هل أصلحت محادثات الرياض العلاقات الروسية الأمريكية؟

الاجتماع على مستوى وزيري خارجية روسيا وأمريكا هدف إلى إصلاح العلاقات المتوترة بين واشنطن وموسكو
مرت العلاقات الأمريكية الروسية بمراحل متقلبة ومتفاوتة وفق الظروف وبحسب ما تقتضيه المصالح والأهداف، لكن لطالما سيطر طابع الصراع عليها منذ نهايات الحرب العالمية الثانية.
وتمتد مناطق التشابك بين روسيا والولايات المتحدة من أوروبا الشرقية إلى الشرق الأوسط وصولاً إلى أفريقيا، حيث تتصادم المصالح بين الدولتين فيها بشكل متفاوت الحدة، ولكن تحتل منطقة أوروبا الشرقية أهمية قصوى في هذا الصراع على مر التاريخ، باعتبارها امتداد حيوي لروسيا في أوروبا.
كما تعتبر الأزمة حول أوكرانيا حالياً نقطة مهمة في هذا التوتر العميق وذو تداعيات كبيرة، لكن مع تمكن السعودية من جمع موسكو وواشنطن على طاولة حوار واحدة، يبقى التساؤل إلى أي حد انحسرت حدة الأزمة بينهما أو هل انتهت فعلياً، وهو ما يجعل للمملكة دوراً كبيراً في إنهاء أكبر الأزمات العالمية.
الرياض نهاية الخلاف
واحتضنت العاصمة السعودية الرياض اجتماعاً هاماً (18 فبراير 2025) برئاسة وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأمريكي ماركو روبيو، هو الأول منذ غزو موسكو لأوكرانيا عام 2022، وهو بمثابة انقلاب كامل للسياسة الأمريكية السابقة منذ بدء الحرب.
ويهدف الاجتماع إلى إصلاح العلاقات بين البلدين وبحب سبل وقف الحرب على أوكرانيا، في خطوة تشكل نقطة تحول مذهلة في العلاقات بينهما عقب المكالمة الهاتفية التي جرت منتصف فبراير الجاري بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين.
كما تعد محادثات الرياض خطوة محورية من قبل إدارة ترامب لإنهاء سياسة عزل روسيا، كما تمهد الطريق لاجتماع مرتقب بين ترامب وبوتين.
ووصف ترامب المحادثات في السعودية بـ”الجيدة” و”الإيجابية” مشيراً إلى أنه قد يجتمع مع بوتين قبل نهاية الشهر الجاري، كما اعتبرها الكرملين “خطوة أولى نحو تسوية سلمية في أوكرانيا”.
وبحسب وزارة الخارجية الأمريكية فإن روبيو اتفق مع لافروف، على إنشاء آلية تشاور لإصلاح العلاقات الروسية الأمريكية وتعيين سفراء بين البلدين، معربة عن شكرها للمملكة بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود على استضافة المحادثات.
تعزيز دور السعودية
يؤكد الباحث عبد العزيز العنجري، المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز “ريكونسنس” للبحوث والدراسات، أن استضافة السعودية لهذا الاجتماع يعد “نجاحاً لولي العهد محمد بن سلمان في إعادة رسم صورة بلاده وتحولها إلى لاعب دبلوماسي رئيسي في القضايا الدولية” مضيفاً لـ”الخليج أونلاين”:
-
هذه الخطوة ستأتي مع تعزيز دور السعودية كوسيط محايد في النزاعات، كما برز في عمليات تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، وكذلك بين الولايات المتحدة وروسيا.
-
هذا الدور المتنامي للمملكة يأتي في سياق تغيرات جيوسياسية أضعفت قدرة القوى الغربية على احتكار إدارة الأزمات، ما جعل السعودية خياراً طبيعياً وليس بديلاً اضطرارياً.
-
أدى تصاعد التوتر بين روسيا والغرب بسبب الحرب في أوكرانيا إلى تقليص المساحات الدبلوماسية المحايدة، في حين حافظت السعودية على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف، مما منحها القدرة على استضافة محادثات بهذا المستوى.
تكلفة ثقيلة
وأحيا الغزو الروسي لأوكرانيا ذكريات الحرب الباردة بين واشنطن والاتحاد السوفيتي التي استمرت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 وحتى أفول شمس السوفيت عام 1990 وانتصار الولايات المتحدة.
ويوصف غزو أوكرانيا بأنه ترجمة لطموحات بوتين بإعادة الهيمنة الروسية، خصوصاً بعد تحذيرات من اندلاع حرب عالمية ثالثة ثم تهديد الرئيس الروس باستخدام السلاح النووي، في مقابل حصول أوكرانيا على ضوء أخضر في نوفمبر الماضي من واشنطن لاستخدام الصواريخ الأمريكية لاستهداف العمق الروسي قبيل تولي ترامب الرئاسة.
كما قال ترامب بالتزامن مع محادثات الرياض (18 فبراير) إن الحرب في أوكرانيا يمكن أن تقود إلى حرب عالمية ثالثة، وإنه يريد أن يوقفها وينقذ ملايين الأرواح، مشيراً إلى أن بلاده دفعت مليارات الدولارات خلال 3 سنوات من الحرب لصالح كييف.
وحالياً تسيطر روسيا على نحو 20٪ من جنوب شرقي أوكرانيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم وأجزاء كبيرة من مناطق دونيتسك ولوهانسك وخيرسون وزابوريجيا.
لكن في المقابل، عانت موسكو من تداعيات الحرب خصوصاً اقتصادها حيث ارتفع التضخم وانخفاض الروبل، بسبب زيادة الإنفاق العسكري إلى أكثر من 200 مليار دولار والعقوبات الدولية عليها.
وعقب مباحثات الرياض، قرر الاتحاد الأوروبي (19 فبراير) فرض الحزمة الـ16 من العقوبات الجديدة ضد روسيا، تستهدف صادراتها من الألومنيوم والنفط، إلى جانب سلسلة طويلة من العقوبات تشمل مبيعات الأسلحة واستبعاد البنوك العامة الروسية من القطاع المالي الأوروبي، وحظر بيع التقنيات الحساسة المستخدمة في قطاعي النفط والغاز.
ولا يوجد أرقام محددة لخسائر الاقتصاد الروسي، لكن في المقابل قال رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي كيريل ديمترييف (18 فبراير 2025)، إن “الشركات الأمريكية تكبدت خسائر تزيد عن 300 مليار دولار بسبب انسحابها من السوق الروسي”.
وبالنسبة لأمريكا فقد كشف تقرير صادر عن المفتش العام في وزارة الدفاع الأمريكية في نوفمبر الماضي، عن وصول إجمالي المساعدات المالية التي خصصها الكونغرس لأوكرانيا منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية إلى 182 مليار دولار.
خطوة إيجابية
تعليقاً على فرص نجاح مفاوضات الرياض، يقول الكاتب والمحلل السياسي محي الدين السلطان، إنه “من السابق لأوانه الجزم في هذا الأمر”، مرجعاً ذلك إلى وجود ملفات “كثيرة ومتشعبة غير أزمة أوكرانيا التي بكل شك تتسيد المفاوضات” ومع ذلك يؤكد لـ”الخليج أونلاين” بالقول:
-
مجرد أن الطرفين التقيا على طاولة مفاوضات لأول مرة منذ بدء الحرب، فهي خطوة إيجابية خصوصاً وأنها جاءت مع وصول ترامب للحكم والذي يبدوا أن لديه رغبة جادة في حل الكثير من الخلافات بين البلدين.
-
في حال مضى الطرفين في تنفيذ مخرجات الحوار، فإننا قد نشهد بداية حقيقية لوقف حرب أوكرانيا حتى لو اعترض رئيسها فولوديمير زيلينسكي على ذلك، فلن يكون بيديه الكثير لرفض ذلك.
-
يمكن القول إن روسيا ربما المستفيد الأكبر، لأن واشنطن سترفع العقوبات عنها وسيساعدها في التقليل من الخسائر الاقتصادية.
-
الاقتراح الأمريكي برفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بعد عمليات طرد متبادلة بدأت عندما استخدمت روسيا غاز أعصاب على الأراضي البريطانية ضد الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال في 2018، يعد بادرة مميزة للمضي نحو حل الخلاف.
-
اختيار السعودية لعقد المفاوضات يؤكد مدى أهمية ما تقوم به القيادة السعودية في سبيل إثبات قدرتها على تقديم نفسها كوسيطة دولية في أكبر الملفات تعقيداً في العالم، وما ساعد في ذلك احتياج الطرفين للرياض في قضايا مختلفة.