الاخبار

“غاز المتوسط “و”ريفييرا الشرق”.. دوافع خطة ترامب لتهجير الغزيين

– تمتلك غزة احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي، و”إسرائيل” تسعى للسيطرة عليها

– وصف ترامب غزة بأنها “منطقة عقارية ممتازة”، واقترح تحويلها إلى منتجعات فاخرة بعد تهجير سكانها

– تسعى “إسرائيل” والولايات المتحدة لإعادة تشكيل غزة ديموغرافياً، عبر تهجير سكانها إلى دول مجاورة، لضمان استغلال ثرواتها

على مدار الأيام الأخيرة، تصاعدت التصريحات الصادرة عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن قطاع غزة، متحدثاً عن رؤيته لتحويله إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” بعد تهجير سكانه، وهو الطرح الذي أثار تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء مثل هذه الخطة.

ويأتي هذا بعد أكثر من 15 شهراً من الإبادة الجماعية التي نفذتها “إسرائيل” في القطاع بدعم أمريكي مطلق وأسفرت عن دمار هائل في المنازل والبنى التحتية.

واتخذ ترامب من هذا الدمار ذريعة للحديث عن خطته لتهجير سكان غزة، وهي الخطة التي تتوافق تماماً مع دعوات رسمية إسرائيلية سابقة لتهجير الفلسطينيين وإعادة الاستيطان في القطاع الساحلي.

ولكن مراقبين يرون أن كل ذلك ليس الهدف الحقيقي للولايات المتحدة و”إسرائيل”؛ فوراء هذه الخطط تكمن النظرة لموقع غزة الاستراتيجي وحقول الغاز في أعماق المياه الفلسطينية في البحر المتوسط.

قطاع غزة.. “عقار ممتاز”

وفي تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، في 5 فبراير الجاري، كشفت مصادر أمريكية أن ترامب وصف غزة خلال محادثة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنها “منطقة عقارية من الدرجة الممتازة”، وحثه على التفكير في نوع الفنادق والمنتجعات التي يمكن إنشاؤها هناك.

وهذه التصريحات ليست بمعزل عن سياسة “إسرائيل” تجاه القطاع، إذ لطالما كانت تل أبيب تنظر إلى غزة كعبء أمني، مع طموح طويل الأمد لإعادة تشكيل مستقبلها الجغرافي والسياسي بما يخدم مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية.

ترامب لم يكتفِ بالتلميحات العقارية، بل صرّح في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض عقب اجتماعه مع رئيس حكومة الاحتلال (5 فبراير)، أن الولايات المتحدة ستتولى السيطرة على قطاع غزة، وتتوقع ملكية طويلة الأمد هناك.

وأضاف أن واشنطن ستتحمل مسؤولية إزالة القنابل غير المنفجرة، وتسوية المنطقة، وهدم المباني المدمرة، وتوفير فرص عمل للسكان الجدد.

لكن الجانب الأكثر إثارة للجدل كان تصريحه بأن “غزة مليئة بالحطام، ويمكن نقل الغزيين إلى أماكن أخرى ليعيشوا بسلام”، ما يعكس رغبة في إفراغ القطاع بالكامل من سكانه.

الغاز المحرك الأساسي

ولم يكن استهداف غزة خلال السنوات الماضية مجرد تصعيد أمني، بل يحمل في طياته بُعداً اقتصادياً بالغ الأهمية، حيث تتمتع سواحل القطاع باحتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي.

ووفقًا لتحقيق نشره موقع “موندويس”، فإن الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة لا يمكن فصلها عن المصالح الاقتصادية المتعلقة بالغاز، إذ تطمح “إسرائيل” إلى السيطرة على حقول الغاز قبالة سواحل القطاع، والتي كانت قد اكتُشفت لأول مرة عام 1999 من قبل شركة “بريتش غاز”، وتعرف اليوم باسم “غزة مارين 1″ و”غزة مارين 2”.

الاحتلال الإسرائيلي يفرض سيطرة شبه كاملة على الموارد الطبيعية في غزة، مما يعيق أي محاولات فلسطينية للاستفادة منها.

وتعتبر “إسرائيل” أن امتلاك هذه الحقول يشكل ورقة ضغط اقتصادية كبيرة، ليس فقط في سياق الهيمنة الإقليمية، بل أيضاً لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز وتعزيز صفقات التصدير مع الدول الأوروبية، التي تبحث عن بدائل للغاز الروسي منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.

رؤية استثمارية بحتة

وبحسب تقرير نشرته صحيفة “لوموند” الفرنسية، في 5 فبراير الجاري، فإن ترامب لا يهتم بالتاريخ المعقد للصراع في غزة، بل يرى المنطقة من منظور استثماري بحت، متجاهلاً معاناة السكان الذين تعرضوا لحصار استمر 17 عاماً.

وتضيف الصحيفة أن ترامب، كقطب عقاري سابق، يتعامل مع الأراضي الفلسطينية على أنها “موقع استثماري” يمكن إعادة تطويره بعد إزالة السكان، واصفة خطته بأنها “إعادة إعمار وفق معايير رجال الأعمال، وليس وفق القانون الدولي”.

أما صهره جارد كوشنر، والذي كان مهندس ما يعرف بـ “صفقة القرن”، فقد تحدث صراحة عن “الإمكانيات العقارية الهائلة” للقطاع، بشرط أن يتم “تطهير المكان” من سكانه، مؤكداً أن تحويل غزة إلى منطقة سياحية ممكن فقط في حال تنفيذ خطة واسعة لترحيل سكانها.

خطط طويلة الأمد

وهذه ليست المرة الأولى التي تثار فيها مخططات تتعلق بغزة، فوفقاً لما نقلته صحيفة “الغارديان” البريطانية، كانت “إسرائيل” كانت قد ناقشت مع السلطة الفلسطينية عام 2007 صفقة لشراء غاز غزة مقابل 4 مليارات دولار سنوياً، ولكن فوز حركة “حماس” في الانتخابات التشريعية حينها أدى إلى تعليق المشروع وفرض حصار مشدد على القطاع.

وفي 2022، أبرمت “إسرائيل” اتفاقاً تاريخياً مع لبنان بوساطة أمريكية لترسيم الحدود البحرية، والذي سمح لها بالتوسع في مشاريع الغاز دون تهديد قانوني.

ويتضح أن الهدف المستقبلي يكمن في فرض سيطرة مماثلة على غزة، عبر تهجير سكانها وإعادة توظيف مواردها لصالح “إسرائيل”، وهو ما تؤكده التحركات السياسية الأخيرة، كما يرى مراقبون.

غزة

رجل صفقات

 

الخبير الاقتصادي، نصر عبد الكريم، يؤكد أن حقول الغاز داخل بحر قطاع غزة، قد تكون في ذهن الرئيس الأمريكي ووراء طرح أفكاره، خاصة أن تلك الآبار لم تستغل بعد وفيها احتياطي كبير.

يقول عبد الكريم في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “حقول الغاز في قطاع غزة، قد تكون اعتبار من اعتبارات ترامب، خاصة أنه يريد الوصول لحل للصراع الموجود في الشرق الأوسط بشكل تام خلال دورته الرئاسية، على حساب الفلسطينيين”.

ويوضح أن ترامب يفكر في غزة كمشروع اقتصادي إلى جانب الغاز، وينسجم كثيراً مع مشروع “صفقة القرن”، من خلال التعاون الاقتصادي، وتحقيق السلام في المنطقة.

ويشير إلى أن “ترامب رجل صفقات، ويغرق العالم بالأفكار التي يطرحها في العالم، لتصبح في النهاية على جدول محادثات له مع قادة العالم”.

 

فرصة ذهبية لنتنياهو

بالرغم من أن بنيامين نتنياهو بدا متردداً في التعليق على تصريحات ترامب، إلا أن صحيفة “لوموند” نقلت عنه أنه وجد في الفكرة “ما يستحق الاهتمام”.

ويعلم نتنياهو أن إخلاء غزة بالكامل سيكون حلماً تحقق للمستوطنين، كما أن السيطرة على مواردها الاقتصادية تعني إنهاء أي أمل في دولة فلسطينية مستقلة.

صحيفة “وول ستريت جورنال” أكدت في تقريرها المنشور الأربعاء 5 فبراير الجاري، أن فريق ترامب كان يناقش هذه الأفكار مع دائرة ضيقة من المسؤولين الأمريكيين، وأن الرؤية لم تكن معلنة قبل اجتماع ترامب ونتنياهو الأخير.

وما بين التصريحات الأمريكية الطامحة إلى “ملكية طويلة الأمد” في غزة، والتحركات الإسرائيلية للسيطرة على حقول الغاز، يبدو أن القطاع يواجه مرحلة جديدة من التهديدات الجيوسياسية والاقتصادية.

فـ”إسرائيل” ترى في غزة فرصة اقتصادية، بينما يتعامل ترامب معها كعقار يمكن إعادة بنائه ليصبح وجهة سياحية، وبينما يتم الترويج لهذه الأفكار كـ”إعادة إعمار”، فإن الحقيقة تكمن في رغبة ممنهجة في اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، والاستيلاء على مواردهم، وفق ما يؤكد الفلسطينيون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى