جولة وزير الطاقة الأمريكي.. تعزيز الشراكة الخليجية في زمن التحوّل

– جولة وزير الطاقة الأمريكي تشمل الإمارات والسعودية وقطر
– الهدف الرئيسي من جولة رايت التمهيد لزيارة ترمب وتعزيز التعاون في مجالي الطاقة والاستثمار
في ظل المتغيرات المتسارعة في سوق الطاقة العالمي، تبرز منطقة الخليج العربي كمحور حيوي في إستراتيجية الولايات المتحدة، لا سيما مع تصاعد أهمية النفط والغاز والتكنولوجيا المتقدمة في رسم ملامح العلاقات الدولية.
وفي إطار ذلك يجري وزير الطاقة الأمريكي كريس رايت زيارة رسمية إلى عدد من الدول الخليجية، في أول جولة خارجية له، لتؤكد المكانة المحورية لهذه الدول في معادلة الأمن الطاقي الأمريكي، ولتفتح آفاقاً جديدة للتعاون في مجالات تشمل الذكاء الاصطناعي، واستثمارات الطاقة، والشراكات التكنولوجية طويلة الأمد.
جولة خليجية
وتأتي جولة رايت التي بدأها من الإمارات، في 9 أبريل الجاري، وتستغرق أسبوعين، لتشمل السعودية وقطر، في سياق التحضير لزيارة مرتقبة للرئيس الأمريكي دونالد ترمب، المتوقع أن يقوم بها إلى هذه الدول في منتصف شهر مايو المقبل، بحسب وكالة “رويترز”.
وأشارت التقارير إلى أن الوزير رايت سيناقش خلال محطاته الثلاث سبل ضمان استقرار إمدادات النفط العالمية، كما ستتطرق اللقاءات إلى بحث أوجه التعاون الاستثماري بين الدول الخليجية والولايات المتحدة، لا سيما في ظل تنامي الاستثمارات الخليجية داخل السوق الأمريكي.
وفي بيان صادر عن وزارة الطاقة الأمريكية، أوضح المتحدث الرسمي بن ديتديريتش، في 9 أبريل الجاري، أن زيارة الوزير كريس رايت للشرق الأوسط تأتي في سياق استراتيجي يهدف إلى تعزيز الشراكات مع الدول المنتجة للطاقة، في وقت يشهد فيه الطلب العالمي على الطاقة تزايداً مستمراً.
وأضاف: “رغم تصدّر الولايات المتحدة قائمة الدول المنتجة للنفط والغاز، فإن الحفاظ على استقرار الإمدادات العالمية يتطلب تنسيقاً أوسع مع الشركاء الدوليين، ومن خلال هذه الجولة، يحرص الوزير رايت على فتح آفاق جديدة للاستثمار في السوق الأمريكي، إلى جانب تعميق التعاون في مجالات التكنولوجيا والابتكار لضمان توفير طاقة ميسورة التكلفة ومتاحة للجميع”.
وكان الرئيس ترمب قد أعلن أن أولى زياراته الخارجية ستشمل السعودية والإمارات وقطر، إلى جانب دول أخرى، في جدول زمني قد يبدأ الشهر المقبل أو ربما بعده بقليل، ما يعكس مكانة المنطقة في حسابات الإدارة الأمريكية الجديدة.
دلالات وأهمية الزيارة
ويرى الكاتب والمحلل السياسي قحطان الشرقي أن توقيت زيارة وزير الطاقة الأمريكية قبيل زيارة محتملة لترامب يعكس الأهمية الكبيرة التي توليها الولايات المتحدة لموضوع الطاقة وسلاسل الإمداد، خاصة مع تصاعد ما وصفه بـ”الحرب الاقتصادية” بينها وبين خصومها التقليديين، روسيا والصين، اللتين تعتبران من أكبر منتجي ومستهلكي الطاقة.
ويبين لـ”الخليج أونلاين” أن اعتماد الولايات المتحدة على الشرق الأوسط، وخاصة دول الخليج العربي، يمثل الاعتماد التقليدي في المنطقة، لكن مع رؤية مختلفة بعد تضييق العقوبات على إيران، الحليفة لروسيا والصين.
ولا يستبعد الشرقي أن تكون الزيارة مقدمة لمناقشة خطوات مع الحلفاء الخليجيين لمنع استغلال موضوع الطاقة في حال حدوث اضطرابات في مضيق باب المندب أو اعتداءات إيرانية على ناقلات النفط.
ويعتقد أن هذه الجولة ستؤثر على ملامح الشراكة المستقبلية في مجال الطاقة بين الولايات المتحدة ودول الخليج، وهو تحالف مستمر منذ عقود، وسيستمر لأسباب عديدة، منها شكوك دول الخليج تجاه دوافع إيران في المنطقة واعتبارها عامل عدم استقرار وطموحاتها النووية التي قد تهدد الأمن الإقليمي.
ويلفت الشرقي إلى أن بحث موضوع الطاقة في هذه الظروف يمثل تنسيقاً ضرورياً في ظل أوضاع غير مستقرة، وقد يعكس رؤية أمريكية لنظام دولي جديد يتطلب أمن الطاقة لتحقيق الاستقرار.
واعتبر أن الزيارة جزءاً من هذا النظام الجديد حيث تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على مصالحها ومصالح حلفائها، مؤكداً على الدور الكبير للاستثمارات الخليجية في العلاقات بين البلدين وأهمية الربط بين الملفات الاقتصادية والسياسية والأمنية.
الطاقة والذكاء الاصطناعي
وأكد الوزير رايت بأن الإمارات تُعد شريكاً رئيسياً للولايات المتحدة في مجالات الطاقة والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، مشيراً إلى تنامي التعاون والاستثمارات بين الجانبين.
جاء ذلك خلال زيارته لشركة “أدنوك”، في 10 أبريل الجاري، حيث أشاد بالتطور التقني في قطاع الطاقة الإماراتي.
وأوضح رايت أن جولته الخليجية تشمل دولاً حليفة للولايات المتحدة في قطاع الطاقة، والتي تربطها بواشنطن شراكة راسخة أثبتت قوتها في الأزمات والاستقرار، مع توقعات بتوسّع أكبر مستقبلاً.
وأشار إلى أن الذكاء الاصطناعي أصبح محركاً رئيسياً للطلب على الطاقة، خصوصاً الغاز الطبيعي والكهرباء، مشيداً بريادة الإمارات في دمج هذه التقنيات في قطاعها الطاقوي، ومؤكداً أن التعاون بين البلدين في هذا المجال سيشهد نقلة نوعية، تشمل استثمارات ضخمة من الطرفين.
وحول شركة (XRG) أشار إلى أنها نموذج للشراكة في الطاقة منخفضة الكربون والابتكار التكنولوجي، مؤكداً أن الإمارات والولايات المتحدة تمتلكان مقومات قوية لدعم هذه الشراكات من خلال تدفق رأس المال والتقنيات الحديثة.
كما لفت إلى أن بلاده تعمل على خفض تكاليف الطاقة لتعزيز مستوى المعيشة وتنافسية الاقتصاد، متوقعاً انخفاضاً تدريجياً في أسعار النفط والغاز، دون التأثير على ربحية الشركات، بفضل كفاءة الإنتاج وتراجع الأعباء الحكومية.
وفيما يتعلق بدور الذكاء الاصطناعي في تعزيز التكامل الطاقي، يرى الشرقي أن العقد المقبل سيشهد دوراً كبيراً للذكاء الاصطناعي ليس فقط في التكامل الطاقي بل في مختلف المجالات العالمية.
ويؤكد بأن تقنيات الذكاء ستكون متعددة الاستخدامات وستُسرع الكثير من الخطوات التي كانت تشكل عوائق في الماضي أمام تطوير نظم الطاقة والأمن والتكنولوجيا المستخدمة في جميع أنحاء العالم، خاصة مع النقلة النوعية الحالية في الذكاء الاصطناعي.
علاقات استثمارية راسخة
تربط الولايات المتحدة علاقات اقتصادية واستثمارية متينة مع كل من السعودية والإمارات وقطر، حيث تمثل هذه الدول الثلاث شريكاً إستراتيجياً لواشنطن في مجالات الطاقة والاقتصاد والتكنولوجيا.
وتعود جذور هذه الشراكات إلى عقود من التعاون المستمر، الذي تعزز خلال السنوات الأخيرة عبر استثمارات ضخمة وتبادل تجاري متنامٍ، يعكس مدى الترابط بين الطرفين.
وأعربت الرياض عن تطلعها لتعزيز شراكتها الاقتصادية مع واشنطن، عبر خطة طموحة تهدف لرفع حجم الاستثمارات والتبادل التجاري إلى 600 مليار دولار خلال السنوات الأربع القادمة، مع توقعات بازدياد الرقم حال توفر فرص إضافية.
كما أشار وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، إلى أن حجم استثمارات المملكة الحالية في السوق الأمريكي يتجاوز 770 مليار دولار.
من جانب آخر، أعلن البيت الأبيض في مارس الماضي، عن التوصل إلى اتفاق استثماري جديد مع دولة الإمارات يمتد لعشر سنوات بقيمة 1.4 تريليون دولار.
وجاء هذا الإعلان بعد اجتماع بين الرئيس ترمب ومستشار الأمن الوطني الإماراتي، الشيخ طحنون بن زايد، في المكتب البيضاوي.
وعززت قطر مكانتها كمستثمر رئيسي في قطاعات متنوعة داخل الولايات المتحدة، مما يرسخ مكانتها كشريك اقتصادي فعّال حيث بلغ إجمالي الاستثمارات القطرية في أمريكا أكثر من 250 مليار دولار، شملت مجالات مثل الطاقة، والتطوير العقاري، ومشروعات البنية التحتية.