مشاهد تسليم المقاومة للأسرى.. انزعاج إسرائيلي يهدد الصفقة
أثارت هذه المشاهد جدلاً في الأوساط السياسية والعسكرية الإسرائيلية.
شهدت شوارع قطاع غزة، وخاصة مدينة خان يونس جنوب القطاع، لحظات فارقة مع تسليم المقاومة الفلسطينية لأسرى الاحتلال الإسرائيلي، ضمن المرحلة الأولى من اتفاق التبادل مع “إسرائيل”.
أظهرت المشاهد التي تناقلتها وسائل الإعلام مقاتلي المقاومة بزيهم العسكري وهم يسلمون الأسرى وفق إجراءات منضبطة، مع احتشاد الآلاف من الفلسطينيين احتفالاً بهذا الحدث، وسط أجواء من الفرح والانتصار.
وسلمت المقاومة الفلسطينية، الخميس 30 يناير الجاري، الأسرى الإسرائيليين الثلاثة إلى الصليب الأحمر، ضمن الدفعة الثالثة من المرحلة الأولى في صفقة “طوفان الأقصى” لتبادل الأسرى، بالإضافة إلى خمسة عمال تايلنديين.
وفي التفاصيل، سلمت المقاومة الأسيرة أغام بيرغر إلى الصليب الأحمر من فوق ركام منزل مدمر في جباليا شمالي قطاع غزة، وأربيل يهود وجادي موزيس من أمام منزل رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” الشهيد يحيى السنوار في خان يونس جنوبي القطاع.
أثارت هذه المشاهد جدلاً في الأوساط السياسية والعسكرية الإسرائيلية، وسط تساؤلات حول مدى تأثيرها على استكمال باقي مراحل الصفقة.
فقد اعتبر محللون إسرائيليون أن تلك المشاهد تمثل إهانة لجيش الاحتلال ولحكومة بنيامين نتنياهو، حيث ظهر عناصر المقاومة بأعداد كبيرة وبزي موحد لا يظهر أي فشل في مواجهة الاحتلال على مدى 15 شهراً.
وتركزت الانتقادات على ظهور الأسرى وهم يسلمون وسط هتافات الفرح الفلسطينية، في مقابل غياب أي مظاهر انتصار إسرائيلية.
جاءت هذه الانتقادات في وقت يتعرض فيه نتنياهو لضغوط من اليمين المتطرف، الذي يرى أن استمرار الصفقة يظهر “إسرائيل” في موقف ضعيف، خصوصاً بعد مشاهد تسليم الأسرى التي عكست صورة انتصار فلسطيني.
عقب عملية التسليم، قالت “إسرائيل” إن “الصور كانت مروعة خلال عملية إطلاق سراح الأسيرين الإسرائيليين أربيل وغادي”.
وأعلنت دولة الاحتلال أنها ستؤخر الإفراج عن الدفعة الثالثة من الأسرى الفلسطينيين، رغم إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة وفق الأوقات المتفق عليها.
ووفقاً لحكومة الاحتلال، فقد أمر نتنياهو ووزير الحرب يسرائيل كاتس “بتأخير الإفراج عن الفلسطينيين حتى ضمان خروج آمن لمخطوفينا من غزة”.
بعد أقل من ساعتين من بيان حكومة نتنياهو، تراجعت “إسرائيل” عن تعليق الإفراج عن الدفعة الثالثة من الأسرى الفلسطينيين ضمن صفقة التبادل مع حركة “حماس”، بعد تدخل الوسطاء، وفقاً لما ذكرته تقارير إسرائيلية.
وقال مكتب نتنياهو إن “الوسطاء قدموا التزاماً بضمان خروج آمن لرهائننا الذين سيتم إطلاق سراحهم في الجولات القليلة المقبلة”.
التزام كامل
القيادي في حركة “حماس”، محمود المرداوي، أكد أن مشاهد تسليم الأسرى تحمل أبعاداً داخلية تهدف إلى توجيه رسالة لأبناء الشعب الفلسطيني، الذي حاول الاحتلال كسر إرادته وتطويعه بالقوة والقتل والإبادة والتجويع، لكنه فشل في ذلك.
وقال المرداوي، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “نعم، هناك أحزان بالغة، وتجويع، ونزوح، وكل ما شاهده العالم، ولكن في المقابل هناك صمود، وتمسك بالمبادئ والقيم والحقوق والأهداف، كما تمكنت المقاومة من تحقيق نتائج مهمة ومؤثرة على طاولة المفاوضات، عكست جزءاً مهماً من التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني”.
وأوضح أن عملية التسليم “تعكس الروح الفدائية والصمود، إلى جانب الأداء التفاوضي المتميز، الذي أسهم في خلق بيئة وظروف سمحت بإخراج مشاهد منظمة وبطولية، تعبر عن مؤسسات تحترم القانون، ولا تساوم على مواقفها أو أدائها، مما يتسق مع إرادة الشعب الفلسطيني”.
واعتبر أن البعد السياسي الخارجي لهذه المشاهد “يمثل رسائل لكل الدول بأن الشعب الفلسطيني شعب تواق للحياة، ويحترم أسراه وفق القوانين والقيم والمبادئ التي يؤمن بها، كما أن محاولات الاحتلال إجبار الفلسطينيين على الاستسلام قد فشلت”.
وأشار إلى أن “كتائب القسام سلمت الأسرى إلى الصليب الأحمر بطريقة تعكس عنفوان وثبات الفلسطينيين، وهو ما يؤكد أن الشعب الفلسطيني لا يزال صامداً، متحدياً كل الضغوط، ولا يمكن أن يخضع”.
وبيّن أن الاحتلال يسعى للتملص من تنفيذ المرحلة الثانية من الصفقة، لكن عليه أن يدرك أن الشعب الفلسطيني لا يزال ثابتاً على مواقفه.
وأكد أن هذه المشاهد “تعكس تحدياً وإحراجاً للاحتلال، وتجبره على اتخاذ ردات فعل تضع له خطوطاً واضحة، مفادها أن عدم التزامه بحقوق الشعب الفلسطيني سيقابل بصمود وتصدٍّ كبيرين”.
كذلك، أكد الناطق باسم حركة “حماس”، حازم قاسم، التزام حركته بتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار وترتيباته، بما يضمن تنفيذه الكامل وفق ما تم التوافق عليه مع الوسطاء.
وقال قاسم، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “هناك اتصالات مستمرة مع الوسطاء لتجاوز أي خلافات عند تسلم الأسرى”.
حدث جماهيري
استبعد الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي، أحمد موسى، أن تؤثر مشاهد تسليم الأسرى الإسرائيليين من قبل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على إكمال المرحلة الأولى من الصفقة، لأسباب عدة، أبرزها قوة الوسطاء ومتابعتهم لكل التفاصيل.
يقول موسى، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “لحظة تسليم الأسرى في خان يونس لم تكن مجرد إجراء تقني ضمن الصفقة، بل تحولت إلى حدث جماهيري كبير، أشاد بالمقاومة في مشهد يعكس الحالة المعنوية المرتفعة لدى السكان بعد أشهر من الحرب والقصف، وهو ما أثار غضب الإسرائيليين في الحكومة ولدى الجمهور”.
وأوضح أن ظهور مقاتلي المقاومة وهم يحملون أسلحة اغتنموها خلال معركة “طوفان الأقصى”، إلى جانب إبراز لافتات تحمل أسماء الألوية العسكرية الإسرائيلية التي تكبدت خسائر كبيرة خلال المعركة، لم يكن عفوياً، بل حمل رسالة واضحة حول قوة المقاومة وقدرتها على إدارة المعركة سياسياً وعسكرياً.
وأشار إلى أنه رغم الغضب الإسرائيلي، فإن الصفقة تعد ضرورة ملحة لحكومة الاحتلال، التي تواجه ضغوطاً داخلية ودولية لإنهاء ملف الأسرى.
وأضاف: “رغم الانتقادات، فإن (إسرائيل) لا تملك بدائل حقيقية سوى الاستمرار في التفاوض، خاصة أن المقاومة تحتفظ بعدد من الجنود والمستوطنين، ما يمنحها ورقة ضغط قوية”.
وتوقع أن تعمل حكومة الاحتلال على مخاطبة الوسطاء لتخفيف حدة المشاهد التي تخرج من قطاع غزة خلال عملية التسليم، والمطالبة بسرية أكبر، وهو ما قد ترفضه المقاومة أو تتعامل معه بناءً على مصلحتها، لأنه ليس جزءاً من شروط الصفقة.