انتكاسات متتالية.. ضربة تلقاها التمدد الإيراني خلال 2024
ما أبرز انتكاسات إيران في 2024؟
سقوط نظام الأسد واغتيال زعيم حزب الله اللبناني.
ما التحدي الإيراني في اليمن؟
تقارب الحوثيين وروسيا.
يواجه النفوذ الإيراني تحديات متزايدة في الآونة الأخيرة، مما أدى إلى تراجع ملحوظ في التمدد والسيطرة والتأثير على أذرع طهران في الساحة الإقليمية.
وتبنت إيران منذ قيام “الثورة الإسلامية” عام 1979، استراتيجية تهدف إلى تعزيز حضورها الإقليمي من خلال دعم مجموعات وحركات مسلحة في دول مثل لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن.
وتسعى هذه السياسة، التي أطلق عليها البعض “الهلال الشيعي”، إلى إنشاء محور نفوذ يمتد من طهران إلى البحر الأبيض المتوسط، أسمته “محور المقاومة”.
تراجع التمدد الإيراني
شهد نفوذ طهران في المنطقة سلسلة من الانتكاسات خلال عام 2024، والتي أثرت بشكل كبير على مساعيها لتوسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط.
وكان استهداف “إسرائيل” للهيكل القيادي للحرس الثوري الإيراني في سوريا بعملية اغتيال الجنرال زاهدي وعدد من أعضاء فريقه داخل مبنى تابع للقنصلية الإيرانية في أبريل الماضي بدمشق قد ترك أثراً كبيراً على استقرار القوة هناك.
كما نفذت “إسرائيل” في 26 أكتوبر الماضي، هجوماً جوياً استمر قرابة أربع ساعات يُعتقد أنه ألحق ضرراً كبيراً بمنظومات الدفاع الجوي الإيراني، مما زاد الضغط على إيران.
ومع تفاقم التهديدات الإسرائيلية وتكبد “حزب الله” خسائر تاريخية غير مسبوقة، وافقت طهران على هدنة فصلت بين جبهتي لبنان وغزة، مما اعتبر قبولاً بتكلفة المواجهة المرتفعة.
أدت عمليات الاغتيال المكثفة إلى استهداف معظم القيادات العليا في “حزب الله”، بما فيهم الأمين العام حسن نصر الله، الذي كان شخصية محورية في “محور المقاومة” لنفوذه وتأثيره الواسع على الحركات العراقية والحوثيين.
هذا الوضع أسفر عن إضعاف القدرات العسكرية لـ”حزب الله” وكشف محدودية إمكانياته في مواجهة شاملة مع “إسرائيل”، مما أثار دعوات متزايدة داخل لبنان لنزع سلاح الحزب ودمج مقاتليه في الجيش اللبناني، بالإضافة إلى تفكيك منشآت تصنيع الأسلحة وتشديد الرقابة على تمويله، وتحويله إلى كيان سياسي واجتماعي بحت.
وتقدمت عملية تفكيك “محور المقاومة” بخطى متسارعة، حيث تلقت المليشيات الموالية لإيران سلسلة من الضربات النوعية، تكبد خلالها “حزب الله” خسائر فادحة، عندما شنت “إسرائيل” غارات مكثفة على مواقع ومستودعات الأسلحة التابعة لهذه المليشيات في سوريا.
هذه الهجمات وفرت فرصة سانحة لفصائل الثورة السورية، التي تمكنت من شنّ هجوم واسع النطاق أفضى إلى إسقاط نظام بشار الأسد خلال 12 يوماً.
هذا التطور لم يؤثر فقط على الوجود الإيراني في سوريا، بل ألقى بظلاله على علاقاتها مع حلفائها الآخرين، مثل “حزب الله” في لبنان، الذي يعتمد بشكل كبير على الدعم اللوجستي والمالي الإيراني عبر الأراضي السورية.
ومع خسارة سوريا، تتراجع إيران إلى نطاقها الداخلي، لتبقى قوة إقليمية لكنها تفقد جزءاً كبيراً من نفوذها الإمبراطوري، فيما حدّ حرمانها من الممر السوري من قدرتها على دعم حزب الله ومليشياتها في العراق واليمن.
وتتزامن هذه الخسائر مع تهديدات أمريكية، أبرزها استهداف المنشآت النووية الإيرانية، فيما قد تؤدي محاولات إشغال النظام بمشاكل داخلية إلى تغييره، والذي عبّر عنه مهدي طائب، رئيس مقر “عمار” للحرس الثوري في 2013، حين قال: “إن فقدنا سوريا، لن نحتفظ بطهران”.
ويرى الخبير في الشأن الإيراني سينا آزودي خلال حديثه مع صحيفة “واشنطن بوست”، أن “حزب الله هو أكثر المليشيات نجاحاً التي أنشأتها إيران، وتدهور وضع الحزب يجعل إيران أكثر عرضة للخطر؛ لأنه يمنح إسرائيل مزيداً من حرية الحركة في المنطقة”.
وفي اليمن، يشهد النفوذ الإيراني تحديات جديدة، مع دخول روسيا على خط التحالفات، كما حدث سابقاً في سوريا، حيث تسعى إلى تأمين مصالح استراتيجية في البحر الأحمر، واستثمار دور الحوثيين في تهديد حركة الملاحة الدولية.
ويمنح تطور العلاقات بين موسكو والحوثيين هامش استقلال أكبر لصنعاء عن طهران، مما يخلق علاقة جديدة أكثر مرونة، تُحافظ على ارتباط الحوثيين بإيران دون أن تكون تحت السيطرة الكاملة لها، ويمثل هذا التحول تحدياً جديداً في استراتيجية إيران تجاه حلفائها.
كما لا يتوقف الأمر هنا في اليمن، حيث تستعد “إسرائيل” لشن ضربة لجماعة الحوثي؛ رداً على الصواريخ التي تطلقها باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي تقول تل أبيب إنها تتصدى لها، فيما يسقط عدد آخر منها.
تأثر ميزان القوى
ويتحدث الدكتور عبد الرزاق خلف محمد، رئيس قسم السياسات العامة في مركز الدراسات الإقليمية بجامعة الموصل، عن أبرز العوامل التي ساهمت في تراجع نفوذ طهران، والتي تتمثل بالضربات التي تلقاها “حزب الله”.
ويضيف لـ”الخليج أونلاين” أن “انصياع الحزب للشروط الإسرائيلية والذي كشف زيف وحدة الساحات، خاصة بعد حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة من جهة، وعدم فاعلية الرد الإيراني وخسارته النظام السوري الحليف الاستراتيجي من جهة أخرى، ساهم بتراجع النفوذ الإيراني”.
وأوضح محمد أن ميزان القوى في منطقة الشرق الأوسط “توزع بين تركيا وقطر من جهة، والسعودية والامارات والولايات المتحدة من جهة ثانية، والكيان الصهيوني وواشنطن من جهة ثالثة”.
ويشير إلى أن روسيا وإيران والنظام السوري إلى جانب “حزب الله” في لبنان، كانوا يمثلون المحور الرابع في ميزان القوى بمنطقة الشرق الأوسط.
كما لفت محمد إلى أن “سقوط نظام الأسد، وتدمير قوة حزب الله، وانسحاب المليشيات الإيرانية من سوريا، أدرى إلى تراجع دور إيران، مما ساهم في تقوية المحور التركي في المنطقة لاسيما على الساحة السورية”.
بنية ضعيفة
في ظل التطورات المتسارعة، تعاني مؤسسات صنع القرار في إيران من تباطؤ واضح في التكيف مع المتغيرات الإقليمية والدولية.
ويُعزى ذلك إلى المركزية الشديدة في نظام القيادة، حيث يبلغ المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي من العمر 85 عاماً، ويشغل منصبه منذ عام 1989.
كما أن اعتماده على إدارة التفاصيل الدقيقة يُضعف قدرة المؤسسات الأخرى على اتخاذ قرارات مستقلة وسريعة، مما يعطل استجابة النظام للأحداث المتسارعة.
ويعاني النظام الإيراني من فراغ قيادي كبير أثّر بشكل مباشر على فاعلية القرارات الإيرانية، خاصة بعد فقدان القادة الاستراتيجيين مثل الجنرال قاسم سليماني، الذي يوصف بأنه كان “مهندس محور المقاومة”، وحسن نصر الله، القائد الكاريزمي الذي قاد “حزب الله” لعقود.
استغلت “إسرائيل” والولايات المتحدة الوضع الذي تمر به إيران باعتباره فرصة لزيادة الضغط عبر ضربات استراتيجية، في حين تُحجِم طهران عن مواجهة مباشرة خشية اندلاع حرب شاملة.
ومع عودة دونالد ترامب إلى السلطة وإعادة فرض سياسة الضغط القصوى، تواجه القيادة الإيرانية خيارات صعبة، أبرزها السعي لتطوير سلاح نووي كخيار ردع، وهو ما تعيقه الاختراقات الأمنية الأمريكية والإسرائيلية، إضافة إلى احتمالية توجيه ضربة استباقية مدمرة، فضلاً عن التراجع المؤقت والانكماش مع التركيز على إعادة بناء المحور عندما تتوفر ظروف إقليمية ودولية مناسبة.
ويتحدث محللون عن احتمالية دخول طهران في تفاهمات مع واشنطن وفق شروط تلبي المخاوف الإسرائيلية، ورغم صعوبة هذا الخيار سياسياً، فقد يراه البعض الحل الأقل كلفة لإيران.