جنيف جديدة.. “الخليج” موطن لفض النزاعات وصناعة السلام الدولي

المحلل السياسي مسار عبد المحسن راضي:
– دور الوساطات الدبلوماسية الخليجي يؤكد أن دول الخليج تمتلك بيئة آمنة للأسرار والصفقات السياسية.
– دور الوساطة الخليجية اعتراف ضمني بأهمية استقرار دول الخليج العربي في شرق أوسط مضطرب.
من خلال جهودها الدؤوبة لتعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي، باتت دول الخليج تلعب دوراً محورياً في تقريب وجهات النظر وتسوية النزاعات.
تحركاتها المدروسة جعلت من الدول الخليجية تنجح في ترسيخ مكانتها بصفتها وسيطاً دولياً موثوقاً، حيث أضحت منطقة الخليج أشبه بجنيف جديدة، تستضيف الحوارات البناءة وتعمل على حل الأزمات المعقدة.
وعززت الدول الخليجية سمعتها وسيطاً عادلاً ومتزناً، مؤكدة قدرتها على الجمع بين الأطراف المتصارعة وإيجاد حلول توافقية، لتتحول إلى موطن لصناعة السلام الدولي.
في هذا الشأن يؤكد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، جاسم البديوي، أن دول المجلس تبذل دوماً جميع الجهود لتحقيق الأمن والسلم الإقليمي والدولي.
ولفت البديوي، خلال مشاركته في مؤتمر ميونخ للأمن الـ 61 الذي عقد أخيراً، إلى أن مصداقية دول الخليج عززت دورها كوسيط موثوق في العديد من الملفات والقضايا العالمية.
الوساطات الدولية
دولة قطر كانت لها تحركات فاعلة في مجال الوساطة، طالما أثمرت عن نجاحات في تهدئة النزاعات وتبادل المحتجزين.
كان أحدث ما تبنته قطر في هذا الخصوص ما نتج عنه التوصل إلى اتفاق بين “إسرائيل” وحركة “حماس” لتبادل الأسرى والمحتجزين، ووقف إطلاق النار في غزة؛ مما ساهم في تخفيف حدة التصعيد في المنطقة.
تبادل نحو 3 آلاف أسير
الإمارات بدورها حققت نجاحات بارزة مؤخراً في عمليات تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا؛ مستغلة ثقل علاقاتها مع كل من موسكو وكييف.
وعلى الرغم من أن قطر تساهم من خلال وساطاتها بين موسكو وكييف في التخفيف من التوتر بين البلدين، ونجحت في جمع عشرات الأطفال الأوكرانيين والروسيين بأسرهم، لكن دور أبوظبي يبرز بشكل أكبر في مجال تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا.
النجاح الذي حققته أبوظبي ساهم في تعزيز صورة الإمارات بوصفها دولة قادرة على التفاوض مع الأطراف المتنازعة للوصول إلى حلول سلمية.
والاثنين 17 فبراير الجاري زار الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي أبوظبي. وقال إنه ناقش مع رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد، إعادة أوكرانيين محتجزين لدى روسيا، بحسب وكالة “وام”
وبلغ العدد الإجمالي للأسرى الذين جرى تبادلهم بين روسيا وأوكرانيا بوساطة إماراتية نحو 2.883 أسيراً، في 12 عملية وساطة.
ولا يمكن الحديث عن الوساطات الخليجية دون التطرق إلى دور سلطنة عُمان ومساعيها في تقريب وجهات النظر، خاصة في تخفيف حدة التوتر بين إيران والولايات المتحدة.
فضلاً عن ذلك كان لعُمان دور حيوي في تسهيل المفاوضات اليمنية، مما عزز من فرص إحلال السلام بالمنطقة.
كان أحد هذه الوساطات ما نتج عنه أفراج مليشيا “الحوثي” أخيراً عن السفينة “جلاكسي ليدر” وطاقمها بعد أكثر من عام على احتجاز السفينة.
لقاء القمة في الرياض
دول الخليج لم يعدّ دور وساطاتها مقتصراً على النزاعات التقليدية؛ بل أخذت تشمل التوسط في صراعات جيوسياسية كبرى، جامعة أكبر خصمين تقليديين في العالم، متمثلاً بالولايات المتحدة وروسيا.
كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كشف أخيراً ان السعودية ستكون موقعاً يجمعه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في مسعى لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
قمة ترامب – بوتين المنتظرة، التي رحبت باستضافتها الرياض، تؤكد ان السعودية باتت لاعباً دبلوماسياً مؤثراً ولها دور في رسم ملامح جديدة للسلام في أوروبا والعالم.
استقرار في بيئة ملتهبة
في حديثه لـ”الخليج أونلاين” حول الوساطات الخليجية يرى المحلل السياسي مسار عبد المحسن راضي، أن أدوار الوساطة التي تتبناها الدول الخليجية تثبت تمتعها باستقرار، لكنه يحذر من الاضطراب الذي تعيشه المنطقة.
بداية يقترح راضي يافطة للسياسة الخارجية لدول الخليج العربي عنوانها “احفر بئر مشكلة في العالم فالحل سيتدفق هنا”، مذكراً بما كتبه الكاتب والصحافي البريطاني باتريك سيل، الذي كتب كثيراً عن سوريا، حيث “نصح الدول العربية قبل عقود بأن تلتفت إلى قضايا العالم”.
يواصل راضي مسلطاً الضوء على الواقع الدبلوماسي الخليجي موضحاً “اليوم، دول الخليج العربي لم تعُد مجرَّد رمال و نفط في المخيَّلة العالمية”.
ويضيف: “دور الوساطات الدبلوماسية الذي لعبته الدول الخليجية، وما زالت، يؤكد أنها تمتلك بيئة آمنة للأسرار والصفقات السياسية، كما أن دور الوساطة الذي تقوم به هو اعتراف ضمني بأهمية استقرار دول الخليج العربي في شرق أوسط مضطرب”.
يتطرق المحلل السياسي إلى ما تحقق من نجاحات في الوساطات الخليجية على مستوى العالم، مبيناً “النجاح في كابُل، كييف، موسكو، طهران، وواشنطن يؤكد أن ساعتها الدبلوماسية صالحة لدوران أميال من الحلول”.
ويواصل: “تبقى دول الخليج العربي بحاجة ماسَّة إلى ضبط دبلوماسي لنفوذ الدول الإقليمية المؤثرة في توازنات الشرق الأوسط والمشرق العربي لكي لا تُستهلك طاقة حِراكها السياسي وفق أجندات الأمن القومي لتلك القوى التي تبحث عن دورٍ لها في عالم متعدد الأقطاب”.
ويحذر من أن “السماح لأيَّة قوة إقليمية مؤثرة بأن تحوّل المشرق العربي مثلاً إلى حائط إعلاني لأمنياتها السياسية لن يُبقي مرونة دبلوماسية في مفاصل السياسة الخارجية لدول الخليج العربي”.
على المستوى العالمي يقترح راضي على دول الخليج العربي أن “تستضيف جلسات عصف ذهني لمثقفين وكتاب عرب وعالميين لبحث الحلول والتوازنات الممكنة في مناطق العالم المبتلاة بالأزمات”.
وشدد على ضرورة أن تجد تلك الأفكار طريقها إلى فضاء الرأي العام العربي و العالمي، مضيفاً “فقط لُنرخي العنان لذلك ونتخيل إن كانت الصناديق الدبلوماسية العربية ستنفد أبداً بعد ذلك”.