الاخبار

خلال عقدين.. تحولات نوعية في القضاء القطري نحو المعايير العالمية

– تحظى المؤسسة القضائية باهتمام كبير لدى قطر باعتبارها واحدة من أهم السلطات في البلاد

– تتعامل قطر اليوم مع القضاء باعتباره أداة مركزية لدعم الاستقرار وصيانة الحقوق

في عالم يشهد تحولات قانونية متسارعة، لم تعد الأنظمة القضائية قادرة على العزلة أو العمل ضمن أطر محلية محضة، بل بات من الضروري انخراطها في منظومات التعاون الدولي لتبادل المعرفة وبناء الكفاءات، بما يعزز فاعلية القضاء ويحقق مبدأ سيادة القانون وفقًا لمعايير عالمية.

بهذا السياق، تبرز مبادرة قطر الجديدة لتعزيز تعاونها القضائي مع واحدة من أعرق المؤسسات القانونية الدولية؛ وهي أكاديمية لاهاي للقانون الدولي، باعتبارها مؤشراً واضحاً على مسار إصلاحي طويل الأمد تسلكه الدوحة نحو تطوير منظومتها العدلية.

وعلى المدى البعيد، تبدو هذه الخطوات وكأنها جزء من مشروع استراتيجي شامل لصياغة هوية قانونية أكثر نضجاً وانفتاحاً، حيث يشكّل القضاء أحد أعمدة الدولة الحديثة، وحيث تصبح العدالة أداة للتنمية لا مجرد آلية للفصل في النزاعات.

تعاون قطري هولندي

تحظى المؤسسة القضائية باهتمام كبير لدى قطر باعتبارها واحدة من أهم السلطات في البلاد، وعملت على تعزيز قدراتها، كما هو الحال مع مذكرة التفاهم التي وقعها المجلس الأعلى للقضاء في الدولة (17 أبريل 2025) مع أكاديمية لاهاي للقانون الدولي في هولندا.

المذكرة تهدف إلى تعزيز التعاون الفني وتطوير القدرات القضائية في إطار مؤسسي دولي يدعم مبادئ العدالة وسيادة القانون، حيث تعد هذه الخطوة امتداداً لجهود قطر في الانفتاح على المؤسسات القضائية العالمية، وترسيخ بنية قانونية متقدمة تستجيب للمعايير الحديثة.

وبحسب ما نقلته وكالة الأنباء القطرية، فإن المذكرة تعبر عن رغبة مشتركة في ترسيخ شراكة مهنية بين المؤسستين، تقوم على تبادل أفضل الممارسات، وتصميم برامج تدريبية تسهم في تطوير الكفاءات الوطنية وتحقيق العدالة الناجزة.

ويركز مضمون الاتفاق على مجالات حيوية تشمل القانون الدولي، والعدالة الجنائية، وأداء القضاء الابتكاري، إلى جانب رفع الوعي بالالتزامات الدولية، وتوسيع أطر التفاهم عبر مشاورات دورية لتحديد مجالات تعاون إضافية.

ويتضمن البروتوكول التنفيذي للمذكرة تنفيذ أربعة برامج تدريبية خلال عامي 2025 و2026، بمعدل برنامجين سنوياً، تركز على المعاهدات الدولية، واتفاقيات حقوق الإنسان، وحماية الطفل، ومكافحة العنف الأسري، وانعكاس هذه الاتفاقيات على الأحكام القضائية.

استراتيجيات وقرارات

هذا التوجه يعكس اهتمام قطر المتزايد بربط أحكامها القضائية بالإطار القانوني الدولي، بما يعزز من استقلالية القضاء وشفافيته.

كما أن التحرك القطري في هذا الاتجاه لا يمكن فصله عن سلسلة من المبادرات الإصلاحية التي أطلقها المجلس الأعلى للقضاء خلال السنوات الأخيرة، فقد اعتمدت الدولة (يناير 2025) استراتيجية تحول رقمي شاملة للفترة 2025–2030، تهدف إلى أتمتة إجراءات المحاكم، وتقديم أكثر من 70 خدمة إلكترونية للمتقاضين، إضافة إلى تطوير خدمات الهاتف المحمول.

وتم إطلاق محكمة التنفيذ المستقلة بموجب قانون التنفيذ القضائي الجديد رقم 4 لسنة 2024 والذي بدأ سريانه في نوفمبر من العام الماضي، ما يعزز كفاءة إنفاذ الأحكام ويحد من تعقيد الإجراءات.

ووسع المجلس الأعلى للقضاء القطري توزيع اللجان المسؤولة عن الفصل في النزاعات العمالية في عام 2022، بهدف تحسين الوصول إلى العدالة للعمال وتعزيز استقلالية القضاء، ضمن خطوات لضمان حق العمال.

وشهد النظام القضائي القطري إدخال إصلاحات مؤسسية، منها تفعيل قانون تقسيم التركات، مما أتاح توزيع الإرث رضائياً دون الحاجة إلى دعاوى قضائية، كما أطلقت ورش عمل بالتعاون مع مشروع العدالة العالمية لتقييم أداء القضاء الوطني وفق مؤشرات سيادة القانون.

تعاون وذكاء اصطناعي

وبدأت برامج تدريب القضاة القطريين تتوسع لتشمل مجالات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في المجال العدلي، فضلاً عن رعاية قطر لهذا التدريب الذي شمل عدة دول عربية.

وعقدت قطر و”اليونسكو” تدريباً في ديسمبر 2024، تناول مجموعة الأدوات العالمية حول الذكاء الاصطناعي وسيادة القانون بمشاركة 34 من القضاة والمدعين العامين من 10 دول في المنطقة العربية وهي: الإمارات العربية المتحدة، البحرين، الجزائر، العراق، قطر، عمان، لبنان، مصر، المملكة العربية السعودية، اليمن.

وتناول التدريب الإمكانات التحويلية للذكاء الاصطناعي في الأطر والعمليات القانونية، بهدف تزويد المتخصصين القانونيين بالمعرفة والأدوات اللازمة لتقييم الذكاء الاصطناعي وتطبيقه بشكل مسؤول.  

وتتعامل قطر اليوم مع القضاء باعتباره أداة مركزية لدعم الاستقرار، وصيانة الحقوق، وتأكيد الانسجام مع المجتمع الدولي، وقد ساعدت هذه الجهود في تحسين تصنيف الدولة الخليجية في المؤشرات العالمية لسيادة القانون، ورفع مستوى الثقة العامة في النظام القضائي.

تاريخ القضاء بقطر

ومر النظام القضائي القطري بمراحل عديدة إلى أن وصل إلى ما هو عليه اليوم، فالدولة قبل دستورها الأخير كانت تتبع نظاماً قضائياً معيناً، وقبل استقلالها في عام 1971 اتبعت نظاماً آخر.

وكما هو واضح من مسار هذا النظام القضائي، فإنه في تطور مستمر بمحاولة الوصول إلى النموذج الأفضل الذي يستوعب تطور الدولة.

وبدأ تطور النظام القضائي بقطر في عهد الشيخ أحمد بن علي آل ثاني، مع صدور قانون رقم (3) لسنة 1962 كأول قانون للعمل يراعي حقوق وواجبات العمال في الدولة، وثاني قانون عمل عربياً بعد مصر.

وهدفت قطر بعد استقلالها في عهد الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني عام 1971 إلى إنشاء نظام قضائي شامل يحدد بوضوح اختصاصات المحاكم وعمليات التقاضي والقوانين الإجرائية، مما يضمن أن يكون النظام القانوني شفافاً ومفهوماً للجميع، بما يتضمن أيضاً القوانين التي تحدد الإجراءات الجزائية والعقابية، للحفاظ على الحقوق والممتلكات.

كما شهد العام نفسه خطوة مهمة نُقلت فيها السلطة القضائية إلى المحاكم الوطنية واضعة بذلك نهاية للسلطة القضائية البريطانية في الدولة. حيث سن قانون رقم 13 لسنة 1971 المتعلق بنظام المحاكم العدلية أطراً تشريعية رئيسية، مثل القوانين المدنية والتجارية، وقوانين العقوبات، والقوانين الإجرائية، مما مهد إلى حقبة جديدة في التاريخ القانوني والقضائي لقطر بالتوازي مع تطورها السريع.

في عام 2004، صدر آخر دستور للبلاد وهو ما مهد الطريق أمام تأسيس النظام القضائي الجاري القائم على مبدأ درجات التقاضي الثلاث، وكان الهدف من ذلك دمج المحاكم العدلية والشرعية ومواكبة النظم القضائية السائدة في البلاد العربية ودول العالم، وقد تم تأسيس المجلس الأعلى للقضاء حينها، وهو الجهة التي تدير القضاء منذ ذلك اللحين وحتى اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى