم ستقود إلى تصعيد جديد في الشرق الأوسط.
الثلاثاء (4 فبراير الجاري) وقع ترامب أمراً تنفيذياً يعيد فرض سياسة “الضغط القصوى” على إيران، وهي السياسة التي تبناها خلال ولايته الأولى (2016-2020) بهدف منع طهران من تطوير سلاح نووي.
ترامب قال في تصريحات له إن إيران “قريبة جداً من امتلاك سلاح نووي”، مؤكداً أن إدارته لن تسمح بذلك.
وأوضح أنه يسعى إلى تجنب الصدام العسكري، لكنه أكد ضرورة أن تبقى الولايات المتحدة حازمة.
ترامب أعاد تذكير العالم بسياسة “الضغط القصوى”، التي تقوم على تشديد العقوبات الاقتصادية وإضعاف قدرات طهران المالية والعسكرية، لافتاً إلى أن هذه السياسة أضعفت إيران سابقاً.
وفي هذا السياق، رفض ترامب الكشف عن طلب محتمل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بشأن مساعدة أمريكية لضرب المنشآت النووية الإيرانية، لكنه لمح إلى تنسيق وثيق مع “إسرائيل” بشأن هذا الملف.
بين طهران وواشنطن
من أبرز التطورات التي طفت على سطح الأحداث الإيرانية الأمريكية، وزادت من غضب ترامب على طهران، كان كشف وزارة العدل الأمريكية عن مخطط إيراني لاغتيال ترامب قبيل الانتخابات الرئاسية.
وأشارت الشكوى الجنائية إلى تورط الحرس الثوري الإيراني في هذا المخطط، مما دفع الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ مزيد من الخطوات التصعيدية.
يضاف إلى هذا، اتهمت واشنطن طهران بشن هجمات سيبرانية استهدفت الحملتين الانتخابيتين لكل من ترامب ومنافسته الديمقراطية كامالا هاريس، مما زاد من تعقيد المشهد السياسي والأمني.
التنسيق بين واشنطن وتل أبيب يبدو أكثر وضوحاً مع دعم ترامب للجهود العسكرية الإسرائيلية؛ حيث رفع الحظر عن إمداد “إسرائيل” بقنابل تزن ألفي رطل، ما يعزز قدرتها على تنفيذ ضربات جوية واسعة النطاق ضد المنشآت النووية الإيرانية، بحسب ما أوردت صحيفة “يديعوت أحرونوت”.
تل أبيب بدورها واصلت عملياتها العسكرية، وقصفت مواقع قرب طهران في أكتوبر الماضي، رداً على هجوم إيراني بصواريخ باليستية على “إسرائيل”.
ردّ إيراني
من جهتها أجرت طهران الأربعاء (5 فبراير الجاري) استعراضاً عسكرياً لأنظمة دفاع جوي روسية وإيرانية الصنع، في إشارة إلى استعدادها لمواجهة أي تصعيد عسكري.
جاء الاستعراض بعد تصريح ترامب بأن طهران لا يمكن أن تمتلك السلاح النووي، وبعد أن قالت “إسرائيل” إنها أضعفت بشكل كبير القدرات الدفاعية لطهران بضربات نفذتها في أكتوبر الماضي.
في الوقت نفسه، أكد مسؤولون إيرانيون استعدادهم لمنح فرصة جديدة للدبلوماسية مع واشنطن، معبرين عن قلقهم من “التخريب الإسرائيلي”، ومطالبين الولايات المتحدة بكبح جماح “إسرائيل” إذا أرادت التوصل إلى اتفاق مع إيران.
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أكد أن مخاوف واشنطن من برنامج إيران النووي يمكن حلها، مشدداً على رفض طهران لأسلحة الدمار الشامل.
رغم التهديدات المتبادلة، بدا ترامب منفتحاً على إمكانية التوصل إلى اتفاق نووي سلمي مع طهران، يسمح لإيران بالنمو والازدهار سلمياً تحت إشراف دولي. وأكد أنه يفضل حلاً دبلوماسياً على الصدام العسكري، قائلاً: “نريد لإيران أن تكون دولة ناجحة، لكن بلا سلاح نووي”.
آثار وسيناريوهات
في حديثه لـ”الخليج أونلاين” حول سياسة “الضغط القصوى” التي يسعى ترامب لتطبيقها على إيران، وآثارها والسيناريوهات المترتبة عليها يوضح الكاتب والباحث السياسي ياسر عبد العزيز:
-
منذ البداية، ركز ترامب على الملف النووي الإيراني والصواريخ الباليستية باعتبارهما وجهين لأزمة واحدة. هذا الترابط لم يكن وليد اللحظة، بل كان حاضراً في المفاوضات الأمريكية والأوروبية قبل انسحابه من الاتفاق النووي.
-
ما يميز موقف ترامب هو إعادة إحياء هذا الربط، مدفوعاً برغبة في تحقيق مكاسب سياسية تتجاوز الداخل الأمريكي إلى إرضاء اللوبي الإسرائيلي، الذي شكّل ركيزة مهمة في دعم حملته الانتخابية.
-
زيارة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الأخيرة إلى واشنطن ليست مجرد لقاء دبلوماسي، بل شكلت محطة محورية في تصعيد خطاب ترامب تجاه إيران.
-
تصريحات ترامب حول سياسة الضغط القصوى يمكن تفسيرها كـ”هدية سياسية” لنتنياهو، لا سيما بعد سلسلة تطمينات سابقة قدمها في ملف غزة.
-
دول الخليج ليست بعيدة عن هذا المشهد، إذ يعكس الخطاب الأمريكي توجهاً لطمأنتها تجاه الخطر الإيراني، لا سيما في ضوء تهديدات الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
-
الحصار الاقتصادي بدأ يُثقل كاهل طهران، التي فقدت نفوذها تدريجياً في العراق ولبنان واليمن، إلى جانب اغتيال قيادات بارزة في الحرس الثوري.
-
رغم هذا، ما تزال إيران تلعب على ورقة التخصيب النووي باعتبارها ورقة ضغط مضادة، وهو ما يُنذر بتصعيد أكبر في المرحلة المقبلة.
-
تصريحات المسؤولين الإيرانيين الأخيرة تكشف عن ازدواجية في الاستراتيجية؛ من جهة، يفتحون الباب أمام التفاوض مع الإدارة الأمريكية، ومن جهة أخرى، يستعدون لسيناريو التصعيد إذا استمرت سياسة الضغط القصوى.
-
تصعيد التوترات الإقليمية قد يكون جزءاً من تكتيك إيراني لكسب أوراق تفاوضية جديدة، خاصة بعد خسارة أوراق نفوذها التقليدية في المنطقة.
-
سياسة تصفير الصادرات الإيرانية قد تصب في صالح دول الخليج، التي ستملأ الفراغ في سوق النفط العالمي.
-
في المقابل، أوروبا تجد نفسها في موقف صعب، فهي لا تريد قطع الطريق تماماً على إيران، إذ تستفيد من استمرار العلاقات النفطية معها، ما سيدفعها للضغط على ترامب لتخفيف هذه السياسات.