“الحليف الكفو”.. تعاون قطري سوري يعيد الأمل لاقتصاد الشام

خبير العلاقات الدولية د. أحمد الكواري: الانفتاح السوري على المجتمع الدولي يعزز فرص التعاون مع قطر والخليج.
رجل الأعمال القطري سعد الدباغ: إرادة قطرية سورية مشتركة لتذليل العقبات أمام الاستثمارات القطرية.
القائم بأعمال سفارة سورية بالدوحة : الدعم القطري يعزز آفاق التنمية المستدامة في سوريا.
في خروج لافت عن اللغة الدبلوماسية التقليدية، لخص وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني علاقات بلاده مع دولة قطر بعبارة “الحليف الكفو”، في إشارة واضحة إلى عمق الروابط الثنائية والدور القطري المميز في دعم تطلعات الشعب السوري على مدى أكثر من 14 عاماً.
وشكلت الزيارة الثالثة لوزير الخارجية السوري إلى الدوحة يوم 3 يونيو 2025، منعطفاً دبلوماسياً واقتصادياً بارزاً، عكس توجهاً مشتركاً بين البلدين نحو تعزيز التنسيق الثنائي وتوسيع آفاق التعاون.
ويبدو أن هذه الزيارة تمهّد لتأسيس علاقة استراتيجية تقوم على ثلاثة مرتكزات رئيسية: الاستقرار، التنمية، والشراكة المتوازنة.
وتناولت الزيارة عدداً من القضايا البارزة في إطار دعم جهود بناء الدولة السورية، لكن الملف الاقتصادي تصدر جدول المحادثات، فقد تم الاتفاق على متابعة توريد الغاز القطري إلى سوريا عبر الأردن.
إلى جانب ذلك جرى التفاهم على تعزيز التعاون في قطاعي النفط والغاز، وإعادة تفعيل “الشركة القطرية السورية القابضة”، والإعلان عن زيارة وفد اقتصادي قطري دمشق.
ومن أبرز القضايا التي تم التفاهم عليها خلال الزيارة، بدء البنوك القطرية بتقديم خدمات المراسلة المالية لصالح البنوك السورية بالريال القطري، في خطوة تهدف إلى ربط النظام المصرفي السوري تدريجيا بالمنظومة المالية العالمية.
وتساهم هذه الخطوة في تسهيل المعاملات التجارية بين قطر وسوريا، وفتح آفاق أوسع للتجارة مع الأسواق الإقليمية والدولية.
ورغم من الأجواء الإيجابية التي رافقت زيارة وزير الخارجية السوري إلى الدوحة، ما تزال هناك تحديات القائمة، أبرزها الوضع الأمني غير المستقر في بعض المناطق السورية، وغياب منظومة قانونية متكاملة تشجع الاستثمار الأجنبي.
مع ذلك، وفرت الزيارة فرصة لبحث مجالات واعدة للتعاون، لا سيما في قطاعات الطاقة، الصحة، السياحة، القطاع المصرفي.
مرحلة مفصلية
الدكتور بلال تركية القائم بالأعمال لدى السفارة السورية بالدوحة أكد في تصريحات صحيفة أن الزيارة تكتسب أهمية خاصة في توقيتها ومضمونها، إذ تأتي في ظل مرحلة مفصلية تشهدها سوريا، مع بدء عملية إعادة البناء ورفع العقوبات بفضل الجهود القطرية والسعودية والتركية المشتركة، وفتح آفاق جديدة للتنمية المستدامة وآفاق للتعاون والاستثمار في كل المجالات.
وأضاف أن الدوحة اليوم تمثل شريكاً استراتيجياً لسوريا في هذه المرحلة، بما تقدمه من دعم سياسي واقتصادي وإنساني غير محدود، يعكس التزام القيادة القطرية، وتوجيهات أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بمساندة ودعم سوريا والشعب السوري على تجاوز آثار الظلم والدمار الذي خلفه النظام البائد.
الشروط الدولية والإقليمية
المستشار والخبير في العلاقات الدولية د. أحمد محمد غيث الكواري يؤكد أن زيارة وزير الخارجية السوري الدوحة، تأتي ضمن سياق تحول استراتيجي في العلاقة بين البلدين.
ويرى الكواري الذي تحدث لـ”الخليج أونلاين” أن تكرار الزيارات الرسمية بين دمشق والدوحة، يدل على رغبة متبادلة في الانتقال إلى شراكة عملية تقوم على المصالح المشتركة.
ويضيف: “البعد الاقتصادي كان حاضرا بقوة في المحادثات”، مؤكداً أن قطر تتجه إلى لعب دور محوري في إعادة إعمار سوريا عبر ضخ استثمارات بمليارات الدولارات في مشاريع تنموية حيوية، مثل الطاقة، النقل، والتعليم.
ويستطرد قائلاً: “الاتفاق على تفعيل الشركة القطرية السورية القابضة يعكس نية واضحة في خلق منصة استثمارية دائمة، كما أن زيارة مرتقبة لوفد اقتصادي قطري إلى دمشق تمثل خطوة إضافية نحو تعزيز الشراكة الاقتصادية”.
ولفت الكواري إلى أن قطر لا تتحرك في الملف السوري بشكل منفرد، بل ضمن تنسيق مستمر مع شركائها في مجلس التعاون الخليجي، خصوصاً السعودية والإمارات، من أجل الدفع باتجاه استقرار شامل في سوريا يفتح الباب أمام عودة دمشق إلى الحاضنة العربية، ويهيّئ بيئة ملائمة لإعادة الإعمار.
الكواري لفت إلى أن القيادة السورية الجديدة، برئاسة أحمد الشرع، أبدت تجاوباً واضحاً مع الشروط الدولية والإقليمية، لا سيما فيما يتعلق بالتعامل مع المجتمع الدولي، وعدم التصعيد في الملفات الإقليمية الحساسة.
ويرى أن هذا السلوك “البراغماتي” هو ما شجع دول الخليج على العودة التدريجية إلى سوريا، سياسياً واقتصادياً.
وختم الكواري تصريحه بالقول إن الأولوية اليوم يجب أن تمنح لتعافي الاقتصاد السوري، وتقوية مؤسسات الدولة، وتحسين معيشة المواطن، بعيداً عن التجاذبات السياسية، مؤكداً أن النهوض بسوريا يبدأ من الداخل، ومن خلال مشاريع تنمية حقيقية ومستدامة.
تحويل الأزمات إلى فرص
من جهته يرى رجل الأعمال القطري سعد الدباغ أن زيارة وزير الخارجية السوري إلى الدوحة تمثل نقطة تحول حقيقية في مسار العلاقات الاقتصادية بين قطر وسوريا، مؤكداً أن المحادثات التي جرت بين الجانبين تعكس إرادة واضحة لتعزيز التعاون وتذليل العقبات التي كانت تعيق الاستثمار والتجارة بين البلدين.
وأضاف الدباغ في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “لقد أرسلت هذه الزيارة رسالة إيجابية إلى مجتمع الأعمال في كلا البلدين، مفادها أن الفرص الاستثمارية في سوريا أصبحت أكثر وضوحاً وأماناً، وأن هناك رغبة حقيقية من الحكومة السورية والدوحة لتسهيل الإجراءات وتهيئة بيئة ملائمة لجذب الاستثمارات”.
ويشير إلى أن القطاع الخاص سيلعب دوراً محورياً في هذه المرحلة، ليس فقط من خلال ضخ رؤوس الأموال في مشاريع إعادة الإعمار والطاقة والبنية التحتية، بل أيضاً عبر نقل الخبرات والتكنولوجيا الحديثة التي تسهم في تحديث الاقتصاد السوري.
واختتم الدباغ تصريحه بالتأكيد على أهمية الاستفادة من هذه اللحظة التاريخية لتوسيع الشراكات الاقتصادية، مشيراً إلى أن نجاح هذه المبادرات سيشكل نموذجاً يحتذى به في المنطقة في كيفية تحويل الأزمات إلى فرص حقيقية للنمو والتنمية.