الاخبار

تزايد الوافدين إلى دبي.. ما تأثيراته على سوق العمل والمعيشة؟

– تزايد الوافدين على سوق العمل في دبي تسبب بتزايد التنافس على الوظائف، مما أدى إلى ضغوط على الرواتب واستقرارها.

– النمو السكاني تسبب بارتفاع أسعار العقارات وتزايد المنافسة على المدارس والخدمات الأخرى.

شهدت إمارة دبي في السنوات الأخيرة تدفقاً كبيراً للوافدين الباحثين عن فرص عمل وحياة مرفهة، ما أدى إلى ظهور تحديات وفرص جديدة على حد سواء.

وفي ظل النمو السكاني السريع، أصبح سوق العمل في دبي أكثر تنافسية، مع تأثيرات واضحة على مستويات الرواتب وظروف المعيشة.

ويعكس هذا التدفق المستمر للوافدين نجاح المدينة كمركز اقتصادي وتجاري عالمي، ولكنه يثير في الوقت نفسه تساؤلات حول قدرة البنية التحتية والخدمات على مواكبة هذا النمو، وهذا دفع حكومة دبي لتبنّي استراتيجيات مبتكرة في مجالات العمل، والنقل، والإسكان، مع التركيز على تحسين جودة الحياة للسكان.

الوافدون وسوق العمل

أصبح سوق العمل أكثر تنافسية من أي وقت مضى، مما خلق تحديات جديدة للباحثين عن وظائف وأرباب العمل على حد سواء، وسط تدفق كبير للوافدين والذي ترافق مع ضغوط واضحة على مستويات الرواتب وظروف التوظيف.

وحول ذلك تستذكر شركة التوظيف الرائدة “كوبر فيتش” (Cooper Fitch) حقبة كانت فيها إعلانات الوظائف في دبي تستقطب نحو 100 متقدم فقط، أما اليوم فقد يصل عدد المتقدمين إلى 2000، في ظل التدفق المستمر للأجانب إلى المدينة المعروفة برواتبها المجزية وأنماط حياتها الراقية.

 ونقلت صحيفة بلومبرغ الاقتصادية، في 2 مارس الجاري، عن رئيس الشركة تريفور ميرفي قوله إن هذا التدفق الهائل جعل سوق العمل في دبي “ضحية لنجاحها”، حيث أدى تزايد عدد السكان إلى خلق منافسة شديدة على الوظائف، مما انعكس سلباً على مستويات الرواتب، إذ باتت وفرة المواهب المتاحة تضغط على أرباب العمل لتثبيت الأجور.

وفيما حرصت بعض الشركات على مواصلة منح زيادات كبيرة لبعض موظفيها، إلا أن استطلاعاً أجرته “كوبر فيتش” أظهر أن الرواتب في العديد من القطاعات ستظل ثابتة خلال العام الجاري، وفي المقابل تتوقع دراسة لشركة “ميرسر” (Mercer) ارتفاعاً طفيفاً في الرواتب بنسبة 4%، مع خطط لدى العديد من الشركات لزيادة عدد موظفيها.

ورغم بقاء دبي وجهة جذابة بفضل غياب ضريبة الدخل، فإن الفجوة في الرواتب بينها وبين مدن مثل لندن تتقلص تدريجياً، حيث لم تعد الشركات بحاجة إلى تقديم حوافز مالية ضخمة لجذب الموظفين، بحسب نك أييغبوسي، المدير المساعد في “روبرت والترز”(Robert Walters) بالشرق الأوسط.

تغيرت الصورة مقارنة بالماضي القريب، عندما كان العاملون في الخدمات المهنية في لندن يحصلون على زيادات كبيرة ومزايا سخية مثل تغطية السكن والتعليم عند انتقالهم إلى دبي، لكن غياب الضرائب هو الحافز الأساسي، في وقت تتقلص فيه الفجوات المالية.

ومع تزايد انتقال المواهب من المملكة المتحدة إلى دبي، يشهد سوق العمل ضغوطاً متزايدة، مما يعزز من حدة التنافس على الفرص المتاحة.

جاذبية دبي الوظيفية

ويرى الخبير الاقتصادي جلال بكار أن جاذبية سوق دبي للعمالة المتوسطة والمحترفة أمر طبيعي، لافتاً إلى ضرورة وضع أطر وقوانين محددة لتنظيم هذا الاستقطاب، بما يضمن عدم إغراق سوق العمل بأكثر مما يحتاجه من هذه الفئات.

ويبين بكار في حديثه مع “الخليج أونلاين” أن دولة الإمارات، ودبي تحديداً، لطالما كانت سباقة في دعم العمالة داخل الدولة، مؤكداً ضرورة وجود قوانين تحدد القدرة المعقولة على استقبال العمالة واحتياجات سوق العمل الإماراتي من العمالة المتوسطة والمحترفة.

ويحذر الخبير الاقتصادي من أن تجاوز نسبة العمالة 10% من احتياجات سوق العمل سيؤدي إلى التضخم، حيث سيرتفع الطلب على العمل من قبل عمالة غير متوفر لها فرص، مما يؤدي إلى تضخم أعلى من المعدلات الطبيعية.

ويؤكد بكار أهمية دراسة المخاطر في هذا القطاع، معرباً عن اعتقاده بأن قوانين العمل وحقوق العمال في الإمارات مدروسة جيداً، لكنه يحذر من أن الإقبال الكبير على سوق العمل قد يسبب بعض المخاطر الاستراتيجية على المدى المستقبلي.

1

تحديات وضغوط معيشية

وبرز انتعاش دبي الاقتصادي بوضوح وجلاء بعد الجائحة، مع تزايد جاذبية الإمارة الخليجية كوجهة استثمارية عالمية، وأصبحت مقصد الأثرياء وكبار رجال الأعمال في العالم.

وتشير صحيفة اقتصاد الشرق بتقرير نشرته، في أكتوبر 2024، إلى أن تدفق المغتربين الباحثين عن وظائف برواتب عالية أسهم في تعزيز الاقتصاد الذي يقترب من 115 مليار دولار، لكنه في الوقت نفسه كشف عن التحديات المرتبطة بالبنية التحتية.

وتواجه دبي ضغوطاً متزايدة لاستيعاب التوسع السكاني مع وصول عدد السكان إلى 3.8 ملايين نسمة، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 5.8 ملايين بحلول 2040.

ساهم هذا النمو في تعزيز أداء الأسواق، إذ تصدّر مؤشر دبي القياسي قائمة الأفضل عالمياً هذا العام، مدفوعاً بجهات حكومية مثل “بنك الإمارات دبي الوطني”، و”سالك”، و”هيئة كهرباء ومياه دبي”، ومع ذلك فإن لهذا الازدهار الاقتصادي تكلفة واضحة.

وارتفعت أسعار العقارات بشكل لافت بسبب الطلب المتزايد، حيث قفزت إيجارات الفلل بنسبة 86% منذ بداية الجائحة، ومع تزايد أعداد المحامين والمصرفيين الجدد تصاعدت المنافسة على السكن المتميز والقبول في المدارس الخاصة.

ورغم أن وسائل النقل العام ما تزال محدودة، تعمل الحكومة على مشاريع ضخمة مثل توسيع شبكة المترو بقيمة 5 مليارات دولار، وإنشاء شبكة صرف صحي بقيمة 8.2 مليارات دولار.

ويعد مركز دبي المالي العالمي المحرك الرئيسي لهذا النمو، إذ ارتفع عدد العاملين فيه بنسبة 70% خلال السنوات الخمس الماضية، مع انتقال بنوك عالمية مثل “ستيت ستريت” وشركات تحوط كبرى مثل “ميلينيوم مانجمنت”، كما بلغت نسب إشغال المكاتب 91% في الربع الثاني، مما يعكس النشاط الاقتصادي المتزايد.

وترك هذا النمو السكاني الكبير تأثيرات مباشرة على الحياة اليومية، من الازدحام المروري الذي يعيق التنقل بين دبي والإمارات المجاورة، إلى جانب المنافسة الشديدة على المدارس، حيث ارتفعت معدلات التسجيل بنسبة 8% حتى 2024.

وفي ظل قوائم الانتظار الطويلة، يضطر بعض السكان للانتقال إلى إمارات قريبة مثل الشارقة للبحث عن خيارات سكن أكثر ملاءمة.

خطط وحلول مبتكرة

في إطار ذلك تواصل دبي العمل على خططها طويلة المدى، مثل “المخطط الحضري 2040” و”أجندة دبي الاجتماعية 33″، بهدف جعلها أكثر استدامة وتعزيز جودة الحياة.

ومع استمرار جذب الاستثمارات والسياحة، تستعد المدينة لمواجهة تحديات النمو السريع عبر تطوير بنيتها التحتية ودعم الخدمات الاجتماعية.

وبفضل سياسات مرنة ورؤية مستقبلية، تواصل دبي السعي لتحقيق التوازن بين جذب الكفاءات العالمية وتوفير بيئة مستدامة تواكب تطلعات سكانها.

وتعمل حكومة دبي على اعتماد حلول مبتكرة، مثل التوسع في العمل عن بُعد، وطرح ساعات عمل مرنة، إضافة إلى تعزيز وسائل النقل العام عبر توسيع شبكة المترو، وإطلاق مشاريع تكنولوجية مستقبلية مثل التاكسي الطائر، في محاولة لموازنة النمو السكاني السريع مع الحفاظ على جودة الحياة في المدينة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى