اللاجئون والأقليات والإرهاب.. ملفات تحكم العلاقة بين أوروبا وسوريا
ما أبرز القضايا التي حملتها الوفود الأوروبية إلى دمشق؟
إشراك الأقليات في الحكم والتصدي لتنظيم الدولة والكيانات الجهادية.
ما الذي تطلبه الإدارة السورية من الحكومات الغربية في هذه المرحلة؟
إلغاء العقوبات المفروضة على سوريا والمساهمة في إعادة الإعمار.
تركة ثقيلة من العلاقات المعطّلة خلّفها نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، جعلت سوريا الواقعة في قلب العالم، بعيدة عن أغلب العواصم، وتحديداً العواصم الغربية التي قطعت علاقاتها بدمشق منذ 12 عاماً.
الاتحاد الأوروبي تضرر بشكل كبير من حكم بشار الأسد، خصوصاً خلال السنوات الـ14 الماضية، إذ تسببت الحرب السورية في نزوح قرابة 12.4 مليون إنسان إلى دول أوروبا بحلول العام 2022، بحسب إحصائية أممية.
كما تسبب استمرار حكم الأسد المرفوض داخلياً وخارجياً في اضطرابات إقليمية كبرى، وصلت تداعياتها إلى دول الاتحاد الأوروبي، من خلال انتعاش التطرف، وبروز مشكلة الأقليات، وأخيراً انتعاش تجارة المخدرات التي أصبحت مشكلة دولية.
واليوم وبعد نحو شهر على سقوط الأسد، بدأت معالم العلاقة بين سوريا الجديدة ودول العالم بالتشكل، وفق معادلة وأولويات مختلفة، بحسب مصالح دمشق وتلك العواصم، فكيف سيكون شكل العلاقة الأوروبية السورية خلال الفترة المقبلة؟
زيارة رفيعة
ويبدو أن دول الاتحاد الأوروبي تعتزم رفع مستوى التعامل مع الإدارة السورية الجديدة، وهذا ما عكسه الزيارة الرفيعة التي قام بها وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا الجمعة (3 يناير) إلى دمشق، ولقاءهما بالقائد العام للإدارة الحالية أحمد الشرع.
الوفد الأوروبي الذي ضم وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا ركّز على موضوعي الأقليات والأكراد، والمخاوف المتعلقة بطبيعة المرحلة المقبلة وهوية القائمين على المشهد السياسي في سوريا حالياً.
وقالت وزيرة خارجية ألمانيا أنالينا بيربوك، في مؤتمر صحفي عقدته عقب اللقاء مع الشرع، إن الاجتماع ركّز على ضرورة احتواء كل المجموعات العرقية في عملية الانتقال إلى الديمقراطية مع ضمان عدم وقوع الأموال الأوروبية المحتمل إرسالها في أيدي “كيانات إسلامية جديدة”.
وأضافت أنه جرى مناقشة هذه الأمور بتفصيل ووضوح شديدين مع الشرع، مؤكدة أن فرنسا وألمانيا تريدان إقامة علاقة جديدة مع سوريا، كما أن الوزيرين حثّا على تحقيق انتقال سلمي للسلطة.
وبحسب وكالة “رويترز”، فإن هدف الزيارة “توجيه رسالة تفاؤل حذر إلى المعارضة الإسلامية بقيادة هيئة تحرير الشام، وإظهار الانفتاح على الاعتراف بالحكام الجدد لسوريا مع حثهم على الاعتدال واحترام حقوق الأقليات”.
وأشارت الوزيرة الألمانية إلى أن رفع العقوبات المفروضة على سوريا، يتوقف على التقدم السياسي، مشيرةً إلى أن هناك بعض العلامات الإيجابية، وأنه من السابق لأوانه اتخاذ أي إجراء، مؤكدةً أن الحكم على الإدارة الجديدة سيكون من خلال أفعالها.
وقبيل لقائها بالشرع، قالت بيربوك إنه يجب الحفاظ على حماية حق السوريين، وأنه “لا ينبغي تقويضها عبر فترات طويلة للغاية لحين إجراء انتخابات أو اتخاذ خطوات لأسلمة نظام القضاء أو التعليم”.
وشددت الوزيرة الألمانية على أن بلادها “تريد أن تدعم السوريين في انتقال شامل وسلمي للسلطة، وفي المصالحة بين أفراد المجتمع، وفي عملية التعافي، بالإضافة إلى المساعدات الإنسانية التي لم نتوقف عن تقديمها طوال هذه السنوات”.
موقف حذر
وتكشف الزيارة والتصريحات الأوروبية المتوالية حول سوريا، عن طبيعة الموقف الأوروبي الحذر إزاء دمشق ما بعد الأسد، وهو موقف تغلب عليه الهواجس الأمنية.
ووفقاً للباحث في مركز “جسور” للدراسات عبدالوهاب عاصي، فإن الموقف الأوروبي يتسم مبدئياً بالحذر، لافتاً إلى أن الاتحاد الأوروبي يدعم استقرار سوريا، ويدفع نحو ذلك.
ولفت عاصي في تصريح لـ”الخليج أونلاين”، إلى أن سقوط نظام الأسد “مثّل فرصة كبيرة للانخراط بسياسات جادة لنقل سوريا من دولة غير صديقة تزعزع الاستقرار الإقليمي إلى دولة غير معادية وتدعم الاستقرار في المنطقة، خصوصاً من ناحية إخراج روسيا من المياه الدافئة بعدما تم استبعاد إيران ومليشياتها”.
وأوضح أن أوروبا تطمح أيضاً لتوفير بيئة آمنة لإعادة اللاجئين وإنهاء خطر تنظيم “داعش” والتنظيمات الجهادية التي يمكن تستخدم سوريا كقاعدة لتهديد الأمن الدولي، ومن ناحية إيقاف إنتاج وتصدير المخدرات وغير ذلك الكثير من القضايا الأمنية.
ونوّه الباحث عاصي، إلى أن الدول الأوروبية لا تتبنى بعد سياسة موحدة إزاء الوضع في سوريا، وأن الشرع “يحاول الاستثمار في ذلك من أجل الحصول على اعتراف دولي بالحكم الجديد باعتباره أولوية بالنسبة له.
واستطرد قائلاً: “ألمانيا مثلاً تعده سلطة أمر واقع وما تزال تنظر إليه كمجموعة إسلامية وصلت إلى السلطة، ولم تخف هذا الوصف للضغط على دمشق من أجل الاستجابة إلى شروطها لاعتراف بالحكم الجديد ودعمه ورفع هيئة تحرير الشام وقائدها الذي صار حاكم دمشق عن قوائم الإرهاب، وكذلك بخصوص رفع العقوبات أو منح استثناءات أو دعم مشاريع التعافي المبكر وفق خطة استراتيجية سبق وعرضتها الأمم المتحدة قبل سقوط النظام بأسابيع”.
نتائج مبشرة
وثمة من يعطي تقييماً إيجابياً للاجتماع ونتائجه، ووفقاً للمحلل الساسي والاقتصادي محمود الطرن، فإن هناك “توافق تام على مسألة رفع العقوبات”، مشيراً إلى أن الأوروبيين أبدوا استعدادهم لذلك لكن بالتدريج ومقابل خطوات.
ولفت في تدوينة على منصة “إكس” أن الأوروبيين يشترطون تشكيل حكومة انتقالية تشاركية، وضمان عملية سياسية شاملة، وبيّن أن الوزراء الأوربيين أكدوا خلال الاجتماع على ارتياحهم الكامل للتصور الذي قدمته السلطة المؤقتة في هذا الخصوص.
وأوضح أن الأوروبيين طالبوا بخروج روسيا بالكامل من سوريا، وهو ما أبدت دمشق حوله تحفظاً مع بعض التفهم والاستعداد للنقاش مع الوقت، في حين وعد الوفد الأوروبي بالعمل المكثف الإدارة الجديدة والدخول في شراكة اقتصادية واستراتيجية، بالإضافة إلى إعادة فتح السفارات وعودة البعثات الدبلوماسية في القريب العاجل.
انفتاح وارتياح
وكان الاتحاد الأوروبي رحب بسقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر الماضي، وأبدت الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد كايا كالاس، استعدادهم للعمل مع جميع “الشركاء البنائين” في الشرق الأوسط.
كالاس، قالت إن أولوية الاتحاد الآن تتمثل في ضمان الأمن في المنطقة، مشيرةً إلى أن “نهاية دكتاتورية الأسد تمثل تطوراً إيجابياً طال انتظاره”.
وكذلك صرحت نائبة رئيس وزراء بلجيكا، بيترا دي سوتر، عبر منصة “إكس”، بأن “نهاية ديكتاتورية الأسد تعني بدء مرحلة جديدة في سوريا”، في الوقت الذي قال وزير خارجية أسبانيا خوسيه مانويل ألباريس في تصريح تلفزيوني أدلى به يوم 9 ديسمبر، إنه لا ينتظر حدوث فوضى في سوريا بعد سقوط الأسد.
وفي 9 ديسمبر، قال الاتحاد الأوروبي في بيان له، إن سقوط الأسد “يشكل لحظة تاريخية للشعب السوري، الذي تحمل معاناة هائلة، وأظهر مرونة غير عادية في سعيه لتحقيق الكرامة والحرية والعدالة”.
وشدد على ضرورة أن “تُتاح لجميع السوريين الفرصة لمعرفة الحقيقة بشأن مصير أحبائهم، في إشارة إلى المعتقلين والمفقودين في عهد نظام الأسد”.
ويوم 1 يناير، أكد القائم بأعمال الاتحاد الأوروبي ميخائيل أونماخت، خلال لقاء مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، أن الاتحاد يدعم الانتقال السلمي للسلطة في سوريا، مشدداً على ضرورة تعزيز الأمن والسلم وضرورة وحدة الأراضي السورية واستقلالها.
الشيباني بدوره، دعا خلال لقاءه بالمسؤول الأوروبي إلى ضرورة تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد الأوروبي، وفتح صفحة جديدة بعد سقوط النظام.
ويوم 17 ديسمبر الماضي، زار وفدان دبلوماسيان من ألمانيا وفرنسا سوريا، حيث رأس الوفد الألماني مفوض البلاد للشرق الأوسط توبياس تونكل، والذي التقى الشرع ومسؤولين بالإدارة السورية الجديدة لبحث المستجدات والعلاقات الثنائية.