ما إمكانية تشكل تحالف خليجي إيراني مشترك لتخصيب اليورانيوم؟

طرحت إيران مقترحاً يتضمن إشراك دول خليجية في مشروع مشترك لتخصيب اليورانيوم.
الولايات المتحدة طرحت أيضاً مقترحاً شبيهاً لبناء منشأة تخصيب تضم السعودية والإمارات ودول أخرى.
يتصدر الملف النووي الإيراني صدارة النقاش العالمي، مع استئناف المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران برعاية سلطنة عُمان، وانعقاد خمس جولات خلال الفترة الماضية بين مسقط وروما.
والخلاف الجوهري القائم يتمحور حول مسألة تخصيب اليورانيوم، إذ ترفض واشنطن هذا الأمر، بينما ترى فيه إيران حق لا يمكن التنازل عنه، وبين هذين الموقفين، ثمة مقترحات لتجاوز هذه العقبة، منها تشكيل تحالف إقليمي للتخصيب المشترك.
وسائل إعلام غربية وأمريكية، تحدثت عن مقترحين الأول إيراني يتمثل في إنشاء مشروع مشترك لتخصيب اليورانيوم بمشاركة عربية وخليجية، والثاني أمريكي يتمثل في إنشاء منشأة تخصيب تشرف عليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فما مدى واقعية هذا المقترح، وهل يعالج مخاوف الغرب ودول الإقليم؟.
المقترح الإيراني
يمكن القول إن مقترح التخصيب التشاركي لليورانيوم، يعتبر فكرة خارج الصندوق، لتجاوز عقبة البرنامج النووي الإيراني، خصوصاً مع تزايد التهديدات الإسرائيلية باستهداف منشئات إيران النووية، والتحذير الخليجي من تداعيات مثل هذا التصعيد على أمن المنطقة.
ومع إشهار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيف الحزم في مواجهة إيران، ومد يد الحوار لها أيضاً، وجدت طهران متنفساً لتبرير حقها في تخصيب اليورانيوم، وأيضاً فرصة لعرض مقترح يمكن أن يشكل مخرجاً مقبولاً لدى الأطراف الإقليمية ولدى الولايات المتحدة نفسها.
ووفق صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية و”الغارديان” البريطانية، فقد طرح وزير خارجية إيران عباس عراقجي على المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، منتصف مايو الماضي، مقترحاً بإنشاء مشروع مشترك لتخصيب اليورانيوم يضم دولاً إقليمية بينها خليجية، واستثمارات أمريكية كبديل لمطالب تفكيك البرنامج النووي الإيراني.
هذه الأنباء نقلتها صحيفة “نيويورك تايمز” عن 4 مسؤولين إيرانيين مطلعين، فيما اعتبر الدبلوماسي الإيراني السابق وعضو فريق التفاوض النووي عام 2015، سید حسین موسویان، المقترح “سيعالج العديد من المخاوف الأمريكية، والطويلة الأمد بشأن تراجع إيران عن مسارها”.
بدورها قالت “الغارديان” البريطانية، إن إيران طرحت فكرة تشكيل اتحاد من دول الشرق الأوسط، يضم إيران والسعودية والإمارات، لتخصيب اليورانيوم، في محاولة لإقناع دول الخليج على دعم الموقف الإيراني، والقبول بحقها في التخصيب المشترك.
وكما أن المقترح يمنح إيران فرصة للحفاظ على قدراتها في تخصيب اليورانيوم، إلا أنه يمنح الدول الشريكة إمكانية الوصول إلى معرفتها التكنولوجية، ويجعلها طرفاً رئيسياً في هذا العملية.
وبموجب هذه الشراكة بين الدول الثلاث ستكون السعودية والإمارات مساهمتين وممولتين، وستتمكنان من الوصول إلى التكنولوجيا الإيرانية، بحسب “الغارديان”، كما يمنح ذلك دول الخليج ضماناً إضافياً بأن البرنامج النووي الإيراني لن يستخدم إلا للأغراض السلمية.
المقترح الأمريكي
ويبدو أن إيران ليست وحدها من يسعى لتجاوز عقدة الخلاف في مفاوضات النووي، التي أنهت جولتها الخامسة، مع بقاء معضلة الحق في تخصيب اليورانيوم كعقدة خلاف أساسية، فالولايات المتحدة الأمريكية نفسها تحاول البحث عن بدائل مقبولة دولياً وإقليمياً.
وفي هذا السياق، نقل وزير خارجية سلطنة عُمان بدر البوسعيدي، بنود مقترح أمريكي إلى نظيره الإيراني في مايو الماضي، يتضمن إلى جانب بنود أخرى، إمكانية إنشاء منشأة نووية إقليمية تحت إشراف دولي.
وتحدثت وسائل إعلام أمريكية عن مقترح أمريكي يتمثل في إنشاء تجمع إقليمي لإنتاج الطاقة النووية، يضم السعودية ودولاً عربية أخرى، مقابل وقف طهران تخصيب اليورانيوم محلياً، وتشترط واشنطن أن تكون المنشأة المشتركة خارج إيران، بحسب ما نقل موقع “أكسيوس” الأمريكي الأحد 1 يونيو.
وحتى اللحظة لا تزال هناك معضلة تتعلق بمكان إنشاء مثل هذا المشروع، ووفق الكاتب العُماني المهتم بالشأن الدولي خالد الحريبي، فإن سلطنة عمان هي المرشح الأقوى لتوفير بيئة مناسبة لتخصيب اليورانيوم وذلك “لاستقرارها الأمني والاقتصادي، وتاريخها ونجاحها في الوساطات”.
وأضاف الحريبي في حوار على إذاعة “وصال” أن السلطنة ستحقق مكاسب كبيرة لو تم قبول هذا المقترح، وكانت طرفاً فيه.
غير واقعي
وبالرغم من أن مقترح تخصيب اليورانيوم بشكل مشترك بين إيران ودول الخليج يبدو نظرياً مشروعاً طموحاً، إلا أنه في الوقت الراهن غير واقعي من الناحية السياسية والأمنية، وفق الدكتور محمد العريمي، الكاتب والباحث في الشؤون السياسية، ورئيس جمعية الصحفيين العُمانية.
وأضاف العريمي، في تصريح لـ”الخليج أونلاين”: “المنطقة تفتقر إلى الثقة المتبادلة، خصوصاً بين إيران وبعض دول الخليج، بسبب خلافات عميقة تتعلق بالأمن الإقليمي، والملف النووي، والنفوذ الإيراني في الدول العربية، كما أن برنامج إيران النووي ما يزال مثار جدل دولي، ويخضع لعقوبات ومراقبة دقيقة، ما يجعل التعاون النووي معها محل حذر شديد”.
ولفت إلى أنه من غير المرجّح أن توافق غالبية دول الخليج، خصوصاً السعودية والإمارات، على مشروع مشترك من هذا النوع مع إيران في الوقت الراهن”.
واستطرد العريمي قائلاً:
- الرياض، على سبيل المثال، تسعى لتطوير برنامج نووي سلمي مستقل بإشراف دولي، وهي تفضل تنويع الشراكات الدولية بعيداً عن طهران، التي يُنظر إليها في بعض العواصم الخليجية كتهديد أمني لا كشريك موثوق.
- أبوظبي تتنازع مع إيران بسبب احتلال الأخيرة لجزر طنب الصغرى والكبري وأبو موسى، وبالتالي هذا الطرح مستبعد عملياً وغير قابل للتطبيق في الوقت الراهن.
- المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة والدول الأوروبية، سيكون متحفظاً بشدة على مثل هذا المقترح، خاصة إذا لم يكن مصحوباً بإطار صارم من الرقابة والشفافية الدولية، وأي تعاون نووي مع إيران دون ضمانات واضحة قد يُنظر إليه كتهرب من العقوبات أو كخطوة قد تفتح الباب لتوسع قدرات إيران النووية، الأمر الذي يتعارض مع مواقف واشنطن وتل أبيب بشكل خاص.
صعوبات
ويرى العريمي، أن ثمة العديد من الصعوبات والتحديات الأخرى أمام هذا المقترح، مثل القلق من انتقال التكنولوجيا النووية الحساسة، وعدم وجود إطار قانوني أو سياسي مشترك بين دول الخليج وإيران في المجال النووي، وأخيراً الرفض المحتمل من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إذا لم يكن المشروع شفافاً بالكامل.
ويشير الكاتب والباحث السياسي العُماني، إلى أنه “من الناحية النظرية، سلطنة عُمان قد تكون الدولة الأكثر قابلية للعب دور الوسيط أو حتى موقع لمشروع مشترك، بحكم سياستها الخارجية المتوازنة وعلاقاتها الجيدة نسبياً مع إيران وبقية دول الخليج”.
وتابع قائلاً لـ”الخليج أونلاين”: “لكن استضافة منشأة تخصيب على أراضيها قد تضعها تحت ضغط دولي كبير، وهو ما قد يجعلها حذرة جداً في اتخاذ مثل هذه الخطوة”.
ويوضح أنه بالرغم من الصعوبات والتحديات، فإنه في حال تم تنفيذ هذا المقترح ضمن إطار شفاف وخاضع للرقابة الدولية، فقد تكون هناك بعض المكاسب، منها حسب قوله:
- خفض التوتر الإقليمي عبر بناء شراكة تعاونية بدلاً من التنافس النووي.
- تعزيز الاستخدام السلمي للطاقة النووية في المنطقة.
- توفير بنية تحتية مشتركة للطاقة قد تخدم مشاريع التنمية.
- تحقيق نوع من التكامل الإقليمي في قطاع عالي التقنية.
وشدد العريمي على أن كل هذه المكاسب، تظل مشروطة بتحقيق قدر كبير من الثقة السياسية، وبتحولات جذرية في العلاقات الإيرانية الخليجية.
كما يؤكد على أن هذا المقترح “يحمل طابعاً دبلوماسياً أو رمزياً أكثر من كونه مشروعاً عملياً في الظروف الحالية، لكنه قد يُقرأ كإشارة إيرانية إلى رغبة في التهدئة أو فتح قنوات حوار، وهي بحد ذاتها نقطة تستحق المتابعة”.