القصف الإسرائيلي في اليمن.. تساؤلات حول استهداف البنية الاقتصادية فقط
أعلن الجيش الإسرائيلي أنه شن غارات جوية على أهداف وصفها بـ”العسكرية” تابعة للحوثيين في اليمن شملت “موانئ وبنى تحتية للطاقة”
عاشت مدينتي صنعاء والحديدة اليمنيتين على وقع غارات إسرائيلية، في تصعيدٍ جديد ضد جماعة الحوثي المدعومة من إيران، إلا أن ما كان لافتاً أن تلك الغارات استهدفت منشآت اقتصادية وراح ضحيتها مدنيين يعملون فيها.
ويعد هذا الهجوم (ديسمبر 2024)، هو الثالث الذي تشنه “إسرائيل” على اليمن منذ بداية الإبادة بغزة في أكتوبر 2023، حيث كان الأول في يوليو والثاني في سبتمبر 2024، عبر استهداف ميناء الحديدة ومنشآت الوقود في محطة توليد الكهرباء بالمدينة.
ومع الهجوم الإسرائيلي الثالث، ثمة تساؤلات بدأت تُطرح عن سر استهداف الحوثيين لمنشآت اقتصادية في مناطق سيطرة الحوثي، وتجنبها استهداف المنشآت العسكرية أو قيادات تابعة للجماعة، على عكس ما قامت به مؤخراً في سوريا، أو هجماتها التي نفذتها بشكلٍ كبير ضد “حزب الله” في لبنان.
هجوم ثالث باليمن
انفجارات عنيفة وحرائق استيقظ عليها اليمنيون في صنعاء والحديدة فجر الخميس (19 ديسمبر 2024)، حيث أعلن الجيش الإسرائيلي أنه شن غارات جوية على أهداف وصفها بـ”العسكرية” تابعة للحوثيين في اليمن شملت “موانئ وبنى تحتية للطاقة”، في هجوم أعقب اعتراضاً لصاروخ أطلقته الجماعة باتجاه “إسرائيل”.
وأتى هذا البيان بعيد إعلان جيش الاحتلال أنه اعترض “بنجاح” صاروخاً أُطلق من اليمن، مشيراً إلى أن صفارات الإنذار دوت في وسط “إسرائيل” لتحذير السكّان من خطر سقوط حطام نتيجة عملية الاعتراض.
بينما يقول الحوثيون إن هجومهم على تل أبيب حدث بالتزامن مع الهجوم الإسرائيلي على اليمن، وأن الهجوم الإسرائيلي لن يثنيهم عن الرد ومواصلة دعم غزة.
وأوردت قناة “المسيرة” الناطقة باسم الجماعة أن غارات عدة “استهدفت محطتي كهرباء حزيز وذهبان المركزيتين جنوب وشمال العاصمة صنعاء”، بينما استهدفت غارات أخرى في محافظة الحديدة الساحلية غرب ميناء الحديدة ومنشأة رأس عيسى النفطية؛ ما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص وإصابة آخرين.
ولم تعلن جماعة الحوثي رسمياً عن حجم الأضرار الناتجة عن الغارات في الحديدة، لكن وكالة “الأناضول”، نقلت عن مصدر مقرب من المليشيا قوله بأن “هجمات إسرائيل أدت إلى تضرر الرافعات الخاصة بنقل البضائع في ميناء الحديدة، فضلاً عن خسائر في البنية التحتية”.
هجمات سابقة
وسبق أن نفذ جيش الاحتلال هجومين على جماعة الحوثي في اليمن؛ الأول في 20 يوليو، والثاني في 28 سبتمبر الماضيين، استهدفا مدينة الحديدة غرب البلاد، فيما كان الهجوم الأخير هو الأول الذي يصل إلى صنعاء.
وكان أول قصف إسرائيلي على اليمن قد وقع في 21 يوليو الماضي، حينما نفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات على محطة الكهرباء، ومنشآت تخزين وتصدير النفط والغاز في الحديدة.
ووصف جيش الاحتلال حينها الأهداف التي ضُربت، بـ”غير البريئة” وتابعة لجماعة الحوثيين، في الوقت الذي اعتبر فيه وزير الحرب الإسرائيلي الهجوم “رسالة للشرق الأوسط كله”.
أما الهجوم الإسرائيلي الثاني على الحديدة فجاء بعد إطلاق الحوثيين صاروخاً باليستياً من طراز “فلسطين 2” على مطار بن غوريون في “إسرائيل”، يوم السبت (28 سبتمبر)، وأيضاً استهداف تل أبيب بصاروخ مماثل وعسقلان بمسيّرة يوم الجمعة (27 سبتمبر).
وعلى ضوء ذلك شنت مقاتلات إسرائيلية، الأحد (29 سبتمبر)، سلسلة غارات عنيفة على مواقع متفرقة في الحديدة، حيث استهدفت ميناءي الحديدة ورأس عيسى على البحر الأحمر، في حين قالت جماعة الحوثي: إن “القصف استهدف أعياناً مدنية، ومن ضمنها محطة الكهرباء ومطار الحديدة”.
معاقبة اليمنيين
وطرحت تساؤلات كثيرة حول أسباب تجنب الاحتلال الإسرائيلي قصف الأسلحة ومواقع تمركز قوات الحوثيين في اليمن في الهجمات الثلاث، وحول ذلك يقول الكاتب والمحلل السياسي عبدالله السامعي إن “الكيان الصهيوني يتعمد استهداف البنية التحتية في اليمن لأن الهدف من هذا العدوان هو معاقبة الشعب اليمني وليس الحوثيين”.
ومع أن “إسرائيل” تمكنت من قتل معظم قيادات “حزب الله” بمن فيهم زعيم الجماعة اللبنانية، إلا أن هجماتها لم تستهدف أي قيادي حوثي كما يقول السامعي، ويضيف: “رغم أن استهداف القيادات الحوثية ليس أصعب من استهداف قيادات حزب الله لكن لم يتم استهداف أي منهم”.
ويضيف لـ”الخليج أونلاين” بالقول: “يعلم الاحتلال الصهيوني أن اليمن من أكثر البلدان الداعمة للمقاومة الفلسطينية من قبل انقلاب الحوثيين وظهورهم إقليمياً كذراع إيرانية، ولذلك يدمر المنشآت الحيوية لمعاقبة اليمنيين جميعاً، رغم أن بعض المنشآت المستهدفة عطلتها مليشيا الحوثي بعد انقلابها في 2014 وجاء القصف الإسرائيلي ليكمل ما بدأته المليشيا وكأنه مخطط واحد لتدمير هذه المنشآت”.
وأكمل: “الكيان الصهيوني هو بالنسبة لليمنيين جميعاً عدو أزلي، وعندما يقول الكيان إنه يهاجم أهداف حوثية، يستغل الحوثيون ذلك لتحقيق مصالح خاصة مثل تحشيد المقاتلين والظهور على المستويين الإقليمي والعربي كقوة مقاومة”.
واستطرد قائلاً: “المتضرر الوحيد من الهجمات التي تقوم بها إسرائيل هو الشعب اليمني، حيث لم تغير هذه الهجمات من موقفه الواضح من الكيان الصهيوني والداعم للقضية الفلسطينية كما لم يتغير الموقف الشعبي من الحوثيين كذراع إيرانية عملت على تعطيل مؤسسات الدولة وإيقاف الخدمات ونشر الصراع الطائفي”.
لا مساس بالجماعة
ويتفق نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي من أن الهجمات لم تستهدف قوات الحوثيين على الأرض كما يقول الصحفي عدنان الجبرني الذي أكد أنه “إلى حد الآن، ما تزال إسرائيل في مرحلة الاستهداف الدعائي للحوثيين بهدف التقاط صورة حرائق ودخان متصاعد لإرضاء الداخل الإسرائيلي بشكل أساسي”.
وتابع: “تقوم بتكريس مفهوم اليد الطويلة لكنها عملياً لم تقرر بعد الإضرار بالحوثيين كجماعة وقيادة وسلاح وتهديد، بشكل مباشر، على الأقل من خلال نوعية أهداف هذا الصباح”.
أما الناشط همدان العليي فيرى أن “عمليات تدمير المشاريع الاستراتيجية التي أنشئت في زمن النظام الجمهوري خلال نصف قرن، تتم اليوم على يد وبالتنسيق بين الطرفين”.
ويشير بحديث في صفحته بمنصة “إكس”، إلى أن “إسرائيل” والحوثيين “كانوا يقاتلون جنباً إلى جنب ضد ثوار 26 سبتمبر (1962). فمن المعروف بأن إسرائيل تحالفت مع القوات الإمامية (أجداد الحوثيين) ضد الجمهوريين في ستينيات القرن الماضي”.
تطورات المشهد
ولعل التساؤلات تأتي في وقتٍ تتعرض سوريا لهجمات بالمئات من الغارات الإسرائيلية منذ هروب الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد من دمشق فجر الأحد 8 ديسمبر الجاري، وجميعها استهدفت أسلحة عسكرية كانت بيد النظام المدعوم حينها من إيران حليفة الحوثيين.
كما أدت الهجمات الإسرائيلية المكثفة بلبنان في سبتمبر وأكتوبر الماضيين، إلى مقتل المئات من قيادات وعناصر “حزب الله” بينهم زعيم الجماعة حسن نصر الله، فضلاً عن تدمير واسع لبنيتها العسكرية.
وفي المقابل ومنذ نوفمبر 2023، يشن الحوثيون هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر وخليج عدن انطلاقاً من المناطق الخاضعة لسيطرتهم في اليمن، في ما يعتبرونه “دعماً” للفلسطينيين في قطاع غزة حيث تدور حرب مدمرة يشنها الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر 2023.
وأدت هجمات الحوثيين على خطوط الملاحة البحرية هذه إلى اضطرابات كثيرة في حركة النقل البحري في هذه المنطقة الأساسية للتجارة العالمية، فضلاً عن الهجمات التي تصل للأراضي المحتلة.
ورداً على هذه الهجمات ضد السفن تشن الولايات المتحدة، بالاشتراك أحياناً مع بريطانيا، غارات ضد ما تقول إنه مواقع عسكرية للحوثيين في اليمن، فيما يقول الحوثيون إنه لم يقتل أي من عناصره أو قياداته خلال أكثر من عام رغم الهجمات من “إسرائيل” أو من لندن وواشنطن.