الاخبار

الحج تحت المجهر.. السعودية تشدد الرقابة وتعيد ضبط التنظيم

تؤكد وزارة الداخلية السعودية، في بيانات متتالية، أن أداء الحج بدون تصريح يعد مخالفة جسيمة يعاقب مرتكبها بالسجن والغرامة

في تحول لافت ضمن سياسة إدارة الحشود، كثفت السلطات السعودية حملاتها الأمنية والتنظيمية لمنع الحجاج غير النظاميين من دخول مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، قبل أسابيع من انطلاق موسم الحج للعام 1446هـ. 

ويأتي هذا التصعيد في وقت تسعى فيه المملكة إلى تجنب الاختلالات التي تكررت في مواسم سابقة، وتعزيز كفاءة التنظيم بما ينسجم مع مستهدفات رؤية 2030.

وتشير المعطيات الرسمية إلى أن أكثر من 135,000 شخص حاولوا أداء المناسك العام الماضي دون الحصول على تصاريح رسمية، كما رُصدت حالات تكدس واختراق للمخيمات، ما دفع الجهات المعنية إلى مراجعة أنظمة الدخول والتشديد على نقاط الفرز الأمنية حول العاصمة المقدسة.

عقوبات مشددة

تؤكد وزارة الداخلية السعودية، في بيانات متتالية، أن أداء الحج بدون تصريح يعد مخالفة جسيمة يعاقب مرتكبها بالسجن والغرامة، فضلاً عن الترحيل والمنع من دخول المملكة. 

ويُنظر إلى هذه الإجراءات كإعادة ضبط ضرورية لمسار التنظيم، وسط تصاعد التحايل على نظام التصاريح عبر سماسرة الحج غير الرسمي.

وأقرت السعودية عقوبات صارمة على مخالفي أنظمة الحج، تشمل غرامة مالية قدرها 10,000 ريال (2,667 دولار) على كل من يُضبط دون تصريح، مع مضاعفتها في حال تكرار المخالفة. كما تشمل العقوبة السجن لمدة تصل إلى 15 يوماً، وترحيل المقيمين المخالفين، ومنعهم من العودة للمملكة لمدة قد تصل إلى 10 سنوات.

أما من يثبت تورطه في نقل أو إيواء الحجاج غير النظاميين، فيواجه غرامة تصل إلى 100 ألف ريال (26,666 دولار)، والسجن لستة أشهر، ومصادرة وسيلة النقل المستخدمة، إضافة إلى الترحيل في حال كان المخالف غير سعودي.

نظام إلكتروني صارم 

فعلت وزارة الحج والعمرة هذا العام نظاماً إلكترونياً متكاملاً للحج من داخل المملكة، يتيح التسجيل والدفع واختيار الباقات واستصدار التصريح الرسمي من خلال منصة موحدة. 

وتضمنت الباقات خيارات متنوعة تناسب مختلف الاحتياجات، حيث تبدأ الباقة الأولى من 10,366 ريالاً (2,765 دولاراً)، وتشمل مخيمات مطورة في مشعر منى توفر تجربة إقامة مريحة للحجاج، لكنها لا تشمل تكلفة النقل. 

وأما الباقة الثانية، وهي مخيمات الضيافة، فتأتي بأسعار تبدأ من 8,092 ريالاً (2,160 دولارًا)مع سكن مشترك، دون احتساب تكلفة النقل. 

في المقابل، توفر الباقة الثالثة إقامة في “الأبراج الستة” الواقعة بالقرب من جسر الجمرات، بسعر يبدأ من 13,150 ريالاً (3,508 دولارات).

وتقدم الباقة الرابعة مرافق حديثة وخدمات شخصية ووجبات، بأسعار تبدأ من 12,537 ريالاً (3,338 دولاراً)، وجميع هذه الباقات لا تشمل تكلفة برنامج النقل.

وأكدت الوزارة أن التصاريح مرتبطة آلياً بقاعدة البيانات الوطنية، ولا يمكن تزويرها أو تداولها، مما يحدّ من عمليات التحايل التي كانت تستغل في الماضي.

فتاوى تحريمية

على الصعيد الشرعي، صدرت فتاوى رسمية تحرّم أداء فريضة الحج من دون الحصول على تصريح نظامي، وأكد مفتي عام المملكة عبدالعزيز آل الشيخ أن هذه الممارسة “تعد اعتداء على النظام العام، ومخالفة لولي الأمر، وتؤدي إلى التزاحم الذي يضر بالحجاج النظاميين”.

وأضاف أن التصاريح وسيلة لتنظيم شؤون الحج وليست عقبة شرعية، مشيراً إلى أن الحج عبادة مشروطة بالاستطاعة، و”من لم يُتح له الحصول على التصريح فهو غير مستطيع شرعاً، ولا إثم عليه”.

كما أكد مفتي الديار المصرية نظير عياد أن أداء فريضة الحج دون تصريح رسمي صادر عن السلطات السعودية يُعد مخالفة شرعية صريحة، مشدداً على أن هذا الفعل يُدخل صاحبه في نطاق الإثم الشرعي.

تجربة مريرة 

يربط مسؤولون أمنيون التصعيد الحالي بحوادث سابقة تسببت فيها أعداد زائدة من الحجاج غير النظاميين، حيث تُعد حادثة التدافع في منى عام 2015 من أبرز تلك المآسي، إذ أشارت التقارير حينها إلى أن عدداً من الضحايا لم يكونوا يحملون تصاريح رسمية، وكانوا يتحركون خارج مسارات التنظيم.

واعتبرت السلطات أن التهاون في الرقابة قد يؤدي إلى كوارث إنسانية وصحية، خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة واتساع رقعة الحشود في وقت قصير ومكان محدود.

وبدأت وزارة الداخلية السعودية، بالتعاون مع الأمن العام والجوازات ووزارة الحج، في تنفيذ حملات ميدانية موسعة في مداخل العاصمة المقدسة، مستخدمة طائرات مسيرة ونقاط فرز إلكترونية، ومركبات مجهزة بالتقنية الذكية، لرصد ومنع المتسللين.

بالتوازي، أطلقت وزارة الشؤون الإسلامية حملة توعوية عبر المساجد، ركّزت على إظهار الجوانب الشرعية المرتبطة باحترام التنظيم، والتحذير من “التحايل على النظام، أو أداء الحج بطريق غير مشروع”. 

كما شددت الخطب الموحدة على أن “عدم الحصول على تصريح رسمي ليس فقط مخالفة قانونية، بل معصية شرعية”.

وبحسب وكالة “فرانس برس”، فإن موسم الحج الماضي (2024) سجل عدد وفيات الحجاج خلاله نحو 1301، أكثر من نصفهم من مصر، وذلك لأسباب مرتبطة بالطقس شديد الحرارة، حيث يحرمهم الحج غير النظامي من أماكن مخصصة تقيهم حرارة الشمس.

تنظيم يراعي الطاقة الاستيعابية

يُشار إلى أن عدد الحجاج العام الماضي بلغ نحو 1.8 مليون حاج، من بينهم 180,000 حاج من داخل المملكة، في وقتٍ تسعى الجهات المنظمة لضمان أن لا تتجاوز الطاقة الاستيعابية للمشاعر، خاصة في منى وعرفات ومزدلفة، قدراتها القصوى، والتي تم حسابها وفق معايير المساحات، التهوية، والخدمات الطبية والغذائية.

وأكد وزير الداخلية الأمير عبدالعزيز بن سعود أن “الالتزام بتعليمات الحج مسؤولية جماعية”، وأن “أي تجاوز للنظام يعرض حياة الآخرين للخطر”، محذراً من التهاون أو محاولة استغلال الحجاج مادياً أو إدخالهم بطرق غير مشروعة.

ملاحقة السماسرة 

رصدت الجهات المختصة شبكات من السماسرة تستدرج المقيمين داخل المملكة عبر إعلانات على الإنترنت أو عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، وتوهمهم بإمكانية أداء المناسك خارج النظام الرسمي، وتتراوح أسعار هذه الخدمات غير القانونية بين 5,000 و8,000 ريال (1,333 إلى 2,133 دولار).

وقد خصصت وزارة الداخلية تطبيقات إلكترونية ووسائل تواصل مباشرة لتلقي البلاغات، وتمكنت خلال الأسابيع الأخيرة من ضبط عدد من المتورطين، وإحالتهم إلى الجهات المختصة للمحاسبة وفق نظام مكافحة التستر والجرائم المعلوماتية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى