بعد عودة ترامب.. ما المستقبل الذي ينتظر إيران؟
تترقب إيران سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاهها، وتتأرجح التوقعات بين الضغوط القصوى من خلال العقوبات، والعمل العسكري ضد طهران وأذرعها في المنطقة.
يعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حاملاً معه تحولات هائلة في السياسات الأمريكية الخارجية، بعد مرحلة عاصفة من الصراعات التي شهدها العالم والشرق الأوسط خلال العامين الماضيين.
ولعل من أبرز الملفات التي يترقب العالم شكل السياسة الأمريكية في عهد ترامب إزاءها هي العلاقة مع إيران، التي شهدت تغيرات جذرية بين ولايته الأولى والثانية، حيث تعيش اليوم في ظل هزائم جيوسياسية كبيرة مُنيت بها خلال العام المنصرم.
وبالنظر إلى ماضي ترامب مع إيران، فإن التوقعات تشير إلى إمكانية العودة لنهج العقوبات القصوى، فضلاً عن مقاربات مختلفة تتعلق ببرنامجها النووي وكلاءها الإقليميين.
على رأس الأولويات
لدى ترامب توجه نحو خفض التصعيد في العالم والشرق الأوسط تحديداً وهذا ما أظهره قبيل توليه للسلطة، إذ مارس ضغطاً هائلاً على “إسرائيل” وأرغم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على التوقيع على الصفقة مع حركة “حماس” الفلسطينية.
وبالنظر لتصريحاته قبيل تنصيبه، من الواضح أن ترامب سيضع إيران على رأس أولوياته، خصوصاً أن العلاقة معها كان أحد المآخذ التي أبرزها ترامب في سياق نقده المستمر لسياسة سلفه جو بايدن.
وقبل ساعات من تنصيبه رئيساً قال ترامب إن “إيران كانت مفلسة تماماً خلال فترة رئاسته السابقة، والنظام الإيراني حينها لم يكن قادراً على القيام بأي إجراء” في نقد منه لسياسة بايدن التي ساهمت في استعادة طهران لبعض أموالها المجمدة خلال السنوات الماضية.
وتعهد ترامب سابقاً بمنع طهران من بناء برنامجها النووي، وقال في حوار مع قناة “العربية” في أكتوبر الماضي، إن “إيران لن تحصل على السلاح النووي حال فوزه في الانتخابات”، ما يعني أن وعده اليوم أمام اختبار مهم في ظل تحليلات تشير إلى أن تطوير السلاح النووي، أصبح ضرورة أمام إيران بعد الضربات التي مُنيت بها في سوريا ولبنان والمنطقة عموماً.
قرارات مرتقبة
ومن المتوقع أن يفتتح ترامب فترته حكمه الجديدة بجملة من القرارات الداخلية والخارجية بعضها يتعلق بإيران، وهذا ما ذهب إليه مستشار ترامب للأمن القومي مايك والتز، والذي قال إن “طهران باتت في موقف دفاعي وفقدت التأثير الإقليمي”.
وأضاف والتز في حوار مع شبكة “سي بي إس” الأمريكية (20 يناير 2025) أن “إدارة ترامب تعتزم اتخاذ قرارات حاسمة ضد إيران هذا الشهر” في الوقت الذي دعا السيناتور الجمهوري المعادي لطهران ليندسي غراهام إلى تدمير برنامجها النووي.
كما استبعد غراهام في حواره مع الشبكة الأمريكية (19 يناير 2025) الحلول الدبلوماسية مع إيران، مضيفاً: “أيامهم معدودة، والسؤال التالي للعالم هو: ماذا نفعل بشأن البرنامج النووي الإيراني؟ هذا هو المكان الذي سننتقل إليه بعد ذلك، هناك الدبلوماسية وهناك احتمال واحد في التريليون أن يفكك البرنامج النووي الإيراني من خلال الدبلوماسية، لكن هناك احتمال بنسبة 90% أن نتمكن من تحطيمها من خلال العمل العسكري الذي تقوم به إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة”.
وسبق لترامب أن قال في أكتوبر الماضي، إنه يحترم إيران وشعبها، واصفاً إياهم بأنهم مفاوضون عظماء وشعب عظيم، لكن المتغيرات ربما تفرض عليه الذهاب معهم إلى خيارات أكثر حسماً، أو كما أسمتها مصادر لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، بـ”الضغط الأقصى”.
وبحسب تقرير الصحيفة الذي نُشر منصف نوفمبر الماضي، فإن إدارة ترامب تعتزم إعادة سياسة الضغط الأقصى، بهدف دفع إيران إلى الإفلاس، وضمان توقف تمويلها لوكلائها الإقليميين، وتطوير الأسلحة النووية.
الصحيفة نقلت عن مصادرها، أن “خطة إدارة ترامب التصعيدية ضد إيران تتضمن فرض عقوبات على صادراتها النفطية” في الوقت الذي أكد خبير أمني مطلع، أن “ترامب مصمم على تنفيذ استراتيجية الضغط الأقصى لإفلاس إيران بأسرع وقت ممكن”.
الخيار عسكري
ولا يمكن إغفال موضوع وكلاء إيران الإقليميين، وهنا الحديث عن مليشيا الحشد الشعبي في العراق، وجماعة الحوثي في اليمن، و”حزب الله” الذي تعرض لضربات قوية في لبنان، حيث من المتوقع أن تضغط الولايات المتحدة باتجاه ضرب هذه الأذرع أو حلّها خصوصاً في العراق.
ويبدو أن إيران التقطت الرسائل من جملة التصريحات والتسريبات حول استراتيجية ترامب المستقبلية معها، وأكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في (17 يناير) على ضرورة الحوار مع الولايات المتحدة.
وفي نوفمبر الماضي، أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن بلاده “لا تسعى لامتلاك سلاح نووي” وقال إن “هناك حاجة إلى بناء الثقة مع الولايات المتحدة من كلا الجانبين وليس من جانب واحد”.
وفي هذا الصدد يقول المحلل المتخصص في الشؤون الإيرانية، مصطفى النعيمي، إن النهج القادم لترامب، سينطلق من مبدأ إنهاء بؤر الصراع في المنطقة العربية في المرحلة الأولى مضيفاً في تصريح لـ”الخليج أونلاين”:
أبعد إنهاء التوترات في المنطقة، سيتجه إلى حل مسألة ملف إيران النووي، لكن لن يكون عبر مسارات سياسية.
الحل يمكن أن يكون عبر تنفيذ عمليات عسكرية تستهدف البنية التحتية للبرنامج النووي، سواءً كانت في المفاعلات النووية أو المنشات الرديفة التي يعمل بها على تطوير البرنامج النووي.
نحن أمام مرحلة كسر عظم بين واشنطن وطهران، وستصل ذروتها في حقبة دونالد ترامب، الذي تحدث في اللحظات الأولى لاستلامه السلطة عن مجموعة من القوانين لإنهاء الأزمات في العالم.
إنهاء تلك الأزمات سيكون ممكناً عبر القوة العسكرية وليس التفاهمات السياسية أو العقوبات، نظراً لأن التفاهمات ستكون مكلفة، وتتيح للخصوم مزيداً من الوقت للتحايل على أي عقوبات.
نفوذ إيران سيتقلص تدريجياً مع وجود قرارات حقيقية من واشنطن، تتبعها متغيرات ميدانية تعكسها تحركات عسكرية في كلٍ من اليمن والعراق ولبنان كمرحلة أولى لنطاق الاشتباك الدولي مع ايران وأذرعها.
المرحلة الثانية التي طال انتظارها ستطال العمق الإيراني، من خلال استهداف البرنامج النووي والبالستي والمسيرات.
سيتم تنفيذ عمليات وقائية واسعة النطاق، إذا ما أصرت إيران على بقاء سلوكها العدائي تجاه واشنطن والمنظومة الدولية.
المرحلة القادمة ستشهد مزيداً من توسيع نطاق الإشتباك بالرغم من محاولة إيران الانحناء للعاصفة الأمريكية إلا أنها لن تنجح في امتصاص غضب ترامب خاصة وأن لديه رؤية واضحة حول إمكانية تنصل إيران من العقوبات السابقة وصولاً إلى يومنا هذا.
لم تعد التفاهمات السياسية مجدية في ظل التنصل المستمر والمماطلة الإيرانية، ونظرية استرضاء طهران أثبتت عدم جديتها، ولم تكبح جماحها فيما يتعلق ببرنامجها النووي ونفوذها في المنطقة.
بناء على ذلك، ستختلف تكتيكات الولايات المتحدة كلياً عن السابق، وستكون معززة بالعصا دون الجزرة بحيث تلوّح واشنطن بالقوة، وتستخدمها في حال عدم امتثال إيران للمطالب الدولية والأمريكية بشكل خاص.