الاخبار

مفاوضات غزة.. احترافية قطرية وثبات فلسطيني صنعا الفارق

يجسد التوصل إلى اتفاقية تاريخية بين “إسرائيل” وحركة “حماس” بوقف الحرب في غزة وتنفيذ صفقة لتبادل الأسرى، مثالاً حياً لفرض الإرادة الفلسطينية لتحقيق مكتسبات رغم ما نزفه الفلسطينيون في القطاع من خسائر بشرية ومادية، ونجاح قطر في إدارة أصعب وساطة من نوعها.

جاء الاتفاق الذي أعلن مساء الأربعاء (15 يناير الجاري) بعد أشهر من المفاوضات المضنية التي خاضتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) و”إسرائيل” بوساطة قطرية ومصرية وأمريكية.

وأوضح رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الذي أعلن بيان التوصل لاتفاق بجهود قطرية مصرية أمريكية مشتركة، أن “هذه الجهود تأتي ضمن إطار تعزيز التعاون الدولي لدعم استقرار المنطقة وتحقيق النتائج المرجوة من المفاوضات”. 

تُعد هذه الاتفاقية محطة فارقة في مسار الصراع، إذ تأتي في ظل أوضاع إنسانية كارثية يعيشها سكان القطاع، وتفتح الباب أمام تهدئة شاملة، وإعادة الإعمار، وعودة النازحين.

ويُظهر هذا الاتفاق أهمية الجهود الإقليمية والدولية في تقريب وجهات النظر بين الطرفين لتحقيق استقرار طويل الأمد في المنطقة.

ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر 2023، عقدت العديد من جولات التفاوض واللقاءات والمباحثات، وخاصة في الدوحة والقاهرة، بعضها كان غير مباشر بين “حماس” و”إسرائيل”، وبعضها لوسطاء دون مشاركة طرفي الصراع.

شملت محطات التفاوض: 

أبرمت هدنة إنسانية لمدة 4 أيام ومددت ليومين، وأفرج فيها عن 109 أسيراً إسرائيلياً و240 معتقلاً فلسطينياً. ودخول المزيد من المساعدات لغزة. 

اجتماع دولي بمشاركة قطر ومصر والولايات المتحدة و”إسرائيل” لمناقشة صفقة تبادل الأسرى ووقف الحرب، لكنه انتهى دون اتفاق بسبب رفض الطرفين مخرجات الاجتماع.

– اتفاق مبدئي على إطار عام لصفقة تبادل وتهدئة تدريجية، لكن دون تحقيق تقدم في تنفيذ المرحلة الأولى.

– جولات تفاوض غير مباشرة بمشاركة “حماس” و”إسرائيل”.

– اجتماع رفيع المستوى (13 فبراير 2024) بحضور مسؤولين من الولايات المتحدة، مصر، وقطر، دون تقدم جوهري.

– جولة غير مباشرة بين “حماس” و”إسرائيل” بمشاركة الوسطاء القطريين والمصريين، مع تقديم حماس مقترحاً جديداً.

– موافقة “حماس” على مقترح وقف إطلاق النار، لكن “إسرائيل” ردت باجتياح رفح، مما أدى إلى انهيار المفاوضات.

– إعلان مقترح لوقف إطلاق النار بقرار أممي، لكنه واجه تعديلات واعتراضات من “إسرائيل”.

– اجتماع بمشاركة الوسطاء والوفود الإسرائيلية مع رفض “حماس” المشاركة المباشرة.

  • إعلان الدوحة في (9 نوفمبر 2024) تعليق الوساطة القطرية؛ بسبب عدم جدية الأطراف.

  • استئناف الوساطة القطرية (4 ديسمبر 2024)، بدعم أمريكي لتسريع الوصول لاتفاق وقف إطلاق النار.

  • مفاوضات الدوحة النهائية (14 يناير 2025)، انتهت بتقدم كبير في المفاوضات والتوصل لاتفاق لوقف الحرب وتبادل الأسرى. 

– يتكون الاتفاق من 3 مراحل، تنطلق الأولى منه ومدتها 42 يوماً، الأحد (19 يناير الجاري)، ثم مرحلتان ثانية وثالثة أمد كل واحدة منهما 42 يوماً. 

– تعمل قطر ومصر والولايات المتحدة على ضمان تنفيذ الاتفاق، حيث ستكون هناك آليات لمتابعة تنفيذه وأي خروق قد تحدث.

مراحل المفاوضات هذه تؤكد أن قطر أدت دوراً محورياً في التوصل إلى اتفاق تاريخي بين حركة “حماس” و”إسرائيل” لوقف الحرب في قطاع غزة وإتمام صفقة لتبادل الأسرى، بعد مفاوضات شاقة بدأت منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة.  

قطر استفادت من علاقاتها المتوازنة مع مختلف الأطراف، للدخول بصفة وسيط مؤثر؛ حيث استضافت العديد من جولات التفاوض.

وعملت بالتنسيق مع مصر والولايات المتحدة لتقريب وجهات النظر، مقدمة مقترحات عملية ساهمت في تذليل العقبات التي حالت دون التوصل لاتفاق سابق.

ويمكن من خلال الإنفوجرافيك المرفق الاطلاع على جهود أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وحده في هذه الملف، إضافة للجهود القطرية الأخرى في هذا الشأن.

احترافية قطرية وثبات فلسطيني

 

ويأخذ المسار التفاوضي بين “حماس” و”إسرائيل” أهمية كبيرة في إطار الحرب المستمرة منذ قرابة 15 شهراً، نظراً للثبات الذي أبداه المفاوض الفلسطيني، والاحترافية التي أظهرها الوسيط القطري.

 

وحول هذا يقول المحلل السياسي الفلسطيني علي بغدادي، إن موضوع التفاوض مهم جداً، مشيراً إلى “وجود مدرسة جديدة في التفاوض”، في إشارة إلى موقف المفاوضين الفلسطينيين في وجه الضغوطات الإسرائيلية والأمريكية.

وقال بغدادي في تصريحات لـ”الخليج أونلاين”: “سابقاً كان الإسرائيليون حينما يتفاوضون مع الوفود العربية، كانوا يقولون، كأننا نتفاوض مع أنفسنا، لكن هذه المرة كان هناك تفاوض احترافي وصلب قائم على الصمود على الأرض”.

وأشار إلى أن المفاوض الفلسطيني هو من وضع استراتيجية التفاوض، وفق الملفات الخمسة المتمثلة في وقف إطلاق النار، والانسحاب من غزة، وعودة النازحين، وإعادة الإعمار، وصفقة التبادل، لافتاً إلى أن “هذه الأمور الثابتة، هي التي بُني عليها التفاوض”.

ونوّه إلى أن المفاوض الفلسطيني “أصرّ على عدم الربط بين ما يُعرف باليوم التالي للحرب، وبين الصفقة نفسها، كون اليوم التالي للحرب، هو شأن فلسطيني فلسطيني، ولا شأن للإسرائيليين به، وعلى هذا الأساس حصلت الصفقة”.

واستطرد بغدادي قائلاً: “لم يستطع نتنياهو أن ينتزع من المفاوضين الأمور الأساسية والصلبة والأساسية، وعاد للموافقة على نفس الورقة التي رفضها في شهر مايو سابقاً، وهذا يثبت صلابة الموقف الفلسطيني، بالرغم أن هناك الكثير من الأصوات المستعجلة، التي كانت تريد إيقاف الحرب، وطالبت بتقديم تنازلات والتوقيع بأي طريقة من الطرق، وهذا كان أمراً خطيراً، لأن الذاكرة الفلسطينية مليئة بالمذابح والجرائم”.

ولفت إلى أنه كان مطلوباً من المقاومة “أن تضع سلاحها، وأن تسلّم الأسرى اللذين هم بأيديها، وكأنها عصابة مافيا خطفت رهائن، ويجب إطلاق سراحهم، مع استمرار آلة الحرب والتنكيل وهذا كله فشل”.

وحول الدور القطري، قال المحلل السياسي الفلسطيني، إنه كان “احترافياً”، مضيفاً: “قطر مارست دورها بمهارة واحترافية وبنزاهة أيضاً، بالرغم من الضغوط الأمريكية، التي كانت تطالب من القطريين الضغط على حماس، للقبول بأي اتفاقية، خلال إدارة بايدن”.

وأوضح بغدادي، أن “الرد القطري كان واضحاً بأنه ليس دورها أن تضغط على طرف ما، بل تيسير الأمور، ووضع مطالب الطرفين على الطاولة، وجسر الهوة بين هذا وذاك”.

كما يؤكد أن القطريين، “كانوا مصرين على أن دورهم ليس الضغط على طرف من الأطراف، واستطاعوا أن يثبتوا على هذا الموقف، وأن يتعاملوا بنزاهة، وأن يصلوا بالنهاية إلى هذا الاتفاق”.

نتائج الحرب

خلال الفترة من 7 أكتوبر 2023 وحتى ساعة إعلان وقف الحرب، بلغت حصيلة الإبادة الجماعية التي ترتكبها “إسرائيل” بحق الفلسطينيين في القطاع 46 ألفاً و707 شهداء و110 آلاف و265 مصاباً.

يضاف إلى هذا أن عدداً من الضحايا ما يزال تحت الركام وفي الطرقات، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم، بحسب وزارة الصحة في غزة، إلى جانب فقدان ما يزيد على 11 ألف فلسطيني، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.

وبشأن الأسرى الفلسطينيين، يفيد نادي الأسير الفلسطيني، بأن 10 آلاف و400 أسير فلسطيني يقبعون في سجون “إسرائيل”.

وبين هؤلاء الأسرى 84 سيدة بينهن 3 دون سن 18 عاماً، و21 معتقلة إدارية، و340 طفلاً و3376 معتقلاً إدارياً (دون محاكمة)، و1886 صنفهم الاحتلال “مقاتلين غير شرعيين” اعتقلتهم من غزة خلال حرب الإبادة.

وبلغ عدد الأسرى الفلسطينيين قبل 7 أكتوبر 2023، نحو 5250 بينهم حوالي 200 من غزة، أي أن عدد الأسرى زاد منذ بدء الإبادة بواقع 5150.

أما خسائر الجيش الإسرائيلي، وبحسب الحصيلة المعلنة من قبل تل أبيب، تبلغ 840 ضابطاً وجندياً قتيلاً منذ 7 أكتوبر 2023، بينهم 405 منذ بدء الاجتياح البري لقطاع غزة في 27 أكتوبر من ذات العام.

وحول عدد الأسرى الإسرائيليين لدى “حماس” لا يوجد إعلان إسرائيلي رسمي، لكن وسائل إعلام عبرية تقدر وجود 137 أسيراً بعد الإفراج عن أكثر من 100 محتجز وأجنبي خلال الهدنة الإنسانية المؤقتة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى