الاخبار

العمال الكردستاني يطوي صفحة السلاح.. تحول منتظر في تركيا والإقليم

ما دلالة قرار “العمال الكردستاني” بحل نفسه؟

يمثل تحولاً جذرياً نحو العمل السياسي ونهاية لعقود من العمل المسلح.

ما مصير قيادات “العمال الكردستاني”؟

تستعد تركيا لترحيل 50 قيادياً إلى دول ثالثة لمنع إعادة تمركزهم في المنطقة.

أثار إعلان حزب العمال الكردستاني حلّ نفسه والتخلي عن العمل المسلح، اهتماماً واسعاً في الأوساط السياسية والأمنية، بوصفه تحولاً نادراً في مسار أحد أطول النزاعات المسلحة في الشرق الأوسط.

ومع أن القرار لم يكن مفاجئاً تماماً، فإن توقيته وتفاصيله فتحا الباب لتساؤلات حول ما إذا كانت هذه الخطوة تمهّد فعلاً لسلام دائم، أم تُخفي ترتيبات جديدة في المشهد الإقليمي المعقّد.

القرار وحيثياته

ويوصف إعلان حزب العمال الكردستاني، بالخطوة التاريخية كونها تأتي بعد صراع دموي استمر لأكثر من أربعة عقود.

وبحسب البيان الذي نشرته وكالة “فرات” للأنباء المقرّبة من التنظيم المسلح، في 12 مايو الجاري، فإن هذا القرار جاء عقب اجتماع قيادي للحزب استمر من 5 إلى 7 مايو، وشمل مراجعة شاملة لمسيرة الحزب ودوره في الدفاع عن القضية الكردية.

وأكد الحزب أن هذا التحوّل هو انتقال نحو النضال السياسي الديمقراطي، وأنّ حلّ البنية التنظيمية للحزب سيتم تحت إشراف قائده عبد الله أوجلان، في إطار رؤية للسلام والتعايش، داعياً إلى ضبط العلاقات التركية الكردية من جديد، على أسس جديدة تتجاوز مرحلة الصراع.

وكان الزعيم الكردي أوجلان قد دعا في إعلان تاريخي صدر من إسطنبول، في 27 فبراير الماضي، إلى حل حزب العمال الكردستاني الذي يترأسه، وإلقاء سلاحه.

ترحيب تركي

لاقى قرار حلّ حزب العمال صدى واسعاً، حيث اعتبرته الحكومة التركية بأنه تطور بالغ الأهمية يمهد لما وصفته بـ”تركيا خالية من الإرهاب”.

واعتبر المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية عمر تشليك، بمنشور له على منصة “إكس”، في 12 مايو، هذه الخطوة نقطة تحول حاسمة نحو تعزيز الديمقراطية والاستقرار السياسي.

ونقلت وكالة “الأناضول” عن تشليك تأكيده بأن الحكومة التركية ستتابع تنفيذ القرار ميدانياً، وستعرض مراحله تباعاً على الرئيس رجب طيب أردوغان، مشدداً على ضرورة أن يتم التنفيذ على أرض الواقع بكل أبعاده، لضمان إغلاق جميع الامتدادات والهياكل غير القانونية التابعة للحزب.

وكان أردوغان قد صرّح مؤخراً بأن “العمال الكردستاني سيُحلّ عاجلاً أو آجلاً”، معرباً عن ثقته بأن مرحلة الإرهاب قد انتهت، وأن الجمهورية التركية تدخل مرحلة جديدة تؤسّس لمئويتها الثانية بإنجاز تاريخي على هذا الصعيد.

كما عبّرت عدة أطراف سياسية كردية عن أملها في أن يفتح هذا التحوّل الباب أمام إطلاق سراح أوجلان، وإحياء مسار السلام الذي تعثّر لسنوات.

تغيرات جذرية

ويرى الخبير الاستراتيجي صفاء الأعسم أن قرار حزب العمال الكردستاني بالتخلي الكامل عن السلاح يبدو جدياً، ويعزوه إلى قلة الدعم وتغير الظروف الإقليمية، خاصة بعد التطورات في سوريا وتزايد التوغل التركي في العراق.

ويضيف لـ”الخليج أونلاين” أن تركيا هي المستفيد الأول من هذا القرار، متوقعاً أن يؤدي إلى تفكك الحزب وعودة عناصره إلى مناطقهم، لكنه يثير مشكلة تتعلق بعودة الأجانب العاملين في صفوفه.

وفيما يتعلق بالتأثير الأمني على شمال العراق وسوريا، يتوقع الأعسم استمرار رفض تركيا لتواجد “العمال الكردستاني” على الحدود، التي يسيطر عليها الحزب على امتداد 30-40 كيلومتراً من تركيا إلى إيران.

ويرى أن إعادة تموضع عناصر التنظيم قد يخلق مشكلة مستقبلية، لعدم وجود قبول من إقليم كردستان لإسكانهم داخله، وصعوبة نقلهم إلى مناطق أخرى في العراق لكونهم من القومية الكردية.

وأشار الأعسم إلى أن “التغييرات الجارية في المنطقة تهدف إلى إنهاء العمليات القتالية لعدة أطراف، بما في ذلك قوات سوريا الديمقراطية وتنظيم داعش والقوات السورية وحركات المعارضة الأخرى”.

ويتوقع هدوءاً نسبياً في المنطقة على المدى القريب إذا كان هناك التزاماً وتجاوباً حقيقياً من الأطراف المعنية، خاصة فيما يتعلق بإنهاء وجود “داعش”، الذي يرى أنه ملف معقد بسبب وجود آلاف العناصر في معسكرات “قوات سوريا الديمقراطية”.

وأضاف أن “عودة عناصر داعش العراقيين وعناصر العمال الكردستاني المتواجدين على الحدود إلى العراق قد يخلق مشكلة أخرى تتعلق بتأهيلهم ودمجهم في المجتمع، وهو ما قد يستغرق أكثر من عام”.

ويختتم الأعسم بالإشارة إلى أن قرار أوجلان الأخير قد يؤدي إلى إنهاء ملف السلاح لدى حزب العمال بشكل كامل خلال عام 2025، “لكن تظل قضية نقل وتجميع عناصره هي التحدي الأكبر”.

مرحلة جديدة

بدوره يرى الكاتب والصحفي أثير الشرع، أن قرار الحزب بحل نفسه، بعد عشرات السنين من المواجهات التي خلفت نحو 40 ألف قتيل، يمثل نهاية لمرحلة صراع طويلة وقاسية على الطرفين.

ويضيف في حديث لـ”الخليج أونلاين” أن النوايا الحقيقية تتجه نحو إنهاء الصراع وبدء علاقة جديدة قد تفضي إلى اندماج التنظيم في الحكومة والمشاركة في الانتخابات.

ويشير الشرع إلى أن الحزب، كما يرى بعض قادته، “قد أنجز مهمته التاريخية وأوصل القضية الكردية إلى نقطة الحل عبر المسار السياسي الديمقراطي”.

ويرى الكاتب العراقي أن حل العمال الكردستاني سينعكس إيجاباً على الأوضاع في شمال العراق وشمال شرق سوريا.

وأردف: “في العراق، آن الأوان لإنهاء تواجد وحدات الجيش التركي المتوغلة داخل الأراضي العراقية بحجة الدفاع عن أمنها القومي ومحاربة مقاتلي الحزب، مطالباً بغداد بتباحث الأمر مع أنقرة”.

ويعتقد الشرع أن “تركيا لن تستجيب بسهولة لمطالب إنهاء تواجدها العسكري في العراق حتى تتأكد من نوايا ومصداقية حزب العمال وإغلاق معسكراته في سنجار العراقية”.

تحركات أمنية وسياسية

أحدث إعلان العمال الكردستاني حلّ نفسه وتخليه عن السلاح تحركات أمنية وسياسية متسارعة، تعكس حجم التحول المنتظر في المشهدين التركي والإقليمي.

ونقل مركز الإمارات للبحوث الاستراتيجية بتقرير نشره في 12 مايو الجاري، عن مصادر إعلامية مقربة من دوائر القرار في أنقرة، بأن تركيا بدأت ترتيبات استخبارية وأمنية مع عدد من دول الجوار، لضمان تنفيذ عملية تسليم السلاح بشكل كامل، وإخلاء المناطق الريفية التي كانت تشكّل قواعد ارتكاز لقيادات الحزب.

في هذا السياق، وضعت أنقرة قائمة تشمل نحو 50 من كبار قيادات الحزب، تمهيداً لترحيلهم إلى دول ثالثة في مجموعات صغيرة، مع إبقاء من لا يمكن ترحيله ضمن مناطق مراقبة داخل العراق.

وتهدف هذه الخطوة إلى منع إعادة تجمّع تلك القيادات، وقطع الطريق على انتقالهم إلى شمال شرقي سوريا والانضمام إلى قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.

ورجّح المركز أن تسهم التحولات الجارية في إغلاق صفحة من العنف والصراع المسلح، ما قد يمهد لاستقرار أمني أوسع في تركيا.

ويأمل المراقبون في أن يكون لنجاح تنفيذ هذه الترتيبات دوراً حاسماً في تحقيق استقرار طويل الأمد، وتجنيب المنطقة موجات جديدة من التصعيد.

ومن المتوقع أن يبدأ الحزب قريباً تحركات برلمانية لبحث آليات إعادة دمج الكوادر والعناصر الكردية في الحياة السياسية والمدنية، في خطوة من شأنها تعزيز المشاركة الكردية في الحياة العامة.

يُنتظر أن تؤدي هذه الخطوة إلى تهدئة الجبهة الجنوبية الشرقية من تركيا، التي شهدت لعقود توتراً مستمراً وأعمال عنف، الأمر الذي قد يُمهّد لمرحلة جديدة من الاستقرار والتنمية، في تلك المناطق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى