عون في الكويت.. عين على الاستثمار باقتصاد لبنان المتعثر

ما الهدف من زيارة الرئيس اللبناني إلى الكويت؟
تفعيل العلاقات الثنائية، وفتح الباب أمام شراكات اقتصادية واستثمارية.
ما أهمية الاستثمارات الكويتية للاقتصاد اللبناني؟
تشكّل دعماً حيوياً يساهم في تحريك قطاعات أساسية كالعقار والسياحة والطاقة.
بعد سنوات من الفتور، تعود العلاقات اللبنانية الخليجية إلى الواجهة من جديد، وسط جهود لإعادة بناء الثقة وتوسيع مجالات التعاون.
وتبرز الكويت كدولة محورية في هذا المسار، نظراً لما تمثله من ثقل اقتصادي ودور تاريخي في دعم لبنان خلال أزماته، ومع تصاعد الحديث عن فرص استثمارية واعدة، تبدو إمكانية تفعيل الشراكات الاقتصادية مجدداً مطروحة على الطاولة، بانتظار خطوات عملية تعيد بيروت إلى الخريطة الاقتصادية العربية.
استئناف العلاقات
شهدت العلاقات اللبنانية–الكويتية دفعة جديدة مع الزيارة الرسمية التي أجراها الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون إلى الكويت في 11 مايو الجاري، حيث التقى خلالها بأمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، في أول زيارة للدولة الخليجية منذ توليه منصبه.
وأشارت وكالة الأنباء الكويتية إلى أن مباحثات الزيارة تركّزت على سبل تعزيز التعاون الثنائي، لا سيما في الملفات الاقتصادية والاستثمارية.
وأثمرت زيارة عون، عن إعلان أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، في 12 مايو، رفع التمثيل الدبلوماسي بين بلاده ولبنان بهدف تعزيز العلاقات الثنائية و”إعادتها إلى وضعها الأمثل”.
وفي مقابلة مع التلفزيون الكويتي عشية وصوله، أكد عون أن الكويت تُعد محطة أساسية للبنان في مسار الانفتاح العربي، مشيراً إلى أن زيارته تأتي في إطار إعادة تفعيل العمل الدبلوماسي مع الدول الخليجية والعربية.
وأضاف أن لبنان لم يعد يبحث عن الهبات، بل عن شراكات استثمارية طويلة الأمد، خصوصاً في مجالات حيوية مثل الطاقة، والمرافئ، والمطار، والكهرباء.
وشدد عون على أهمية دور الكويت في دعم الثقة بلبنان مجدداً، معبّراً عن ثقته بالتوافق مع القيادة الكويتية حول إمكانية مشاركتها في عدد من المشاريع الإنمائية.
وأوضح أن هذه الزيارة ستكون “فرصة للتأكيد على أن اللبنانيين ينتظرون عودة أشقائهم الكويتيين إلى بلدهم الثاني لبنان لاسيما خلال فصل الصيف المقبل لتزهو الربوع اللبنانية من جديد بوجودهم”.
ويمرّ الاقتصاد اللبناني بواحدة من أسوأ الأزمات في تاريخه، مع انهيار العملة الوطنية، وارتفاع معدلات البطالة، وتراجع القدرة الشرائية بشكل حاد، وسط غياب إصلاحات فعالة وانخفاض الثقة الداخلية والخارجية بالمنظومة الاقتصادية والمالية.
دور داعم
لا تقتصر أهمية زيارة الرئيس اللبناني إلى الكويت على بعدها السياسي، بل تتعداها إلى إعادة تسليط الضوء على دور الدولة الخليجية التاريخي في دعم لبنان خلال مراحله الحرجة.
ولم تكن الكويت يوماً بعيدة عن الساحة اللبنانية، بل شكّلت على الدوام شريكاً فاعلاً في مساندة الاستقرار، سواء عبر الدبلوماسية الهادئة أو من خلال المبادرات التنموية والاستثمارية التي تركت أثراً بالغاً في محطات مفصلية من تاريخ لبنان الحديث.
وحول ذلك، أكد الرئيس اللبناني أن الكويت أدّت دوراً محورياً في دعم لبنان خلال محطاته الصعبة، مشيراً إلى أن مساهماتها امتدت على مدى عقود، بدءاً من الحرب عام 1973، مروراً بعدوان عام 2006 حين تبرعت بنحو 300 مليون دولار لإعادة الإعمار و180 مليوناً لدعم البنية التحتية، وصولاً إلى المبادرة الدبلوماسية التي أطلقتها في عام 2022 لإعادة ترميم العلاقة بين لبنان ودول الخليج.
وشدد عون على أن هذا الدور الكويتي المتقدم لا يقتصر على البُعد الإنساني أو المالي، بل يشمل أيضاً مساهمات فعالة في العمل الدبلوماسي، والتنمية، والاستثمار، مؤكداً أن “لبنان اليوم، وبعد خروجه من أزمات سياسية واقتصادية معقدة، لا يزال في أمسّ الحاجة إلى شركاء موثوقين، والكويت كانت ولا تزال من أبرز هؤلاء الشركاء”.
وأشار إلى أن المشاريع التي أنجزتها الكويت في لبنان “لا تُعد ولا تُحصى”، في إشارة إلى الحضور الكويتي المستمر في قطاعات التعليم، الصحة، البنية التحتية، والخدمات الأساسية، والتي تُمثل نموذجاً لدعم إنمائي فعّال وملموس.
دعم مرتقب
ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد ذكر الله أن استئناف الاستثمارات في لبنان يعتمد بشكل كبير على استقرار الأوضاع السياسية في البلاد.
ويضيف لـ”الخليج أونلاين” أن “فترة الاستقرار النسبي التي أعقبت اتفاق الطائف قد اهتزت في الآونة الأخيرة مع صعود حزب الله وسيطرته العسكرية على الجنوب وتأثيره على القرار السياسي اللبناني”.
لكنه يعتقد أن المعادلة قد بدأت تتغير “بعد الإخفاقات التي مني بها الحزب في سوريا وجنوب لبنان بعد طوفان الأقصى، خاصة مع تعيين رئيس جديد للبنان قبل نحو شهرين”.
ويرجح ذكر الله أن الدول العربية التي قدمت المساعدة للبنان سابقاً، وفي مقدمتها الكويت، قد تعود لتقديم الدعم مجدداً من عدة جوانب، خاصة بعد تحقيق نوع من الاستقرار والتراجع النسبي في نفوذ “حزب الله” الكامل على لبنان.
وأوضح أن هناك فترة ترقب من الكويت ودول عربية أخرى لاستكشاف تطورات الأوضاع على الأرض في لبنان بعد هذه التغييرات، حيث تدرس هذه الدول حسابات القوى الجديدة قبل اتخاذ قرارات بشأن ضخ الأموال.
ويستبعد الدكتور ذكر الله ضخ استثمارات كبيرة في الوقت الحالي، لكنه يتوقع دوراً عاجلاً وكبيراً للكويت في دعم لبنان من خلال الجمعيات الخيرية الكويتية، التي لها باع طويل في دعم المحتاجين حول العالم، وخاصة في الدول العربية.
استثمارات كبيرة
على مدى العقود الماضية، شكّلت الاستثمارات الخليجية، والكويتية منها بشكل خاص، ركيزة أساسية في دعم الاقتصاد اللبناني، سواء عبر رؤوس الأموال المباشرة أو من خلال المشاريع التنموية في قطاعات حيوية.
وتشير بيانات سابقة إلى أن حجم الاستثمارات الكويتية في لبنان احتل المركز الثالث بين استثمارات دول الخليج، بقيمة تُقدّر بنحو 2.8 مليار دولار، موزعة على قطاعات عدة أبرزها العقار والسياحة، وتتركز النسبة الأكبر في يد مستثمرين كويتيين أفراد، بنسبة تفوق 80%.
ونقلت صحيفة “الأنباء” الكويتية عام 2017 عن غرفة التجارة والصناعة في بيروت، بأن الاستثمارات الخليجية شكّلت مجتمعة نحو 92.7% من إجمالي الاستثمارات العربية في لبنان، بمجموع تراكمي بلغ 11.3 مليار دولار، تتصدرها السعودية بـ4.8 مليارات، تليها الإمارات بـ2.9 مليار دولار.
وتبرز أهمية دول الخليج بالنسبة إلى الاقتصاد اللبناني من زوايا عدة، أبرزها السياحة والتحويلات المالية، إذ كانت تستقبل هذه الدول قرابة 200 ألف لبناني، يشكلون رافداً أساسياً للاقتصاد، وتحويلات تقدَّر بنحو 8 مليارات دولار سنوياً، تشكل تحويلات المقيمين في الخليج منها نحو 60%.
كما تشكل أسواق الخليج منفذاً تقليدياً للصادرات الزراعية والصناعية اللبنانية، وسنداً مالياً في الأوقات الحرجة، كما حصل سابقاً مع ودائع مالية وضعت في مصرف لبنان من السعودية والكويت دعماً للاستقرار المالي.
وفي سياق متصل أشار تقرير نشرته صحيفة “الراي” الكويتية عام 2016 إلى أن الكويت جاءت في المرتبة الثانية في حجم الاستثمارات بلبنان للفترة بين عامي 2003 – 2015 وذلك بـ 12 شركة مستثمرة، و16 مشروعاً، و5015 فرصة عمل، ورأس مال بقيمة 2 مليار دولار.