مؤتمر مكة.. خطوة مهمة نحو التقارب المذهبي ونبذ الطائفية

– مؤتمر “بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية” يعكس توجهات السعودية في دعم التقارب المذهبي وتعزيز الوحدة الإسلامية.
– يتبنى المؤتمر مبادرات علمية وفكرية تهدف إلى تجاوز الخلافات وبناء مجتمع إسلامي متماسك.
في ظل التحديات التي تواجه العالم الإسلامي، برزت الحاجة الملحة إلى تعزيز الحوار والتفاهم بين مختلف المذاهب الإسلامية، خاصة مع تصاعد الخطاب المتشدد الذي أدى إلى تأجيج الصراعات والانقسامات داخل المجتمعات الإسلامية.
من هذا المنطلق، جاء انعقاد المؤتمر الدولي “بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية” في المملكة العربية السعودية ليشكل للعام الثاني على التوالي؛ محطة مهمة في مسار التقريب بين المذاهب وتعزيز قيم التسامح والتعايش.
المؤتمر وفرّ منصة للحوار البنّاء بين علماء ومفكري الإسلام من مختلف الاتجاهات، مؤكداً على ضرورة التركيز على القواسم المشتركة ونبذ الفرقة.
دعم التقارب المذهبي
وشهدت مكة المكرمة يومي 6 و7 مارس الجاري، انعقاد أعمال النسخة الثانية من المؤتمر الدولي “بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية”، الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي برعاية الملك سلمان بن عبد العزيز، وبمشاركة كبار علماء ومفتي الأمة الإسلامية.
يعكس المؤتمر توجهات السعودية في دعم التقارب المذهبي وتعزيز الوحدة الإسلامية، عبر مبادرات علمية وفكرية تهدف إلى تجاوز الخلافات وبناء مجتمع إسلامي متماسك.
أبرز القرارات الصادرة عن المؤتمر:
-
اعتماد الخطة الاستراتيجية لوثيقة “بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية”، وتتضمن 28 بنداً كأساس للعمل الإسلامي المشترك علمياً وفكرياً.
-
إقرار “المجلس التنسيقي بين المذاهب الإسلامية” للإشراف على تنفيذ الوثيقة وتفعيل بنودها في المجتمعات المسلمة.
-
تبنّي “موسوعة المؤتلف الفكري الإسلامي”، التي أعدها مركز الحماية الفكرية بوزارة الدفاع السعودية، بهدف تعزيز العلاقات بين المذاهب وفق مفهوم المشترك الإسلامي.
-
دعم صمود الشعب الفلسطيني، وتشكيل وفود من علماء الوثيقة لحشد الدعم العالمي للقضية الفلسطينية.
-
التأكيد على احترام التنوع الإسلامي، واعتماد الحوار البنّاء في معالجة الخلافات بعيداً عن التكفير والتناحر.
-
التحذير من تصاعد السجالات الإعلامية الحادة، والدعوة إلى تعزيز الوعي الإسلامي المعتدل ومكافحة الطائفية والانقسام.
-
إطلاق جائزة سنوية تكافئ الأفراد والمؤسسات التي تسهم في تحقيق أهداف “وثيقة بناء الجسور”، لترسيخ ثقافة التسامح والتقارب بين المذاهب.
-
التأكيد على أهمية المشاريع الفكرية والعلمية التي تعزز التضامن الإسلامي، لمواجهة التحديات والتصدي لمحاولات زرع الفتن بين المسلمين.
أبعاد وآثار المؤتمر
كتّاب رأي تناولوا في مقالات بصحف سعودية أهمية تعزيز الحوار بين الطوائف المختلفة، والتأكيد على أهمية المؤتمر وأبعاده آثاره التي تصب في صالح تقريب وجهات النظر ما يدعم إرساء السلام في العالم.
في مقال “بناء الجسور الإسلامية.. امتداد للجسور العالمية” بصحيفة “المدينة” أشادت الكاتبة فاتن محمد حسين بأهداف المؤتمر في مواجهة “التشرذم المذهبي والطائفي، الذي يعيق فرص التعايش”.
دعت فاتن إلى إصدار قوانين تجرّم الأفراد والجهات التي تروّج للطائفية، لما لذلك من تأثير سلبي على وحدة الأمة الإسلامية.
وأكدت أن جهود المملكة في هذا المجال تعكس الصورة المشرقة للإسلام، مستشهدة بقرار الأمم المتحدة حول مكافحة “الإسلاموفوبيا”.
بدوره شدد الكاتب محمد علي الحسيني في بصحيفة “عكاظ” حمل عنوان “رابطة العالم الإسلامي ومكافحة الطائفية”، على خطورة الطائفية في إضعاف المجتمعات الإسلامية وإدامة الصراعات التاريخية.
والحسيني نوّه بجهود رابطة العالم الإسلامي، بقيادة الشيخ محمد العيسى، في مكافحة التطرف ومد جسور التواصل بين الطوائف الإسلامية.
وأكد أن ما صدر عن المؤتمر يعدّ خطوة رائدة في تعزيز الحوار والاعتدال، ويمثل خريطة طريق لمواجهة التعصب والتطرف.
بدوره ركز الكاتب عبدالله عبد الكريم السعدون، في مقال بصحيفة “الرياض” بعنوان “بناء الجسور”، على أهمية المصالح الاقتصادية في تقوية العلاقات بين الدول الإسلامية وتعزيز الاستقرار.
ودعا السعدون إلى التركيز على مفهوم “المواطنة” كقاعدة لوحدة المجتمعات، بدلاً من الانتماءات المذهبية أو القومية، لضمان المساواة والعدالة بين المواطنين.
مذاهب سياسية
يعتقد الباحث حارث سيف، بأن العالم الإسلامي لا يحتاج إلى أن تكون هناك جسور بين مذاهبه الإسلامية؛ لأن هذه المذاهب هي كيان واحد بالأساس، وتنبثق عن الدين الإسلامي الحنيف.
ويستدرك سيف موضحاً “ولكن للأسف فإن تلك المذاهب سرقتها تيارات سياسية، فأصبحت مذاهب سياسية أكثر منها تيارات دينية”.
يبين خلال حديثه لـ”الخليج أونلاين” أن العالم الإسلامي اليوم “في أمسّ الحاجة إلى الوحدة وتقوية الأواصر بين مختلف المذاهب والتيارات الفكرية، فضلاً عن النهوض بالأمة الإسلامية، خاصة فيما تعانيه الأمة من اضطهاد وتمزق وتكالب الدول العظمى عليها، والوضع الخطير الذي تعايشه القضية الفلسطينية”.
وأشار إلى أن “العالم الإسلامي يتمركز في أهم موقع في العالم، حيث إنه يتحكم بممراته التجارية، سواء البرية أو البحرية أو الجوية، ويمتلك العديد من الموارد الطبيعية”.
ويلفت سيف إلى أن العالم الإسلامي يستند إلى تاريخ عميق ومبادئ قيمة، وأن “هذه المقومات تجعل العديد من القوى العالمية تسعى لتدميره؛ وأفضل طريقة لتدمير العالم الإسلامي هي تدميره من الداخل، وذلك من خلال تعزيز نزعات التشرذم والاختلاف”.