“إنقاص الوزن”.. صناعة بالمليارات يغذيها هوس الرشاقة بالخليج والعالم
– سوق إنقاص الوزن يتجاوز 400 مليار دولار بحلول 2030، مدفوعاً بارتفاع السمنة والطلب على الحلول الصحية
– يتوقع وصول سوق إنقاص الوزن الخليجي إلى 10 مليارات دولار بحلول 2032، مع زيادة الاستثمار في اللياقة والجراحات التجميلية
– التطبيقات الذكية، الحميات الحديثة، وأدوية سد الشهية أصبحت محركات رئيسية لنمو هذه الصناعة
في العقود الأخيرة، شهد العالم تحولاً هائلاً في أنماط الحياة، حيث تزايدت معدلات السمنة والمشكلات الصحية المرتبطة بها، مما أدى إلى ازدهار سوق إنقاص الوزن بشكل غير مسبوق.
هذه الصناعة التي تقدر قيمتها بمئات المليارات من الدولارات باتت تجذب شركات عملاقة، وتتوسع لتشمل قطاعات متعددة، مثل المكملات الغذائية، والأغذية الصحية، وبرامج الحمية، والجراحات التجميلية، والتطبيقات الرقمية المخصصة لخسارة الوزن.
أرقام متصاعدة
وأظهر استطلاع دولي حديث أن الرغبة واسعة النطاق في إنقاص الوزن خلقت سوقا بقيمة مليارات الدولارات.
وبحسب الاستطلاع، المنشور في 2 فبراير الجاري، حاول أكثر من نصف المشاركين البالغ عددهم 2150 شخصاً في الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا، إنقاص وزنهم خلال العام الماضي.
وقامت شركة الاستشارات الإدارية “ستراتيجي آند” بتكليف معهد استطلاعات الرأي “أبينيو” بإجراء الاستطلاع.
ووفقا للاستطلاع، يفضل أكثر من 70% من المشاركين ممارسة الرياضة، لكن نسبة كبيرة منهم يشترون أيضاً أطعمة منخفضة السعرات الحرارية ومكملات غذائية ومنتجات إنقاص الوزن.
وقد تناول ما يقرب من ربع المشاركين مكملات غذائية، وتناول ما يقرب من 13% منهم منتجات إنقاص الوزن التي لا تحتاج إلى وصفة طبية.
وأعلن ما يقرب من 40% عن استعدادهم لإنفاق ما يصل إلى 100 يورو شهرياً لتحقيق أهدافهم في إنقاص الوزن، بينما أعربت نسب أصغر عن استعدادها لإنفاق أكثر من ذلك بكثير.
ومع ذلك أشارت الدراسة إلى أن الاستعداد للدفع ليس بلا حدود، إذ أن أقلية صغيرة تبلغ 14% فقط مستعدة لاستثمار الأموال في إنقاص الوزن لمدة تزيد عن عام.
وتشير تقديرات “ستراتيجي آند” إلى أن حجم هذا السوق في الولايات المتحدة وأوروبا يبلغ إجماليه نحو 400 مليار دولار.
ويتضمن هذا التقدير جميع الخيارات الممكنة: الأغذية والمكملات الغذائية، والمستحضرات الطبية، وبرامج اللياقة البدنية، والاستشارات والعلاج، بالإضافة إلى العلاج الطبي والتدخل الجراحي.
وإضافة إلى تقديرات “ستراتيجي آند”، فإن تقريراً صادر عن مؤسسة “ريسرش آند ماركتس” العام الماضي، أفاد بأن قيمة سوق فقدان الوزن العالمي تجاوزت 254 مليار دولار في عام 2022، ومن المتوقع أن تصل إلى أكثر من 400 مليار دولار بحلول عام 2030.
وفي تقرير نشرته وكالة “بلومبرغ” الاقتصادية الأمريكية في سبتمبر الماضي، فإنه من المتوقع أن تصل السوق العالمية لعقاقير إنقاص الوزن الجديدة إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2035.
ونقلت عن إيفان ديفيد سيجرمان المحلل الاقتصادي لشركة “بي إم أو كابيتال ماركتس” المصرفية قوله، إن “إيرادات تلك العقاقير قد تصل إلى 70 مليار دولار في الولايات المتحدة وحدها”.
ونما أداء الشركات التي تعمل في مجال فقدان الوزن في وول ستريت بعد أن أظهرت دراسة أجرتها شركة “نوفو نورديسكز ويجوفي” أن هذه الأدوية تقلل من مخاطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية. وأدت نتائج الدراسة إلى ارتفاع أسهم شركة الأدوية “إيلي ليللي آند كو”.
وتوقع محللو مؤسسة “مورجان ستانلي” الأمريكية المالية في أوائل أغسطس أن تصل سوق أدوية إنقاص الوزن العالمية إلى 77 مليار دولار في عام 2030، بزيادة على 54 مليار دولار المقدرة سابقاً.
ويأتي ذلك في وقت تهدد فيه أدوية السمنة والعقاقير، التي يتم ترويجها لسد الشهية، تقليص الناتج الاقتصادي العالمي بنحو 4 تريليونات دولار بحلول 2035، بحسب مؤسسة “مورجان ستانلي”.
وأفادت المؤسسة، في تقرير حديث لها، بأن زيادة تناول العقاقير المضادة للسمنة قد تكون لها تأثيرات طويلة المدى في صناعة الغذاء، حيث إن البشر يأكلون أقل ويتجنبون الخيارات غير الصحية.
وقالت: “إن أدوية خسارة الوزن الحديثة التي تعمل على سد الشهية تغير الطريقة التي تعالج بها السمنة”، فيما اكتسبت الصناعة مكانة رائدة ومربحة على مدار العام الماضي.
وإضافة إلى هذه العقاقير، فإن أحد أبرز محركات هذا السوق هو قطاع المكملات الغذائية، حيث تشهد المنتجات المصنوعة من الأعشاب والمكونات الطبيعية، مثل البروتينات النباتية والأحماض الأمينية، نمواً ملحوظاً.
بالإضافة إلى ذلك، تساهم برامج الحمية المبتكرة مثل الحمية الكيتونية، والصيام المتقطع، وحمية البحر الأبيض المتوسط، في دفع نمو السوق، إذ أصبح الأفراد يبحثون عن حلول غذائية مستدامة بدلاً من الحميات القاسية.
ويقدر حجم سوق المكملات الغذائية بـ 139.38 مليار دولار أمريكي في عام 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 173.69 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2029، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 4.5٪ خلال الفترة المتوقعة (2024-2029)، وفق بيانات شركة “Mordor Intelligence” المختصة بأبحاث السوق.
وذكرت الشركة أنه بعد تأثير فيروس كورونا، شهد السوق ارتفاعاً في الطلب على المنتجات المفيدة لصحة الجهاز الهضمي والمناعة، مشيرة إلى أن مبيعات المكملات الغذائية، مثل البروتينات والفيتامينات وأحماض أوميجا 3 الدهنية وغيرها، شهدت نمواً هائلاً.
أبرز مناطق الانتشار
وتعد الولايات المتحدة السوق الأكبر عالمياً في مجال إنقاص الوزن، حيث تشير التقديرات إلى أن الأمريكيين ينفقون أكثر من 70 مليار دولار سنوياً على المنتجات والخدمات المتعلقة بخسارة الوزن.
ويرجع ذلك إلى ارتفاع معدلات السمنة في البلاد، إلى جانب التأثير القوي للإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي التي تروج لمعايير جمالية محددة.
وفي أوروبا، تتصدر المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا الأسواق الكبرى لإنقاص الوزن، حيث تنتشر ثقافة الحياة الصحية والرياضية بشكل واسع. وتعتبر برامج اللياقة البدنية، والتطبيقات الرقمية التي تتابع السعرات الحرارية، والجراحات التجميلية، من بين أبرز القطاعات التي تشهد نموًا مستمرًا.
أما في آسيا، فقد ازداد الاهتمام بإنقاص الوزن، خاصة في الصين والهند واليابان، حيث تعتمد العديد من المجتمعات على الأعشاب الطبيعية والأنظمة الغذائية التقليدية للحفاظ على الصحة والرشاقة.
سوق “الدايت” بالخليج
وفي منطقة الخليج العربي، يشهد سوق فقدان الوزن نمواً متسارعاً نتيجة لعوامل متعددة، أبرزها تغير أنماط الاستهلاك الغذائي، وزيادة الوعي الصحي، وتوجه الحكومات نحو مكافحة السمنة من خلال المبادرات الصحية والتشجيع على ممارسة الرياضة.
وتشير التقارير إلى أن أكثر من 35% من سكان الخليج يعانون من السمنة، مما دفع الأفراد والحكومات للاستثمار في الحلول المتعلقة بخسارة الوزن، ويشمل ذلك إنشاء مراكز متخصصة في التغذية العلاجية، وانتشار النوادي الرياضية الفاخرة، وارتفاع الطلب على عمليات جراحة السمنة، مثل تكميم المعدة وتحويل المسار.
وتعد الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية من الأسواق الرائدة في هذا القطاع، حيث تشهدان طفرة في الاستثمار بقطاع اللياقة البدنية والأنظمة الغذائية الصحية.
كما تنتشر في المنطقة تطبيقات رقمية متخصصة، تقدم برامج شخصية لمراقبة السعرات الحرارية، وجدولة التمارين الرياضية، ومتابعة الأنظمة الغذائية.
وفي هذا السياق، أفاد تقرير صدر في 2024 عن شركة “ايمارك” للأبحاث بأن حجم سوق إنقاص الوزن في دول الخليج وصل الى نحو 5 مليارات دولار في 2023.
وتوقع التقرير أن تصل قيمة سوق الـ”دايت” في الخليج إلى أكثر من 10 مليارات دولار في 2032، بمعدل نمو سنوي متراكم يبلغ %8 من العام 2023 وحتى 2032.
وعلى الصعيد نفسه، كشف تقرير صادر عن الجمعية الدولية لجراحة السمنة العام الماضي، عن أن منطقة الشرق الأوسط تشهد نسبة نمو سنوية في عمليات جراحة السمنة تتجاوز 15%، وهو ما يعكس ارتفاع الوعي بهذه الخيارات العلاجية.
سوق عالمي يواصل الصعود
ويرى المختص الاقتصادي أحمد أبو قمر، أن سوق إنقاص الوزن لم يعد مجرد قطاع فرعي للصحة واللياقة البدنية، بل تحول إلى صناعة قائمة بحد ذاتها تُقدر بمئات المليارات من الدولارات.
ويقول أبو قمر في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “السوق العالمي لإنقاص الوزن قد يصل عالمياً إلى 400 مليار دولار بحلول عام 2030، مع استمرار الطلب على المنتجات والخدمات المتعلقة بالصحة والرشاقة.”
ويضيف أن “العوامل الدافعة لهذا النمو متعددة، من بينها زيادة معدلات السمنة حول العالم، حيث تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من 39% من البالغين يعانون من زيادة الوزن، وهو ما يخلق طلباً متزايداً على حلول فعالة لإنقاص الوزن”.
كما يشير إلى أن التقنيات الحديثة تلعب دوراً كبيراً في تطور هذا السوق، حيث نشهد زيادة في استخدام التطبيقات الذكية التي تساعد المستخدمين على مراقبة السعرات الحرارية، وجدولة التمارين، واتباع أنظمة غذائية مخصصة.
ويوضح أن السوق في دول الخليج امتداد للسوق العالمي المتخصص بهذا المجال ويشهد نمواً كبيراً بسبب معدلات السمنة الكبيرة وتغير أنماط الاستهلاك الغذائي وزيادة الوعي بالصحة والرشاقة.
ويتابع: “في السعودية والإمارات، نشهد استثمارات ضخمة في القطاع الصحي المتعلق بفقدان الوزن، من خلال افتتاح مراكز متخصصة في التغذية العلاجية، وإطلاق مبادرات حكومية تهدف إلى تعزيز نمط الحياة الصحي”.
ويؤكد المختص الاقتصادي، أن سوق إنقاص الوزن سيظل واحداً من أكثر القطاعات نمواً خلال السنوات القادمة، مدفوعاً بتغير العادات الغذائية، وتطور التكنولوجيا، وزيادة الوعي بالصحة.