جذب الاستثمارات الأجنبية.. سباق خليجي تدعمه بيئة محفّزة
“دول الخليج تبقى مستقطباً رئيسياً للاستثمارات الأجنبية، نظراً لبيئتها السياسية المستقرة، وقوانينها الاقتصادية الحديثة المتناغمة مع متطلبات الأسواق العالمية”.
يشهد سباق جذب الاستثمارات الخارجية في منطقة الخليج طفرة ملحوظة، إذ تتجه دول مجلس التعاون إلى تطوير بيئات استثمارية مشجعة تعزز من جاذبيتها على الساحة العالمية.
هذا التحول يأتي ضمن رؤية أوسع لتحقيق نمو اقتصادي متنوع ومستدام، بعيداً عن التقلبات في أسواق النفط، إذ يعتبر هذا السباق جزءًا من تطلعات أوسع تتبناها الدول الخليجية لتحقيق أهدافها التنموية بحلول 2030.
وأظهر مسح خاص أجرته قناة “CNBC” عربية، في سبتمبر الماضي، ارتفاع صافي الاستثمارات الأجنبية في بورصات الخليج بنسبة 219% على أساس سنوي لتصل إلى 6.3 مليارات دولار في الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي 2024.
جذب الاستثمارات الأجنبية
تسعى دول مجلس التعاون الخليجي، في إطار رؤى وخطط تنموية طويلة الأجل، إلى تحويل اقتصاداتها وتوسيع قاعدتها الإنتاجية بعيداً عن الاعتماد على النفط والغاز.
ولتحقيق هذا الهدف، تعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة من خلال مبادرات وإصلاحات متعددة تتعلق بالبنية التحتية والقوانين والحوافز المالية.
ففي السعودية، تهدف المملكة، تحقيقاً لرؤية 2030، إلى جذب استثمارات أجنبية بقيمة 100 مليار دولار سنوياً بحلول 2030.
وقد أطلقت عدة برامج لجذب المستثمرين، بما في ذلك تيسير الحصول على التراخيص وإصلاحات في قوانين الشركات لجذب مزيد من المشاريع الأجنبية.
ويتوقع أن تؤدي هذه الخطوات إلى مضاعفة حجم الاستثمارات الأجنبية بشكل كبير، مما يساهم في تنويع مصادر الدخل.
وأفاد تقرير صادر عن الهيئة العامة للإحصاء في السعودية، مؤخراً، بأن رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة بلغ 238.8 مليار دولار بنهاية عام 2023، مقارنة بـ210.56 مليارات دولار في عام 2022.
وذكرت الهيئة أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الداخلة وصلت إلى 25.5 مليار دولار خلال عام 2023، مسجلة انخفاضاً بنسبة 19% مقارنة بالعام السابق.
الأبرز خليجياً
تُعد الإمارات من أبرز الدول في المنطقة التي نجحت في استقطاب استثمارات ضخمة، حيث صُنفت ثانية عالمياً بعد الولايات المتحدة من حيث عدد مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الإماراتية (وام).
وفي تصريح للوكالة، أشار وكيل وزارة الاستثمار، محمد عبد الرحمن الهاوي، في 28 أكتوبر الماضي، إلى أن إجمالي تدفقات رؤوس الأموال الجديدة للاستثمار الأجنبي المباشر التأسيسي في عام 2023 بلغ 16 مليار دولار.
من جهته، أكد نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أن “الغايات الواضحة تقود إلى إنجازات عظيمة”، مشيداً بالقفزة الاستثنائية التي حققتها الإمارات في عام 2023، حيث شهدت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر زيادة ملحوظة بنسبة 35%، ليصل إجمالي التدفقات إلى نحو 30.7 مليار دولار.
وأكد خلال جلسته ضمن أعمال الاجتماعات السنوية لحكومة الإمارات 2024، التي عقدت في العاصمة أبوظبي، خلال يومي 5-6 نوفمبر الحالي، أن “الإمارات تمتلك مقومات جذب قوية للاستثمارات والشركات والأعمال والمواهب، وهدفنا مضاعفة تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة التراكمية لتبلغ 347.03 مليار دولار في عام 2031”.
تطور اقتصادي مستدام
تسعى قطر، من خلال رؤيتها الوطنية 2030، إلى تطوير بنية استثمارية متطورة لجذب الاستثمارات الأجنبية، وتشمل استراتيجيتها تقديم دعم للشركات الناشئة وتطوير المناطق الحرة.
وتهدف قطر إلى التركيز على قطاعات متنوعة مثل السياحة والتعليم، وذلك من أجل تحقيق تطور اقتصادي متوازن ومستدام.
واحتلت قطر المركز التاسع عالمياً في جذب الاستثمارات الأجنبية، والمركز الـ25 في تصنيف “أفضل دول العالم”، متقدمة مرتبة واحدة مقارنة بالعام الماضي، وفقاً لأحدث تصنيفات أصدرتها مؤسسة (US News & World Report).
وأشار تقرير نشره موقع (INVESTMENT MONITOR) إلى النمو الكبير في قطاع الاستثمارات الأجنبية في قطر، التي تصدرت قائمة الدول الأكثر جذباُ للمشاريع الأجنبية في عام 2023، وفقًا لبيانات (FDI Intelligence).
ووفقاً للتقرير، سجلت الاستثمارات الأجنبية في الدوحة زيادة بنسبة 70%؛ ما أسهم في جذب 23.7 مليار دولار أمريكي، وسط تزايد الاهتمام بالأسواق القطرية، التي استضافت لأول مرة كأس العالم لكرة القدم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ونقلت وكالة الانباء القطرية في فبراير الماضي عن مدير الاستراتيجية بوكالة ترويج الاستثمار في قطر، حمد راشد النعيمي، تأكيده بأن استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة للدولة 2024 – 2030، تشتمل على أهداف الاستراتيجية الطموحة التي تتمثل في النمو الاقتصادي المستدام والاستدامة البيئية.
كما أكد على أهداف الاستثمار الأجنبي المباشر، والدور المحوري لوكالة ترويج الاستثمار بتشكيل المشهد الاقتصادي في قطر، والتركيز على التنويع الاقتصادي والاستدامة والمسار نحو مستقبل مزدهر.
زيادة ملحوظة
وتهدف رؤية عُمان 2040 إلى زيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية بشكل كبير، وتعمل الحكومة على إصلاح السياسات الاقتصادية لتشجيع هذا الاستثمار.
وتقوم عُمان بتركيز جهودها على قطاعات الصناعات التحويلية، والتكنولوجيا، والسياحة، وتقديم حوافز ضريبية للمستثمرين في المناطق الاقتصادية الخاصة. وقد أسهمت الإصلاحات الأخيرة في تسهيل التراخيص وزيادة الشفافية بما يجعل السلطنة وجهة جذابة
وأوضحت وزارة التجارة والصناعة أن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عمان بلغت أكثر من 65 مليار دولار أمريكي حتى نهاية الربع الثالث من عام 2023، بزيادة قدرها 12.48 مليار دولار مقارنةً بالربع الثالث من عام 2022.
وقد استقطب قطاع الصناعة التحويلية استثمارات بلغت 3.64 مليارات دولار، كما نجح في جذب 35 مشروعاً صناعياً بحجم استثمارات يتجاوز 2.08 مليار دولار في عدة أنشطة صناعية بمختلف المناطق الصناعية والحرة.
ازدهار بدعم حكومي
ومع تطلع الكويت إلى تعزيز بيئتها الاستثمارية وفقاً لرؤية 2035، تم وضع استراتيجيات لتحفيز الاستثمارات الأجنبية في مختلف القطاعات الحيوية، مثل تكنولوجيا المعلومات والخدمات اللوجستية والطاقة النظيفة، حيث تعتبر الدولة تطوير البنية التحتية من أبرز أولوياتها، وتوفر الحكومة حوافز مالية وضريبية لجذب المشاريع الكبرى.
وأظهرت البيانات الرسمية التي اطلعت عليها صحيفة “الأنباء” الكويتية أن الكويت شهدت نمواً ملحوظاً في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال عام 2023، حيث ارتفعت تدفقاته بنسبة 180%، لتصل إلى 2.11 مليار دولار، مقارنةً بـ757 مليون دولار في العام 2022.
وخلال السنوات الثلاث التي تلت جائحة كورونا، استقطبت الكويت استثمارات أجنبية بلغت قيمتها نحو 11.10 مليار دولار، وفقاً لبيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد”، ليصل الإجمالي بنهاية الربع الأول من 2024 إلى 16.5 مليار دولار.
مناخ استثماري جاذب
تسعى البحرين، من خلال رؤية المملكة 2030، إلى تهيئة مناخ استثماري جاذب وتحسين بنيتها القانونية والتقنية لاستقطاب استثمارات أجنبية في قطاعات مثل الخدمات المالية، التكنولوجيا، والسياحة.
وتعمل الحكومة البحرينية على تبسيط إجراءات التراخيص وإلغاء القيود المفروضة على الملكية الأجنبية لتعزيز مكانتها كمركز مالي مهم في المنطقة.
وشهدت البحرين تدفقاً غير مسبوق للاستثمارات الأجنبية المباشرة في عام 2023، حيث بلغت قيمتها 6.8 مليارات دولار، مسجلة زيادة بنسبة 148% مقارنة بالعام 2022، وفقاً لتقرير الاستثمار العالمي 2024 الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد).
هذا النمو الكبير ساهم في زيادة الأرصدة التراكمية للاستثمارات الأجنبية المباشرة في البحرين، التي ارتفعت من 36.2 مليار دولار في 2022 إلى 43.1 مليار دولار في 2023.
وبنهاية العام الماضي، اقترب حجم هذه الأرصدة من 99.7% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة من بين الأعلى عالمياً، متفوقة على المتوسط العالمي الذي يبلغ 46.9%.
مستقبل مشرق
ويقول الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحيم الهور، إن منطقة الخليج أصبحت منطقة جذب استثمارات مهمة ومكملة للعالم، بسبب توفر البنى التحتية كقطاع البنوك والمؤسسات المالية والبنى المتعلقة بالتجارة العالمية من مطارات وموانئ، فضلاً عن التشريعات والقوانين التي تجذب الاستثمار.
وفي حديثه مع “الخليج أونلاين”، يشير إلى تعامل دول الخليج مع الأزمات المالية العالمية السابقة، “حيث كانت من المناطق التي استوعبت هذه الازمات، وبالتالي أعطت انطباعاً ورؤية خبرة بأنها تستطيع التعامل مع الهزات المالية أو الأزمات الاقتصادية العالمية المستقبلية”.
وأوضح أن العالم أصبح أقرب قرية تجارية واحدة، فالجميع يحتاج إلى التعاون مع الجميع، ودول الخليج منطقة مهمة جغرافياً، فضلاً عن توفر مصادر الطاقة فيها، ودورها في التصدير إلى دول آسيا وأوروبا وغيرها من الدول.
ولفت الهور إلى أن العالم يعيش فترات صعبة خلال العقد الأخير من الزمن، في ظل تصاعد التوترات والحروب، لكن تبقى المنطقة الخليجية من أكبر المناطق عالمياً استقطاباً للاستثمارات.
بدوره، يرى الخبير الاقتصادي عبدالرحمن نجم المشهداني، أن دول الخليج ستبقى مستقطباً رئيسياً للاستثمارات الأجنبية، نظراً لبيئتها السياسية المستقرة، وقوانينها الاقتصادية الحديثة المتناغمة مع متطلبات الأسواق العالمية.
ويضيف المشهداني لـ”الخليج أونلاين” أن تصنيفات الائتمان العالمية تعطي دول الخليج تصنيفات متقدمة عالية الضمان وعالية الجودة، مما يحفز المستثمرين للتوجه للاستثمار في أسواقها.
ويبيّن أن سياسات دول الخليج الاقتصادية والانفتاح نحو اقتصاد السوق سهل لهم الضمانات والتواصل مع الاقتصاد العالمي، “إذ أصبحوا اليوم دولاً مؤثرة ضمن الاقتصاد العالمي، سواء في المنطقة أو صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وباقي المؤسسات الدولية الأخرى”.
ويشير إلى أن “هذه السياسات الاقتصادية مبنية على أساس الانفتاح الاقتصادي على العالم وتطبيق معايير اقتصاد السوق، وذلك بتوجيه من المؤسسات الدولية، ويعود إلى طبيعة نهج النظام السياسي في دول الخليج”.
وحول مستقبل الاستثمار الأجنبي الخليجي، يعتقد المشهداني أنه “بفضل نهجها ستبقى وجهة أساسية ورئيسية للاستثمارات من مختلف دول العالم”، لافتاً إلى أنه رغم التقلبات التي يشهدها الاقتصاد العالمي، لكن دول الخليج بقت مستقرة وثابتة سياسياً اقتصادياً أمنياً