“خنق غزة”.. إغلاق المعابر يعيد المجاعة ويفتك بالسكان

صاحب متجر: عائلات بدأت تلجأ إلى طحن أعلاف الحيوانات، والعدس، من أجل استخدامها في إعداد الخبز.
يعيش سكان قطاع غزة هذه الأيام واحدة من أشد الأزمات الغذائية منذ بداية العدوان، في ظل استمرار إغلاق “إسرائيل” للمعابر الحدودية منذ عدة أشهر، مما فاقم من معاناة أكثر من مليوني فلسطيني محاصرين وأدى إلى نقص حاد في المواد الغذائية الأساسية، وارتفاع جنوني في الأسعار، وسط تحذيرات من كارثة إنسانية وشيكة.
يؤكد مراقبون أن الإغلاق المستمر لمعبر كرم أبو سالم وهو المعبر التجاري الوحيد الذي تدخل من خلاله البضائع إلى القطاع، أدى إلى توقف تدفق المواد الغذائية، خاصة الدقيق والحبوب والألبان، فضلاً عن الأدوية والوقود، مما زاد من الضغوط على الأسر الغزية التي تعاني أصلاً من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
وفي الأسواق، رصد مراسل “الخليج أونلاين” في قطاع غزة، معاناة السكان من غياب الكثير من السلع الأساسية، في وقت لم تعد فيه القدرة الشرائية متوفرة لدى غالبية السكان.
حال الأسواق
وقال أبو محمود عابد، صاحب متجر صغير في حي الشجاعية، إن “أسعار السلع تضاعفت، وبعضها لم يعد متاحًا إطلاقا بسبب سحب السكان للكميات بشكل يومي دون دخول شاحنات من معبر كرم أبو سالم التجاري”.
وأوضح عابد في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن “الدقيق مفقود، والزيت يباع بأربعة أضعاف سعره السابق إن وجد، والناس عاجزة حتى عن شراء الخبز لإغلاق المخابز، وارتفاع أسعار المتوفر”.
وذكر أن “عائلات بدأت تلجأ إلى طحن أعلاف الحيوانات، والعدس، من أجل استخدامها في إعداد الخبز، بسبب فقدان الدقيق من الأسواق، وهي أيام شبيه في الشهور السابقة من المجاعة التي اشتدت على قطاع غزة”.
تحذيرات أممية
من جانبها، حذرت منظمات إغاثية من أن استمرار الحصار ومنع دخول المساعدات الإنسانية سيؤدي إلى تفاقم سوء التغذية لدى الأطفال، الذين باتوا يعانون من ضعف في المناعة ونقص في العناصر الأساسية لنموهم.
كما أكد برنامج الأغذية العالمي في الأراضي الفلسطينية، أن المخزونات الاستراتيجية من المواد الغذائية في القطاع قد شارفت على النفاد.
وحذر البرنامج في تصريح بيان له، من أن قطاع غزة مقبل على وضع كارثي، إذا لم يتم فتح المعابر فورًا، فإن خطر المجاعة سيصبح واقعاً.
وفي ظل هذه التطورات، تناشد مؤسسات دولية ومجتمعية بضرورة الضغط على الحكومة الإسرائيلية لفتح المعابر فوراً والسماح بدخول الإمدادات الغذائية والدوائية، ورفع الحصار المفروض على القطاع، حفاظاً على حياة ملايين المدنيين، لا سيما الأطفال والنساء وكبار السن.
ورغم المناشدات المتكررة، لم تبدِ دولة الاحتلال حتى الآن أية مؤشرات على نية التراجع عن سياسة الإغلاق، ما يُنذر بفصل جديد من المأساة المستمرة التي يعيشها سكان غزة منذ أكثر من 17 عامًا من الحصار.
بدورها، أكدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، أن أهالي غزة محاصرون ويتعرضون للقصف والتجويع مرة أخرى جراء الإغلاق الإسرائيلي لمعابر القطاع للأسبوع السابع على التوالي.
وأوضحت في بيان لها أن “إسرائيل تغلق معابر القطاع للأسبوع السابع على التوالي وتمنع دخول المساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية والتجارية، والأغذية، ولقاحات الأطفال، والوقود إلى غزة” مطالبة بضرورة “إعادة فتح المعابر للسماح بتدفق المساعدات بشكل مستمر، وتجديد وقف إطلاق النار”.
كما أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”، أن قطاع غزة يشهد أسوأ وضع إنساني منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر 2023.
وضع كارثي
مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، حذر من من دخول الوضع الإنساني في القطاع مرحلة الانهيار الإنساني الكامل، بفعل سياسة الحصار والتجويع الممنهجة التي تفرضها قوات الاحتلال الإسرائيلي على المدنيين منذ أكثر من 6 أشهر، وتحديداً مع انقطاع دخول المساعدات الإنسانية بالكامل منذ أكثر من شهر ونصف بشكل متواصل ومتعمّد.
ووأوضح الثوابتة في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن “قطاع غزة اليوم يعيش كارثة إنسانية حقيقية ومجاعة واضحة المعالم، يهدد فيها الجوع حياة السكان المدنيين بشكل مباشر، وفي مقدمتهم أكثر من 1,1 مليون طفل يعانون من سوء تغذية حاد، في ظل غياب الغذاء، وشح المياه، وتدهور المنظومة الصحية بشكل شبه كامل، وحرمان الناس من الحدّ الأدنى من مقومات الحياة.
وقال الثوابتة: “باتت مشاهد الطوابير الطويلة أمام ما تبقى من نقاط توزيع الطعام مشهداً يومياً مأساوياً في جميع محافظات القطاع، في ظل استهداف الاحتلال لأكثر من 37 مركزاً لتوزيع المساعدات، و28 تكية طعام، تم قصفها وإخراجها عن الخدمة، ضمن خطة ممنهجة لفرض سياسة التجويع كأداة حرب ضد المدنيين”.
كما شدد على أن “ما يجري في غزة ليس أزمة عابرة، بل جريمة تجويع منظمة ترتقي إلى جرائم الحرب، ترتكبها قوات الاحتلال بمشاركة وصمت دولي، لا سيما من دول توفر الغطاء السياسي والعسكري للاحتلال في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، التي يعيشها أكثر من 2,4 مليون إنسان فلسطيني في غزة.
وذكر أن “الاحتلال يواصل منع دخول أي شاحنات إغاثة أو وقود إلى غزة، في ظل تكدّس آلاف الشاحنات المحمّلة بالمساعدات عند المعابر منذ أسابيع طويلة دون السماح بوصولها إلى مستحقيها”.
كما أشار إلى أن “هذا الحصار المشدد لا يستثني جانباً من جوانب الحياة اليومية، ويضرب أساسيات البقاء، ما يفاقم من حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها أكثر من 2.4 مليون إنسان في القطاع، وينذر بانهيار شامل غير مسبوق”.