قطر… حليف الثورة السورية الثابت وركيزة المرحلة الانتقالية بعد سقوط الأسد
منذ الأيام الأولى للثورة، أعلنت قطر تأييدها العلني لمطالب الشعب السوري المشروعة في التغيير الديمقراطي
منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، تبنّت دولة قطر مواقف داعمة للسوريين في سعيهم نحو الحرية والكرامة.
وتميز الموقف القطري عن معظم الدول العربية، حيث تبنّى دعم الفصائل السورية (المعارضة سابقاً) سياسياً وإنسانياً، متصدرة بذلك مساراً استثنائياً لم تحِد عنه إلى حين سقوط الرئيس المخلوع بشار الأسد في 8 ديسمبر.
وزيارة أول وفد قطري رسمي إلى دمشق والتصريحات الإيجابية التي تلتها من قائد الإدارة السياسية والعسكرية أحمد الشرع حول دور الدوحة خلال سنوات الثورة، أعادت تسليط الضوء على دورها المحوري في دعم السوريين وما يمكن أن تقدمه في المرحلة القادمة.
زيارة تاريخية
وصباح الاثنين (23 ديسمبر) وصل وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز الخليفي، إلى دمشق على رأس وفد رسمي رفيع المستوى، هو الأول من نوعه منذ سقوط نظام بشار الأسد وقيام الثورة السورية عام 2011.
وكانت الزيارة إيجابية وفق التصريحات التي صدرت على الخليفي والشرع حيث وجه الأخير دعوة لأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لزيارة سوريا.
وقال الشرع في هذا الصدد:
- وجهنا دعوة لأمير قطر لزيارة سوريا.
- سنبدأ تعاوناً استراتيجياً واسعا مع قطر خلال الفترة المقبلة.
- العلاقات بين الدوحة ودمشق ستعود أفضل مما كانت في السابق.
- الجانب القطري كان ثابتاً على موقفه في كل المراحل إلى جانب الشعب السوري.
- الوفد القطري أبدى استعداده للبدء في استثمارات واسعة في سوريا بمجالات منها الطاقة والموانئ والمطارات.
من جانبه قال وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي:
- بحثنا مع الشرع خطوات المرحلة الانتقالية.
- موقف دولة قطر ثابت في الوقوف إلى جانب سوريا وشعبها.
- الشعب السوري سيد قراره ولن يتعرض للوصاية من أحد.
وبحسب المتحدث باسم الخارجية ماجد الأنصاري، فإن زيارة الوفد القطري تأتي “لعقد مجموعة من اللقاءات مع المسؤولين السوريين، وتجسيداً للموقف القطري الثابت في تقديم كل الدعم للأشقاء في سوريا”.
وأعادت قطر، السبت (21 ديسمبر)، افتتاح سفارتها في العاصمة السورية، لأول مرة منذ 13 عاماً، بعد قرابة أسبوعين على سقوط نظام الأسد.
وتعتبر قطر الدولةَ الثانية التي أعادت فتح سفارتها رسمياً في دمشق بعد تركيا، في الوقت الذي استأنفت فيه العديد من دول العالم، بينها دول خليجية، نشاطها الدبلوماسي بعد أيام من سقوط الأسد.
ثبات قطري
ومنذ الأيام الأولى للثورة، أعلنت قطر تأييدها العلني لمطالب الشعب السوري المشروعة في التغيير الديمقراطي، داعية إلى وقف القمع الوحشي لنظام السوري.
وكانت قطر أول دولة عربية تسلم السفارة السورية إلى المعارضة عام 2013، ما اعتبر اعترافاً بشرعيتها.
وعلى عكس العديد من الدول العربية، رفضت قطر إقامة أي علاقات دبلوماسية أو لقاءات مع النظام السوري طوال سنوات الثورة، حيث تمسكت بموقفها الداعم للمعارضة، حتى مع ضغوط إقليمية ودولية، رافضة أن تكون جزءاً من محاولات إعادة تأهيل نظام المخلوع بشار الأسد.
كما قدّمت مساعدات إنسانية ضخمة للاجئين السوريين داخل سوريا وخارجها، عبر مؤسسة “قطر الخيرية” ومنظمات أخرى، وأنشأت مشاريع إغاثية، مستشفيات ميدانية، ومدارس لدعم الأسر النازحة، ما ساهم في تخفيف معاناة الملايين.
ولم يقتصر الدعم القطري على الاعتراف بالمعارضة بل شمل احتضانها وتنظيم اجتماعاتها، فضلاً عن تقديم الدعم المالي واللوجستي الذي ساعدها في الترويج لقضية الشعب السوري في المحافل الدولية.
وكان أمير قطر صوت السوريين في محنتهم أمام نظام الأسد، حيث لم يخلوا خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة من التشديد على ضرورة رفع الظلم عن الشعب السوري.
وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2023 قال الشيخ تميم إنه “لا يجوز التسليم بالظلم الفادح الواقع على الشعب السوري الشقيق كأنه قدر”.
يتحدث إبراهيم الجبين الكاتب والسياسي السوري، عن الموقف القطري من الثورة السورية قائلاً إنه “موقف مبدئي أخلاقي ينبع من إرادة حقيقية في دعم التغيير بكل صوره، وتعزيز نهضة عربية جديدة أطلقها الجيل العربي الشاب”.
وأضاف في هذا السياق:
-
هذه المبادئ تتكامل مع ما طبّقته قطر على أراضيها وشعبها، عندما قرّرت المضي نحو المستقبل، بآفاقه العلمية والتنموية، مطوّرة حقول التعليم والثقافة والتمدّن، بالتماشي مع النهضة الاقتصادية التي شهدتها.
-
كذلك تتكامل مع مشروعها الكبير “الجزيرة” الذي لم يغيّر فقط وجه الإعلام العربي، بل غيّر مزاج العرب وسلّم قيمهم وباتوا خارج صندوق الخطاب الرسمي العربي الذي تجاوزه الزمن.
-
لهذا حين وقفت قطر مع ثورات الشعوب العربية، اختارت أن تقف مع الإنسان ومع خياراتها هي، فكانت منسجمة مع قرارها حتى لحظة انتصار الثورة السورية وإسقاط نظام الأسد.
-
لم تتراجع قطر ولم تغيّْر مبادئها رغم حملات الضغط الجائرة وأبرزها سنوات الحصار، واستمرّت على نهجها في دعم الشعوب وفلسفة التغيير، رغم الحملات والانتقادات.
-
تعاملت مع المعارضة السورية بحكمة وصبر، واحتضنت مؤسسات المعارضة وتشكيلاتها، واستضافت الاجتماعات والمؤتمرات في الدوحة، ودعمت كل مشاريع المعارضة وبقيت على مسافة واحدة بين أطيافها.
-
قدّمت الدوحة التمويل والمساعدات للنازحين واللاجئين السوريين، وبنت المساكن في الشمال المحررّ إلى جانب معالجة المرضى والمعاقين وكفالة الأيتام.
-
عملت في مفاصل زمنية عديدة كممثل دبلوماسي للسوريين في الأوساط والمحافل الدولية، منافحة عن عدالة قضيتهم ورافضة لمحاولاتت تفتيت المعارضة السورية وكافة محاولات الالتفاف على بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2254.
-
كل ذلك دون أن نغفل دورها في تعزيز قوة الجيش السوري الحر في بداياته ثم الفصائل المختلفة، وكل تلك الجهود كانت رهاناً قطرياً على الجانب الصائب من الصراع، أي الشعب السوري الذي تعرّض لأبشع أنواع الاضطهاد والقمع والقتل والتشريد.
الدور المستقبلي
وأمام الرصيد المشرف الكبير الذي تركته قطر في الذاكرة السورية، يبرز دورها كأحد أهم الداعمين في المرحلة القادمة والمرحلة الانتقالية.
حيث لم يخفي الشرع رغبته في ذلك، وأكد على البدء في تحقيق تعاون استراتيجي واسعا مع قطر خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي سيكون مرحباً فيها حتى شعبياً
كما أنه مع تطورات المشهد الإقليمي والدولي، يظل الشعب السوري يعوّل على مواقف قطر الثابتة وأدوارها المؤثرة في دعم استقرار بلادهم ومواجهة التحديات العاصفة من كل حدب وصوب.
ويوضح الجبين كيف استطاعت قطر أن تميز نفسها عن باقي الدول العربية في دعمها للسوريين قائلاً:
-
بقيت قطر وحيدة مع مرور السنوات، وانطلاق قطار ما سمي بالتطبيع العربي مع نظام الأسد المجرم، ورفضت التراجع عن موقفها منه، وظلّت تصرّ على دعم تطلعات الشعب السوري بالحرية والكرامة.
-
لم تقبل قطر الابتزاز السياسي، الذي كان يرمي إلى ثنيها عن رفض التطبيع مع الأسد والرجوع عن دعم السوريين.
-
استثمرت قطر في قواها الناعمة والصلبة، لحماية وترصيص موقفها الرافض للأسد والداعم بقوة للشعب السوري.
-
هذا البعد يكمّل صورة قطر ويقوّي حضورها دولياً، لا كدولة خليجية ثرية وحسب، بل كدولة تمتلك رؤية ومبادئ متقدّمة.
-
بثباتها هذا استطاعت قطر وضع اسمها وموقفها الوازن على طاولة صناع القرار الدولي، مهما تبدّلت الإدارات في الولايات المتحدة وأوروبا.
كما يوضح الكاتب والكاتب والسياسي السوري، كيف استفاد السوريون من وجود السفارة التابعة للمعارضة في الدوحة قائلاً:
-
لم يكن مستغرباً أن لا يرفع علم الثورة السورية الأخضر سوى في نقطة وحيدة في العالم، هي الدوحة.
-
بعد تسليم السفارة السورية للمعارضة وتدشينها كسفارة للثورة، خوّل هذا القرار السوريين من حيازة شرعية دبلوماسية ما على رقعة صغيرة من الأرض، ستكون بداية الشرعية التي أصبحت اليوم في كل مكان وفي مقدمته الدولة السورية ذاتها، ودمشق عاصمتها، هذا على المستوى السياسي.
-
أما على المستوى القنصلي، فقد كانت السفارة السورية في الدوحة المكان الوحيد الذي يمكن للسوريين دخوله بأمان والحصول على الوثائق التي يحتاجونها، بعد أن حرمهم منها نظام الأسد.
أما عن الرسائل التي يمكن أن توصلها قطر للسوريين عبر استمرار دعمها لهم والدور المستقبلي لها في سوريا الجديدة يقول:
-
يمكن باستمرار هذا الدعم بكل أنساقه السياسية والتنموية أن تتحوّل إلى شريك ذي مكانة خاصة، “له أولوية” كما عبّر قائد الإدارة السورية أحمد الشرع خلال استقباله للوفد القطري.
-
هذا التنسيق بين الجانبين من شأنه أن يسهم في عملية إعادة إعمار سوريا
-
يمكن لقطر تقديم المساعدة التقنية والاقتصادية لإعادة بناء مؤسسات الدولة السورية ومرافقها، واعتبار سوريا رئة لقطر على حدود الناتو.
-
خبرات قطر في الاستثمار في حقول الطاقة والغاز، ضرورية للسوريين ويمكن أن تسهم في تطوير استخراج النفط والغاز السوريين وتسويقها.
-
سورية الجديدة اليوم، بأمس الحاجة إلى حماية ظهرها سياسياً، والاستناد على القطريين والأتراك، كفيلٌ بتحقيق هذا المطلب الملح.
شكر على الموقف التاريخي
ومع تحرير سوريا من قبضة النظام، ازدادت الأصوات التي تعبر عن الامتنان والشكر لدولة قطر على موقفها التاريخي الثابت.
وشهدت وسائل التواصل الاجتماعي تفاعلاً واسعاً حول الدور المحوري الذي لعبته دولة قطر في دعم الثورة السورية، وجاءت التغريدات لتعبّر عن الشكر والامتنان لقطر على مواقفها التي امتدت من الدعم السياسي والدبلوماسي وصولاً إلى المساندة الإنسانية.
كما استذكر مغردون كيف كانت قطر من أوائل الدول التي انحازت إلى مطالب الشعب السوري، متخذة موقفاً واضحاً ضد النظام القمعي وداعمة للثوار في المحافل الدولية.
هذا التفاعل الشعبي يُظهر أن المواقف النبيلة لا تُنسى، وأن دعم قطر للثورة السورية سيبقى محفوراً في ذاكرة السوريين كأحد أهم المحطات في نضالهم من أجل الحرية.