الاخبار

ما دلالات التصعيد الإسرائيلي العسكري في سوريا؟

تشير المعطيات إلى أن التصعيد الإسرائيلي يهدف لمواجهة النفوذ التركي في سوريا لاسيما العسكري منه

شهدت الأراضي السورية تصعيداً عسكرياً إسرائيلياً كبيراً خلال الأيام الماضية، بلغ ذورته مع قصف استهدف بلدة كويا في ريف درعا الغربي ما أدى لمقتل 7 سوريين.

وبوتيرة شبه يومية تشن “إسرائيل” منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر الماضي، غارات جوية على سوريا مما يؤدي إلى تدمير مواقع عسكرية وآليات وذخائر للجيش السوري الحالي أو السابق.

وتشير المعطيات إلى أن التصعيد الإسرائيلي يهدف لمواجهة النفوذ التركي في سوريا لاسيما العسكري منه، لاسيما أن وسائل إعلام إسرائيلية ذكرت أن الخشية تتزايد في تل أبيب من مواجهة مباشرة مع تركيا في سوريا.

هجمات ممنهجة

وعقب سقوط نظام بشار الأسد وهروبه خلال معركة دمشق في فجر يوم الأحد 8 ديسمبر 2024، لم تمر سِوى ساعات قليلة حتى استغل الجيش الإسرائيلي الفوضى والفراغ الأمني نتيجة الأحداث ووصول سلطة جديدة للحكم في سوريا، وانسحاب قوات النظام المخلوع من المناطق الحدودية، فبدأ بحملة قصف جوي مكثَّف وعنيف على مخازن أسلحة النظام السوري السابق، بالتزامن مع حملة اجتياح برِّي للمنطقة العازلة التي أُنشئت بموجب اتفاقية فك الاشتباك بين سوريا و”إسرائيل”، واحتلال مناطق من ريف القنيطرة وجبل الشيخ.

وزعم جيش الاحتلال حينها أن هذه الحملة العسكرية هدفها منع وقوع هذه الأسلحة بيد ما وصفهم بـ”الإرهابيين”.

وفي 9 ديسمبر الماضي حدد وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس أهدافًا عسكريةً في سوريا، تضمنت الاستيلاء الكامل على المنطقة العازلة والمواقع القريبة، وإقامة منطقة أمنية تمتد إلى ما وراء المنطقة العازلة الخالية من الأسلحة الثقيلة والبنية التحتية الإرهابية، ومنع تهريب الأسلحة الإيرانية إلى لبنان عبر سوريا.

وفي 23 فبراير الماضي، طالب رئيس الوزراء بنيامين نتياهو بنزع السلاح بالكامل في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء.

مخاوف إسرائيلية

لكن هذه الهجمات الممنهجة تخفي خلفها مخاوف إسرائيلية من النفوذ التركي في سوريا، إذ لوح نتنياهو بمواجهة لا مفر منها مع تركيا هناك، ويجري مشاورات أمنية لمناقشة المخاوف بشأن ذلك وفق مصادر إعلامية إسرائيلية.

ولفتت المصادر إلى اتصالات تركية – سورية بشأن تسليم مناطق قرب تدمر (وسط سوريا) للجيش التركي، مقابل دعم اقتصادي وعسكري لدمشق، وأن التحركات التركية المحتملة في تدمر تُثير قلقاً إسرائيلياً كبيراً.

ووفقاً لموقع “والا” فإن النظام السوري الجديد يحاول ترميم قواعد عسكرية وقدرات صاروخية ودفاعية في الجنوب قريباً من “إسرائيل”.

كما أفادت “القناة 12” العبرية أن تقريراً حديثاً للجنة حكومية إسرائيلية أوصى نتنياهو بالاستعداد لحرب محتملة مع تركيا، في ظل مخاوف تل أبيب المتزايدة من تحالف أنقرة مع دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد.

وفيما يبدو رسالة تحذير من تل أبيب إلى كل من دمشق وأنقرة، أعلن الجيش الإسرائيلي (الثلاثاء 25 مارس) تنفيذ غارات جوية على قاعدتين عسكريتين الأولى تقع في تدمر بريف حمص وسط سوريا، والثانية إلى الجنوب الشرقي منها وتعرف برمز “T4”.

وقالت “القناة 12” إن الغارة الإسرائيلية على وسط سوريا دمرت برج مراقبة في “T4″، مما جعل القاعدة غير صالحة للاستخدام.

وعشية الضربات الإسرائيلية على المواقع التي يتوقع أن تمنحها دمشق لأنقرة لإقامة قواعد عسكرية، قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر (الاثنين 24 مارس)، إن بلاده لا تريد مواجهة مع تركيا في سوريا أو بأي مكان آخر.

موقف دمشق

أما هذه التحديات توصف التحركات السورية بأنها لا تزال “خجولة” في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية، الأمر الذي يعزوه مراقبون سوريون إلى التحديثات الداخلية الكبرى من جهة وضعف الإمكانات العسكرية للدولة بشكل عام.

فقد نددت وزارة الخارجية السورية (الثلاثاء 25 مارس) بـ “العدوان الاسرائيلي المستمر” على البلاد، وعدّته “انتهاكا صارخا” عقب الضربات على بلدة كويا في درعا “ما أسفر عن استشهاد ستة مدنيين”.

واعتبرت الخارجية السورية أن هذا التصعيد يأتي “في سياق سلسلة من الانتهاكات التي بدأت بتوغّل القوات الإسرائيلية في محافظتي القنيطرة ودرعا، ضمن عدوان متواصل على الأراضي السورية، في انتهاك صارخ للسيادة الوطنية والقوانين الدولية”.

كما دعت السوريين إلى “التمسك بأرضهم ورفض أي محاولات للتهجير أو فرض واقع جديد بالقوة”.

وأفاد محافظ درعا أنور طه الزعبي بأن مجموعة من الأهالي اشتبكت مع قوة عسكرية اسرائيلية حاولت التوغل في البلدة، مضيفاُ أن الجيش الاسرائيلي ردّ بالقصف المدفعي، والقصف بالطيران المسير.

لكن الضربات الإسرائيلية تلقى إدانات دولية واضحة حيث أدان مجلس الأمن في جلسته عقب هجوم كويا، الهجمات الإسرائيلية ودعا “إسرائيل” للانسحاب من المنطقة العازلة والالتزام باتفاقية فض الاشتباك المبرمة عام 1974.

وأدانت قطر القصف الإسرائيلي بأشد العبارات، واعتبرته تصعيداً خطيراً وانتهاكًا سافراً للقانون الدولي، محذرة من أن الاعتداءات المستمرة من الاحتلال على سوريا ولبنان، واستمرار حربه “الوحشية” على غزة من شأنها تفجير دائرة العنف في المنطقة.

وكانت الخارجية الأردنية أول من ندد بالهجمات الإسرائيلية من جهتها “بأشد العبارات” معتبرة ذلك “انتهاكا صارخا لسيادة ووحدة سوريا، وتصعيداُ خطيراُ لن يسهم إلا بمزيد من الصراع والتوتر في المنطقة”.

ما دلالات التصعيد المتكرر؟

وفي تصريح لـ”الخليج أونلاين” أوضح الكاتب والصحفي إبراهيم الجبين أن “إسرائيل” تسعى إلى رسم حدود نفوذها عبر التصعيد العسكري ضد سوريا، بهدف فرض واقع جديد في المنطقة مضيفاً:

  • تريد “إسرائيل” رسم حدود نفوذها عبر التصعيد ضد سوريا، بهدف خلق واقع جديد يقوم على ضرورة تحويل محافظتي درعا والسويداء (جنوب) إلى منطقة منزوعة السلاح كحال سيناء في مصر.

  • في الوقت ذاته تعمل على اجتذاب الدروز في السويداء بذريعة حمايتهم، وتقديم فرص العمل لبعضهم ممن قبلوا التعاون معها، فيما تتعامل مع أهل درعا وحوران عموماً بأسلوب عسكري مباشر، وصل إلى حد إيقاع قتلى وجرحى.

  • هذا كلّه في سياق صنع علاقة جديدة مع الإدارة السورية بعد المعادلة التي كانت قائمة في زمن الأسد المخلوع، قائمة على التسيّد العسكري والغطرسة، والهروب إلى الأمام من استحقاقات ما بعد حرب غزة.

  • لكن هذا ليس مضموناً دوماً لبنيامين نتنياهو الذي سيواجه هو و”إسرائيل”، تحولات كبرى بمجرد توقف الحرب بشكل نهائي.

  • “إسرائيل” تبحث عن دور في الوضع الجيوسياسي الجديد في الشرق الأوسط، “طوفان الأقصى” وحرب غزة أخرجها من المعادلة في حقيقة الأمر بنفس درجة إخراج إيران وتدمير محورها.

  • لهذا فالإسرائيليون بأمس الحاجة للقول “نحن هنا”، وهم لن يسمحوا لتركيا ودول الخليج العربي والإدارة السورية الجديدة بالعمل منفردين.

  • الخيارات ستكون إما حالة حرب استنزاف طويلة بذريعة تدمير مخزون الأسد العسكري القديم، أو تطبيع قهري لن يتحقق بهذه الطريقة بعد أن اختبر العرب قوة وتأثير رفضهم للمخططات الإسرائيلية والأمريكية.

  • مثال ذلك كان في عدم استجابتهم لمشروع ترامب لتهجير سكان غزة، ورد فعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في النهاية الذي قال إن مشروعه كان مجرد اقتراح وأنه لن يقوم بفرضه بالقوة.

  • من جهة ثانية تود “إسرائيل” التأكد من تنظيف شرق المتوسط من بقايا الوجود الإيراني، وإرسال رسالة إلى طهران بأنهغ قادر على استهداف أي تحرّك في أي لحظة تراها مناسبة ودون مقدّمات أو تفويض أممي.

  • لا شك أن “إسرائيل” لا تريد لتركيا أن تكون دولة جوار، خاصة في ظل العلاقات الوطيدة ما بين أنقرة ودمشق والدعم الكبير الذي قدّمته في عملية إسقاط نظام الأسد البائد.

  • الجيش التركي موجود على الأراضي السورية، والمخابرات التركية تعمل في دمشق، ومؤخراً تم تعيين ملحق عسكري وتردّد حديث عن منح تركيا حق إقامة قواعد عسكرية في المنطقة الوسطى وهذا متغيّر استراتيجي كبير لن يكون الإسرائيليون مرتاحين له.

  • في الوقت الحالي ينتهج الرئيس الشرع سياسة ناعمة تجاه العديد من التحديات، في ملف “قسد” (قوات سوريا الديموقراطية) شمالاً وفي ما يتعلق بالسويداء وكذلك بخصوص الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية.

  • يدرك الجميع أن سوريا بوضعها الحالي غير قادرة على خوض المزيد من الحروب، وغير راغبة بذلك، حكومة وشعباً.

  • في الوقت ذاته، لدى الشرع قناعة بأن كسر “إسرائيل” للحدود ومحاولتها التدخل في سوريا، ليس مسألة سورية محلية وحسب، بل هو تهديد شامل للأمن القومي العربي والإقليمي والدولي.

  • هذا الأمر سيجعل من العديد من دول المنطقة تسارع إلى لجمه ورفضه، ونرى مواقف قطر والسعودية ومصر وتركيا والأردن، تلك الدول التي ستتأثر بقوة بأي تغيير يجري على توازن القوى في المنطقة.

  • لذلك يبدو الخيار الأكثر حكمة هو تذكير “إسرائيل” والمجتمع الدولي باتفاقية فك الاشتباك ووقف إطلاق النار الموقعة في العام 1974، مع تمسّك السوريين بحقهم باسترجاع الجولان المحتل.

  • في كثير من المفاصل التاريخية الحساسة يمكنك الاعتماد على حلفائك للدفاع عن مصالح مشتركة، وهنا يأتي دور الدوحة وأنقرة والرياض وعمّان والقاهرة والدول الأوروبية الحريصة على دعم الإدارة السورية الجديدة واستقرار سوريا والبدء بإعادة الإعمار بعد رفع العقوبات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى