الاخبار

“السيادي” السعودي وأوروبا.. خارطة استثمارية بين الطموح والتحديات

يُظهر هذا التوسع اتجاهاً متزايداً نحو تنويع الأصول بعيداً عن النفط، مع تركيز ملحوظ على قطاعات الطيران، الطاقة، البنية التحتية

منذ إعادة هيكلته في عام 2017، ضاعف صندوق الاستثمارات العامة السعودي من وتيرة توسعه في الأسواق الأوروبية، حيث ضخ أكثر من 85 مليار دولار توزعت بين استثمارات مباشرة وصفقات شراء واسعة، ما يعكس استراتيجية المملكة لتكريس مكانتها كفاعل اقتصادي عالمي في القطاعات الحيوية.

ويُظهر هذا التوسع اتجاهاً متزايداً نحو تنويع الأصول بعيداً عن النفط، مع تركيز ملحوظ على قطاعات الطيران، والطاقة، والبنية التحتية، والصناعات التقنية، في ظل خطط المملكة للوصول إلى أصول مدارة تتجاوز تريليون دولار بحلول عام 2030.

بحسب بيانات رسمية أعلنها الصندوق خلال منتدى “FII Priority Europe 25” في العاصمة الألبانية تيرانا، مؤخراً، فإن حجم التأثير الاقتصادي لهذه الاستثمارات على الناتج المحلي الأوروبي بلغ نحو 52 مليار دولار حتى الآن، مع توقعات بأن يتجاوز 105 مليارات دولار بحلول نهاية العقد. 

كما أسهمت هذه التدفقات، بحسب ما أعلن محافظ الصندوق السعودي، ياسر الرميان، في توفير أكثر من 254 ألف وظيفة، ومن المرجح أن يرتفع العدد إلى 328 ألف وظيفة خلال السنوات الخمس المقبلة.

ونجح صندوق الاستثمارات العامة منذ 2017 في بناء واحدة من أكبر المحافظ الاستثمارية السيادية في العالم، حيث تتجاوز قيمة أصوله حالياً 930 مليار دولار، مع طموح إلى الوصول إلى 1.1 تريليون دولار بحلول 2030؛ ما يجعله لاعباً رئيسياً في رسم ملامح الاقتصاد العالمي في العقود المقبلة.

استثمارات قادمة

في تصريحٍ له نقلته قناة “العربية” السعودية، أعلن محافظ الصندوق السعودي، ياسر الرميان، أن المؤسسة السيادية تهدف إلى مضاعفة الاستثمارات في أوروبا لتصل إلى 170 مليار دولار بحلول عام 2030.

وخلال جلسة حوارية في المنتدى، عدد الرميان أبرز الاستثمارات السعودية في أوروبا، من بينها حصة تصل إلى 15% في مطار “هيثرو” البريطاني، ونادٍ نيوكاسل لكرة القدم، إلى جانب استثمارات في شركات مثل “أستون مارتن”، وطلبات شراء طائرات من شركة “إيرباص” الأوروبية لصالح شركة “طيران الرياض”.

استثمارات مستمرة وانتقادات

ويواصل الصندوق توسيع حضوره في أوروبا عبر مكتبه الرئيسي في لندن، الذي افتتح عام 2019، فيما يستعد لافتتاح مكتب جديد في باريس خلال الأيام المقبلة، ويعكس ذلك، توجهاً استراتيجياً للتمركز في العواصم المالية الكبرى ضمن القارة الأوروبية.

وعلى الرغم من ذلك انتقد الرميان في وقت سابق قواعد الاستدامة الأوروبية، التي تتضمن أكثر من 1,000 معيار، معتبراً أنها تشكل عبئاً على المستثمرين وقد تدفع بعضهم إلى مغادرة القارة. وأشار إلى أن الغرامات المتوقعة بموجب تلك القواعد قد تصل إلى 5% من الإيرادات السنوية للشركات.

واعتبر أن تأجيل تطبيق هذه اللوائح من عام 2026 إلى 2028 “غير كافٍ”، مضيفاً أن العديد من الشركات في قطاع الطاقة باتت مجبرة على إغلاق عملياتها في أوروبا نتيجة عدم وضوح السياسات.

ويمتد النشاط الاستثماري للصندوق إلى دول أوروبية أخرى مثل ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، وهولندا، حيث يُركز على قطاعات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا والبنية التحتية، ضمن رؤية متكاملة لتنويع المحفظة الاستثمارية.

وبينما تسعى السعودية إلى تحويل 50% من مزيج طاقتها إلى مصادر متجددة بحلول 2030، من خلال مشاريع الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين، فإنها تؤكد في الوقت نفسه أن تحول الطاقة لا يتم بضغطة زر، بل يتطلب توازناً بين الكفاءة والاستدامة والتكلفة.

تحول نوعي

ترى الصحفية الاقتصادية حنين ياسين أن التحركات الاستثمارية الأخيرة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي داخل أوروبا تعكس تحولاً نوعياً في الاستراتيجية الاقتصادية للمملكة، من مجرد تنويع محافظ الأصول إلى بناء شبكة استثمارات فعالة تضمن عوائد طويلة الأمد في بيئات مستقرة.

وتقول الصحفية إن “ضخ 85 مليار دولار في الأسواق الأوروبية منذ 2017، والسعي لمضاعفتها إلى 170 مليار دولار بحلول 2030، لا يمكن اعتباره فقط توسعاً طبيعياً في الحضور الخارجي، بل هو جزء من استراتيجية اقتصادية متكاملة تهدف إلى امتصاص التقلبات العالمية وتحقيق الاستدامة المالية”.

وأشارت إلى أن الصندوق السعودي “لا يتحرك وفق منطق المضاربة أو الصفقات السريعة، بل يعتمد على نموذج استثمار طويل المدى يقوم على الاستحواذ على أصول ذات قيمة حقيقية في قطاعات حيوية مثل النقل، والصناعات التحويلية، والطاقة النظيفة”.

وتوضح أن استثمارات مثل حصة الصندوق في مطار هيثرو أو في شركات مثل “أستون مارتن”، ليست مجرد رهانات على شركات شهيرة، بل اختيار مدروس في قطاعات تشهد نمواً مطرداً في القيمة السوقية والأهمية الاستراتيجية في الاقتصاد الأوروبي.

وأضافت: “افتتاح مكاتب للصندوق في لندن ثم باريس يشير إلى أن السعودية تتعامل مع ملف الاستثمار الدولي بكفاءة مؤسسية عالية، عبر إنشاء حضور مباشر في مراكز القرار المالي لتسهيل العمليات، ورقابة أكثر فاعلية على استثماراتها”.

كما تؤكد أن الأثر الاقتصادي لا يقتصر على الجانب السعودي، بل يمتد إلى أوروبا نفسها، مشيرة إلى البيانات التي تُظهر أن استثمارات الصندوق ساهمت في خلق آلاف الفرص، وهو ما يعكس القيمة الاقتصادية المشتركة لهذه الاستثمارات.

وتختتم حنين ياسين بالقول إن صندوق الاستثمارات العامة “يمثل اليوم نموذجاً يُحتذى به في العالم العربي في كيفية إدارة الثروات السيادية، حيث يتم المزج بين العوائد التجارية، والاستقرار المالي، والمرونة في التكيّف مع المتغيرات العالمية”.

وفي مقابل هذا الزخم السعودي، بلغ حجم استثمارات الاتحاد الأوروبي في السعودية نحو 5 مليارات دولار في عام 2023، بحسب بيانات رسمية، موزعة على قطاعات متعددة تشمل البناء والطاقة والخدمات المالية والرعاية الصحية، ما يعكس اتجاهاً تصاعدياً محدوداً في العلاقات الاقتصادية بين الطرفين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى