مع تدخل تل أبيب.. أزمة دروز سوريا تشتعل وتنذر بتصعيد إقليمي

الباحث في الشؤون الدولي د. طارق عبود:
– استقرار سوريا ليس ضمن حسابات “إسرائيل” أو الولايات المتحدة.
– استمرار الفوضى في سوريا يخدم مشروعاً أوسع لإعادة تشكيل المنطقة وفق توازنات جديدة.
– “إسرائيل” تسوّق نفسها قوة مؤثرة وتطالب مقابل ذلك بدور سياسي أكبر في أي تسوية مقبلة.
– تستخدم تل أبيب خطاب “حماية الأقليات”، خصوصاً الدروز، لكسب تأييد مجتمعي محلي.
تصاعدت حدة التوترات الأمنية في سوريا خلال الأيام الماضية، عقب اشتباكات دامية اندلعت بين مجموعات مسلحة محلية من الطائفة الدرزية وقوات تابعة لوزارة الداخلية السورية، تطورت لتشهد تدخلاً إسرائيلياً عبر قصف جوي بلغ محيط القصر الرئاسي في دمشق.
الأزمة الجديدة اندلعت فجر الثلاثاء (29 أبريل الماضي) من حي جرمانا جنوب شرقي دمشق، بعد انتشار تسجيل صوتي على مواقع التواصل الاجتماعي تضمن إساءة للنبي محمد، نُسب إلى الشيخ الدرزي مروان كيوان، وهو ما نفاه الأخير بشكل قاطع، واصفاً التسجيل بالمفبرك الهادف إلى إثارة الفتنة الطائفية.
ورغم دعوات التهدئة الرسمية والدينية، اندلعت اشتباكات بين مسلحين محليين من بلدة المليحة ودرزيين من جرمانا، أسفرت عن مقتل 13 شخصاً بينهم عناصر أمن.
وفي محاولة لاحتواء الأزمة، عقد اجتماع بين ممثلين عن الحكومة السورية ووجهاء دروز مساء الثلاثاء، انتهى باتفاق تهدئة مؤقت.
لكن الوضع انزلق سريعاً نحو العنف مجدداً صباح الأربعاء (30 أبريل) في بلدة أشرفية صحنايا جنوب غرب دمشق، حيث هاجمت مجموعات مسلحة حاجزاً للأمن العام، ما أدى إلى مقتل 16 عنصراً، وفق وزارة الداخلية، فضلاَ عن مقتل ستة مدنيين بعد إطلاق نار على مركبات في المنطقة.
ويُقدّر عدد الدروز في سوريا بحوالي 700 ألف نسمة، ما يشكل نحو 3% من سكان البلاد.
ويتركزون بشكل رئيسي في محافظة السويداء، وتوجد تجمعات درزية في مناطق بريف دمشق، بالإضافة إلى قرى في جبل السماق بمحافظة إدلب.
تدخل إسرائيلي
في تطور استثنائي، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، أن الجيش الإسرائيلي نفّذ الأربعاء (30 أبريل) عملية تحذيرية في ريف دمشق استهدفت مجموعة وصفها البيان بـ”المتطرفة”، زُعم أنها كانت تستعد لشن هجمات ضد السكان الدروز في أشرفية صحنايا.
ووجهت “إسرائيل” رسالة للحكومة السورية مطالبة بـ”التحرك الفوري” لحماية أبناء الطائفة الدرزية، مؤكدَة أن أمن دروز سوريا يشكل “خطاً أحمر” لتل أبيب، في ظل الروابط العائلية التي تجمعهم بدروز “إسرائيل”.
لتستمر في اليومين التاليين العمليات الإسرائيلية وبلغت قصف محيط القصر الرئاسي فجر الجمعة (2 مايو الجاري).
وقال بنيامين نتنياهو، في بيان مشترك مع يسرائيل كاتس، إن جيش الاحتلال هاجم هدفاً قرب القصر الرئاسي بدمشق، متعهّداً بحماية أبناء الأقلية الدرزية.
وأضاف نتنياهو في البيان المشترك: “هذه رسالة واضحة للنظام السوري، لن نسمح للقوات السورية بالانتشار في جنوب دمشق أو تشكيل تهديد للدروز”.
بالتوازي، شهدت الحدود بين سوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة حراكاً لافتاً، حيث أفادت مصادر أهلية بأن دروزاً من الجولان والجليل اقتحموا الأربعاء السياج الحدودي في محاولة للعبور إلى سوريا لمؤازرة أقربائهم.
يضاف إلى ذلك استنفر أهالي بلدة حضر في جبل الشيخ، استعداداً للانضمام للمواجهات.
من جهته، وجّه الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في “إسرائيل”، الشيخ موفق طريف، نداءً عاجلاً إلى الحكومة الإسرائيلية والمجتمع الدولي “لمنع وقوع مجازر جماعية بحق دروز سوريا”، مطالباً بتحرك فوري.
وفي لبنان، دعا شيخ عقل الطائفة الدرزية سامي أبو المنى إلى تحرك ديني وسياسي واسع النطاق، مؤكداً قيامه باتصالات شملت مفتيي سوريا ولبنان، ومسؤولين عرباً.
حذر داخلي
داخلياً، حمّلت الهيئة الروحية للدروز في جرمانا السلطات السورية مسؤولية الأحداث، محذرة من تفاقم الأزمة.
ودعا الشيخ حكمت الهجري إلى ضبط النفس محذراً من “شق الصف”، في حين انتقد الأوضاع العامة في البلاد بكلمة مصورة قال فيها إن “الشعب لم يجنِ ثمار الانتصار بعد”.
وفي محاولة لاحتواء الوضع، أجرى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط اتصالات مع أطراف سورية وإقليمية، انتهت إلى اتفاق مبدئي لوقف إطلاق النار بدأ سريانه مساء الأربعاء، بحسب بيان رسمي.
وبرز في هذا السياق بيان صادر عن مشيخة عقل الطائفة الدرزية في سوريا، دان التحريض الطائفي، محذراً من مخاطر الفتنة و”سموم الأعداء”، ومؤكداً أن الإساءة الدينية “فردية لا تمثل الطائفة”، وداعياً إلى الوحدة الوطنية تحت شعار “الدين لله والوطن للجميع”.
تأتي هذه التطورات لتسلّط الضوء مجدداً على التحديات التي تواجهها الحكومة السورية، حيث تسعى إلى إرساء الأمن في البلاد والتحرك نحو التنمية وإنقاذ الاقتصاد السوري الذي يعاني جراء مخلفات حكم نظام الأسد.
لكن التوترات الطائفية باتت تنفجر سريعاً على خلفيات مفبركة أو مضخّمة، وسط تحذيرات من أن تفتح باباً لتدخلات خارجية أوسع.
ترسيخ الدور الإسرائيلي
يرى الباحث في الشؤون الدولية د. طارق عبود أن الغارات الإسرائيلية المتكررة على سوريا لم تعد مجرد ردود فعل أمنية، بل جزء من استراتيجية تهدف إلى ترسيخ دور تل أبيب ليكون طرفاً فاعلاً في مستقبل البلاد.
ويقول عبود لـ”الخليج أونلاين” إن سوريا تعيش حالة من الانهيار المتعدد الأوجه، وسط عقوبات اقتصادية خانقة واستقطاب داخلي معقّد، بينما تتقاسم النفوذ قوى إقليمية ودولية، أبرزها تركيا، وقوات سوريا الديمقراطية، و”إسرائيل” التي تحتل أراضٍ سورية وتقترب حدودها من العاصمة دمشق.
ويضيف: “الاستقرار ليس ضمن حسابات إسرائيل أو الولايات المتحدة، بل إن استمرار الفوضى يخدم مشروعاً أوسع لإعادة تشكيل المنطقة وفق توازنات جديدة”.
ويعتبر أن “إسرائيل” تسوّق نفسها قوة مؤثرة ساهمت في إنهاك نظام الأسد عبر استهداف المواقع السورية لضرب وجود إيراني فيها، وتطالب مقابل ذلك بدور سياسي أكبر في أي تسوية مقبلة، في ذات الوقت تستخدم خطاب “حماية الأقليات”، خصوصاً الدروز، لكسب تأييد مجتمعي محلي.
وبحسب عبود، فإن تل أبيب ترفض أي نظام ذي طابع إسلامي في سوريا، حتى لو لم يكن معادياً لها، خشية تغيّر الولاءات، لافتاً إلى أن الغارات الإسرائيلية تنتهك القانون الدولي، لكنها تلقى تجاهلاً دولياً بسبب هشاشة الواقع السوري.
وحول تداعيات التدخل الإسرائيلي، يستبعد عبود اندلاع مواجهة إقليمية، مرجّحاً وجود تفاهمات غير معلنة تديرها واشنطن بين تركيا و”إسرائيل”، مع بقاء الأخيرة الطرف الأكثر نفوذاً داخل الساحة السورية، في ظل غياب موازين ردع فاعلة.