الاخبار

الخليج بين الوفرة والفرص.. كيف تستيقظ الإمكانات الكامنة؟

– يمكن لدول الخليج إضافة 2.8 تريليون دولار إلى اقتصادها خلال العقد المقبل

– الفرص الخليجية الضائعة تتمثل في ضعف الاستثمار بالبحث العلمي، وارتفاع العمالة غير الماهرة، وغياب التكامل الكامل بين الدول الخليجية

– يمكن تعزيز النمو عبر توحيد السياسات الاقتصادية، وزيادة الإنفاق على التكنولوجيا والابتكار، ودعم القوى العاملة المحلية ببرامج تأهيل متقدمة.

تُعد دول مجلس التعاون الخليجي من بين أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، مستفيدةً من عائدات النفط والغاز والتحول الاقتصادي الذي تقوده منذ سنوات.

لكن تقرير جديد لـ”مؤشر الإمكانات الإنتاجية” (PPI)، الصادر في 12 فبراير 2025، عن القمة العالمية للحكومات ومركز الفكر الاستراتيجي التابع لشركة “Strategy&”، كشف عن إمكانات اقتصادية ضخمة غير مستغلة يمكن أن تضيف 2.8 تريليون دولار إلى اقتصاد المنطقة خلال العقد المقبل.

وتوقع التقرير أن يتسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي من 3.5% سنوياً إلى 6% خلال السنوات العشر القادمة.

وذكر أنه إذا قامت جميع الدول الخليجية بتحسين مؤشرات الإنتاجية لديها، فإن ذلك يمكن أن يعزز الاقتصاد العالمي بمقدار 87 تريليون دولار.

وحسب بيانات التقرير، تصدرت السعودية دول الخليج بمعدل إنتاجية يبلغ 69.3 دولاراً لكل ساعة عمل.

وجاءت الكويت في المرتبة الثانية بـ60.8 دولاراً لكل ساعة عمل، وسجلت قطر 57.2 دولاراً، أما البحرين فسجلت 56.9 دولاراً، والإمارات 48.7 دولاراً.

وفي جانب آخر أحرزت البحرين وقطر والسعودية والإمارات مراكز ضمن أفضل 10 دول عالمياً في ركيزة “رأس المال المادي”، مما أضاف 22-24 دولاراً لكل ساعة عمل إلى إمكانات الإنتاجية لديها.

و”رأس المال المادي” يشير إلى البنية التحتية المتطورة، والمعدات الحديثة، والتقنيات المطبقة بكفاءة، والتي تسهم جميعها في تعزيز الإنتاجية.

ويوصلنا هذا التقرير إلى استنتاج أنه رغم الإصلاحات الاقتصادية والاستثمارات الضخمة في قطاعات متنوعة، لا تزال هناك فجوات إنتاجية تعيق تحقيق أقصى استفادة من الموارد المتاحة بدول الخليج.

وتُحدد الإمكانات غير المستغلة في اقتصادات الخليج عبر عدة محاور رئيسية تشمل رأس المال البشري، والابتكار، وتحسين بيئة الأعمال، والاستثمار في القطاعات غير النفطية، وتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي.

رأس المال البشري

يُعتبر الاستثمار في رأس المال البشري أحد المفاتيح الرئيسية لتعزيز الإنتاجية.

ووفقاً لتقرير حديث للبنك الدولي، فإن 45% من القوى العاملة في دول الخليج تشغل وظائف منخفضة المهارة، مما يؤثر على مستويات الإنتاجية.

وهذا يعود إلى ارتفاع نسبة العمالة الوافدة التي تعمل في وظائف متدنية الإنتاجية، حيث تُشكل العمالة الوافدة أكثر من 80% من إجمالي القوى العاملة في بعض دول الخليج، مثل الإمارات وقطر، حسب التقرير نفسه.

إضافة إلى أن نقص الكفاءات في القطاعات التقنية والابتكارية، يدفع بعض الشركات للاعتماد على الاستيراد الخارجي بدلاً من توظيف الكفاءات المحلية.

الابتكار والبحث العلمي

وفقًا لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، الصادر في العام 2023، لا تزال دول الخليج متأخرة في مؤشرات البحث والتطوير، حيث لا يتجاوز متوسط إنفاقها على البحث العلمي 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بمتوسط عالمي يبلغ 2.2%.

وبدأت دول الخليج وضع معالجات لهذه المشكلة بالسنوات الأخيرة لكنها لم تصل بعد إلى الاستغلال الأمثل لكافة الإمكانيات في مجال البحث العلمي.

بيئة الأعمال والاستثمار

ورغم التحسن الكبير في مناخ الأعمال في دول الخليج خاصة بالعقد الأخير، إلا أن بعض التحديات لا تزال تعيق الاستثمارات الأجنبية.

وتصنف بعض دول الخليج ضمن الدول التي تحتاج إلى إصلاحات في تسهيل الإجراءات الحكومية المرتبطة ببدء الأعمال والاستثمار، وفق تقرير لصحيفة ” فايننشال تايمز” البريطانية منشور في ديسمبر 2023.

كما أن الإنفاق الحكومي يشكل المصدر الرئيسي لدعم القطاع الخاص، مما يحد من قدرته على التنافس في الأسواق العالمية، كما أفاد التقرير ذاته.

التكامل الخليجي

ورغم وجود سوق خليجية مشتركة واتحاد جمركي، لا يزال التكامل الاقتصادي الخليجي يعاني من بعض العوائق التي تعرقل تحقيق أقصى استفادة من الإمكانات الاقتصادية المشتركة.

ومن أبرز هذه العوائق ضعف التجارة البينية بحجمها لا يتجاوز 10% من إجمالي التجارة الخارجية لهذه الدول، مقارنة بالاتحاد الأوروبي حيث تتجاوز النسبة 60%، وفق بيانات منظمة التجارة الدولية.

وتمتد العوائق كذلك إلى عدم توحيد السياسات المالية والاستثمارية حيث تختلف سياسات الضرائب والاستثمارات بين الدول الخليجية، مما يؤثر على استقرار الأسواق.

إضافة إلى ذلك فإنه على رغم من الاستثمارات الكبيرة في الموانئ والمناطق الصناعية، لا يزال هناك نقص في التنسيق بين الدول الخليجية لاستخدام هذه المرافق بشكل تكاملي لاستغلال كافة إمكانياتها.

تجاوز العوائق

وفي نظرته لهذه العوائق التي تمنع استغلال كافة الإمكانيات الاقتصادية لدول الخليج، يرى الخبير الاقتصادي منير سيف الدين، إنه وفقاً للأرقام الإنتاجية في الخليج الواردة في تقرير “مؤشر الإمكانيات الإنتاجية” فإنه يلاحظ أن تحسين الإنتاجية بنسبة 10٪ فقط يمكن أن يضيف 280 مليار دولار سنوياً إلى الناتج المحلي الإجمالي الخليجي، وهو ما يعادل ميزانيات العديد من الدول المتوسطة الحجم.

ويقول سيف الدين في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، إنه “يمكن لدول الخليج تعزيز التكامل الاقتصادي بينها عبر سياسات موحدة في مجالات الضرائب والجمارك والتشريعات التجارية”.

ويضيف: “يمكنها أيضاً إنشاء مشاريع إقليمية مشتركة في القطاعات الاستراتيجية مثل الطاقة المتجددة والصناعات التحويلية، إضافة لتوحيد الجهود في تعزيز الأمن الغذائي عبر استثمارات زراعية مشتركة في الخارج”.

ويوضح أن هذه الخطوات يمكن أن تقود إلى اقتصاد خليجي موحد يستغل كافة الإمكانيات.

وعلى صعيد القوى البشرية، رأى أن هذا الجانب يمثل عائقاً جوهرياً أمام استغلال كافة الإمكانيات.

ورأى أنه يمكن تجاوزه من خلال تعزيز برامج التدريب والتعليم لرفع كفاءة القوى العاملة المحلية، بما يتماشى مع احتياجات السوق الحديثة.

وأشار إلى أن دول الخليج تعمل في هذا الجانب من خلال برامج توطين الوظائف، مؤكداً ضرورة الاستمرار في هذه البرامج خاصة بالقطاعات عالية الإنتاجية، مثل التكنولوجيا والصناعات المتقدمة.

ويعتقد الخبير الاقتصادي، أن مضاعفة الإنفاق على البحث العلمي والتطوير ليصل إلى 1.5% من الناتج المحلي سيغلق هذه الفجوة المهمة التي تمنع الاستغلال الكامل للإمكانيات الاقتصادية الخليجية.

ويقول إن دعم البحث العلمي يعني تعزيز الابتكار في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة.

ويشير إلى ضرورة تسريع وتبسيط إجراءات التراخيص التجارية وتقليل الوقت اللازم لإنشاء الشركات الأجنبية وتوفير بيئة تشريعية مرنة تسمح للشركات الناشئة بالنمو والابتكار دون قيود تنظيمية معقدة.

وينوه إلى أن دول الخليج اتخذت خطوات مهمة في هذا المجال وستعمل على توسيعها خلال السنوات المقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى