الاخبار

تطبيع سعودي بدون دولة فلسطينية.. حلم ترامب المستحيل

لم تُظهر الرياض أي مواقف جديدة توحي بتخليها عن شرط إقامة دولة فلسطينية لتطبيع العلاقات مع “إسرائيل”.

عقب أداء دونالد ترامب القسم رئيساً للولايات المتحدة لولاية ثانية، تجدد النقاش بشأن تطبيع السعودية علاقاتها مع “إسرائيل”، حيث لم يخف الرئيس الأمريكي عزمه إقناع المملكة على عقد اتفاق تطبيع انطلاقاً من نجاحه في إبرام “الاتفاقيات الإبراهيمية” عام 2020، والتي انضمت إليها دولتان خليجيتان هما الإمارات والبحرين.

ولعل أبرز بنود المناقشات بشأن التطبيع تشمل اتفاقية دفاع أمريكية سعودية، ومساعدة للبرنامج النووي المدني السعودي، مقابل مقترح أمريكي باتخاذ “إسرائيل” خطوات لتحسين ظروف الفلسطينيين.

في المقابل لم تُظهر الرياض أي مواقف جديدة توحي بتخليها عن شرط إقامة دولة فلسطينية لتطبيع العلاقات مع “إسرائيل” وفق ما تنص عليه المبادرة السعودية التي تبنتها القمة العربية عام 2002، وقد ذهبت المملكة مؤخراً بعيداً في قيادة تحالف دولي داعم لحل الدولتين من أجل تحصين أوراقها، حتى في ظل ولاية ترامب، فهل يضغط للحصول على “تطبيع مجاني” بدون دولة فلسطينية؟

زيارة مبعوث ترامب

بالتزامن مع وقف إطلاق النار في غزة، ووصول ترامب إلى السلطة، زار السعودية ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط، (28 يناير 2025)، حيث التقى بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، قبل أن يتوجه، اليوم التالي، إلى “إسرائيل”، في إطار بحث “التنفيذ الصحيح” لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

وبذلك يكون ويتكوف هو أول مسؤول أمريكي رفيع يزور المملكة العربية السعودية منذ تنصيب الرئيس ترامب رسمياً في الـ20 من الشهر ذاته.

وفي الـ22 من ذات الشهر، أبدى ويتكوف تفاؤله بأن اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة يمكن أن يمثل “خطوة أولى” نحو تعزيز التطبيع مع “إسرائيل”، معرباً عن اعتقاده بأن جميع دول المنطقة قد تنخرط بهذه العملية.

لكن تعليقات ترامب التي دعا فيها إلى “تطهير” غزة ونقل الفلسطينيين إلى مصر والأردن أثارت أيضاً قلق العديد من الحكومات في المنطقة، والتي جاءت بعد أقل من أسبوع من توليه منصبه.

كما ألمح ترامب، في عدة تصريحات عقب توليه السلطة، إلى أن المملكة العربية السعودية ستطبع مع “إسرائيل” من خلال الاتفاقيات الإبراهيمية.

رفض سعودي مستمر

وظلت القيادة السعودية تبعث رسائل، على مدى العامين الماضيين، تشير فيها إلى عدم رفضها التطبيع مع “إسرائيل” من حيث المبدأ، ولكن بشروط واضحة ومن بينهما إقامة دولة فلسطينية.

وهذا الشرط جدده السفير السعودي لدى بريطانيا، الأمير خالد بن بندر، الذي قال إن المملكة لن تُطبّع مع “إسرائيل” أو تنضم إلى “اتفاقيات ترامب للسلام” دون حل القضية الفلسطينية من خلال إقامة دولة فلسطين.

وقال السفير السعودي، في حوار مع إذاعة “تايمز راديو” البريطانية (27 يناير 2025): إن “السعودية بلد يتفاعل مع الجميع”، لافتاً إلى أن التفاعل هو السبيل لتحقيق التقدم للأمام، مؤكداً: “لدينا خطوط حمراء بالنسبة للسعودية، لإنهاء 75 عاماً من الألم والمعاناة الناتجة من مشكلة واحدة، يجب أن يشمل ذلك إقامة دولة فلسطينية”.

وشدد على أن الحل الوحيد هو إقامة دولة فلسطينية، مضيفاً: “السعودية لا تتحدث كثيراً، ولكنها عندما تتحدث فهي تعني ما تقول، لن نُطبّع مع إسرائيل أو ننضمّ إلى اتفاقيات (الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب للسلام دون حل للقضية الفلسطينية، والحل هو الدولة الفلسطينية”.

وتأتي تصريحات السفير السعودي لدى بريطانيا لتؤكد موقف المملكة الثابت من القضية الفلسطينية، إذ تتبنى الرياض بقوة خيار حل الدولتين، وتحشد المجتمع الدولي لدعم هذا الخيار، كحل نهائي للصراع العربي مع “إسرائيل”.

حالة مفاوضات التطبيع

وشهدت مفاوضات التطبيع غير المباشرة بين “إسرائيل” والسعودية، والتي ترعاها الولايات المتحدة، حالة من الجمود، مع بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر 2023.

وتقف حكومة الاحتلال حجر عثرة أمام أي تقارب ممكن، لكون الرياض أظهرت موافقتها على التطبيع مقابل اشتراط رئيسي بالاعتراف بدولة فلسطين على حدود عام 1967، وهو ما تعارضه “إسرائيل” مع توسع مستوطناتها في عدة مناطق بالأراضي المحتلة.

ولم يكن اشتراط السعودية إقامة دولة فلسطين حديث اليوم، بل كان من سنوات طويلة، وعادت لإحيائه مجدداً، حيث طرح العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز مبادرة عربية للسلام وأقرتها قمة الجامعة العربية في بيروت عام 2002.

وتشمل بنود المبادرة إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، بالإضافة لانسحاب “إسرائيل” من كل الأراضي العربية المحتلة بذلك العام.

كما شملت البنود انسحاب “إسرائيل” من جنوب لبنان ومن الجولان السوري، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين، في مقابل أن تعترف الدول العربية بـ”إسرائيل” وتطبّع العلاقات معها، وتم دعوة المجتمع الدولي إلى دعم هذه المبادرة.

لكن المجتمع الدولي حالياً لا يركز على هذه المبادرة بحد ذاتها بقدر ما يبحث على حل الدولتين بصيغة مختلفة، والذي قد يشمل تغيراً كبيراً في الاتفاقات السابقة خصوصاً بعد التوسع الإسرائيلي بالمستوطنات، وصولاً إلى الحالة التي تمر بها غزة، والتي تعد أكبر تحدٍّ للمجتمع الدولي في الوصول لأي اتفاق قادم، وسط تصاعد المتطرفين في حكومة الاحتلال الإسرائيلي ورفضهم إقامة أي دولة فلسطينية. 

تحديات أمام اتفاقيات التطبيع

حول مساعي ترامب لعقد اتفاقيات جديدة مع “إسرائيل” تضم السعودية، يرى الكاتب والمحلل السياسي حسام شاكر أن ذلك يمثل “جائزة” يقدمها لـ”إسرائيل” مقابل مكاسب معينة.

وفيما يتعلق بموقف السعودية من التطبيع، يوضح شاكر، الذي تحدث لـ”الخليج أونلاين”، أن الرياض التي تشترط قيام دولة فلسطينية لإبرام أي اتفاق تطبيع، تدرك صعوبة الإقدام على هذه الخطوة بسبب عدة عوامل.

وأضاف أن هذه العوامل تشمل الغضب الشعبي العربي الذي ازداد منذ 7 أكتوبر 2023، وحرب الإبادة التي شهدتها غزة، ومطالبة العدالة الدولية بمحاسبة قادة الاحتلال ومن ضمنهم نتنياهو.

وبناء عليه؛ يرى شاكر أن السعودية “غير متحمسة حالياً للتطبيع، لكنها قد تضع اشتراطات للتعاون مع الإملاءات الأمريكية”.

صعوبات عديدة تواجه الحكومات العربية والإسلامية التي قد تقتنع بالتطبيع حالياً، بحسب ما يقول شاكر، مبيناً أن هذه الصعوبات تتمثل في “ضغوط شعبية كبيرة بعد جرائم الحرب الإسرائيلية”.

وتتمثل أيضاً بأن “ظهور قادة عرب مع مسؤولين إسرائيليين، خاصة المطلوبين للعدالة الدولية، أصبح محرجاً سياسياً، بالإضافة إلى أن استمرار العدوان الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية يزيد من تعقيد مسار التطبيع”، على حدّ قول المحلل السياسي.

لا ينفي شاكر إمكانية استدراج دول أخرى للتطبيع، لكنه لا يعتقد أن يكون سهلاً، مبيناً أن أي اتفاق تطبيع في هذه الظروف سيكون بمثابة “إملاءات ما بعد الحرب” وليس اتفاقاً طبيعياً.

واحدة من أبرز الصعوبات التي تقف أمام أي تطبيع جديد هو “وجود حكومة إسرائيلية متطرفة”، يقول شاكر، الذي يرى أن إنهاء الحروب والتصعيد العسكري ضروري لتمرير اتفاقيات التطبيع.

ويؤكد، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن استمرار الحرب في غزة، والتصعيد في الضفة الغربية، والتوتر مع لبنان، عوامل تعرقل أي اتفاقات جديدة.

يلفت المحلل السياسي إلى أن اتفاقيات التطبيع السابقة مع الإمارات والبحرين والمغرب “فقدت حيويتها”؛ وذلك بسبب دخول موجة الحرب والتصعيد في المنطقة، مضيفاً أن من التحديات الإضافية المطروحة رغبة إدارة ترامب في طرد سكان غزة، وهذا- بحسب شاكر- “يزيد من تعقيد إتمام أي اتفاق تطبيع”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى