قصف جوي وتوغل بري.. ما أهداف التحركات الإسرائيلية في سوريا؟
ما هي الأهمية الاقتصادية والجغرافية للجولان المحتلة؟
تعد مصدراً حيوياً للمياه وتطلّ على مناطق استراتيجية.
بماذا بررت “إسرائيل” توسيع توغلها في سوريا؟
وصفته بـ”الحفاظ على أمنها”.
مع التغيرات الجذرية التي تشهدها الساحة السورية، أصبح مستقبل الجولان المحتل قضية محورية في النقاشات الإقليمية والدولية، خاصة بعد التحركات المريبة التي تقوم بها تل أبيب.
سيطرت “إسرائيل” على هذه الهضبة الاستراتيجية خلال حرب 1967، وأعلنت ضمها في عام 1981، وهي خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.
وفي العقود التي تلت، ظلت الجولان تمثل نقطة خلاف حادة بين سوريا و”إسرائيل”، حيث عززت الأخيرة وجودها العسكري والاستيطاني في المنطقة، متجاهلة المطالبات السورية والدولية.
وبعد سقوط نظام بشار الأسد، تتزايد التساؤلات حول مصير هذه المنطقة المحتلة، وما إذا كانت ستفتح أبواب مفاوضات جديدة أم تعمق الصراعات المستمرة، خصوصاً مع تدمير “إسرائيل” للقدرات الجوية السورية في قصف عنيف خلال يومين.
الجولان المحتل
تعد الجولان واحدة من أهم المناطق الاستراتيجية في الشرق الأوسط، وذلك بفضل ارتفاعها الجغرافي، حيث توفر رؤية شاملة للمناطق المحيطة، بما في ذلك شمال “إسرائيل” ودمشق.
بالإضافة إلى ذلك، تعد مصدراً مائياً حيوياً، حيث تحتوي على ينابيع حرمون ومصادر لنهر الأردن وبحيرة طبريا.
وتعتبر “إسرائيل” الجولان جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، رغم أن القانون الدولي يعتبرها أرضاً سورية محتلة، وفي عام 2019، دعمت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إعلان سيادة دولة الاحتلال على الجولان، وهو قرار قوبل برفض عالمي واسع.
توسيع الاحتلال
استغلت “إسرائيل” سقوط النظام السوري، لتسارع إلى اتخاذ خطوات تستهدف ما وصفته بـ”الحفاظ على أمنها”، بعد أن فقدت أحد الضمانات التاريخية لهدوء جبهة الجولان التي ظلت ثابتة لعقود في ظل نظام الأسد.
وفي 8 ديسمبر الجاري، دخلت دبابات إسرائيلية إلى المنطقة العازلة في مرتفعات الجولان المحتلة، وذلك عقب سيطرة فصائل المعارضة السورية المسلحة على مواقع قريبة من الحدود الإسرائيلية، وأثار هذا التحرك تفسيرات متعددة، حول أنه إجراء أمني احترازي.
هذا التطور في سوريا دفع “إسرائيل” إلى مراجعة سياستها الأمنية في المنطقة، مع تعزيز الإجراءات العسكرية على طول الحدود، فمنذ تحرير المعارضة لمدينة حلب، وما تلاه من انهيار سريع لقوات النظام وتقدمه نحو مناطق حيوية مثل حماة وحمص، صعدت القيادة الإسرائيلية، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، من وتيرة الاجتماعات الأمنية.
وأسفرت هذه النقاشات عن سلسلة من القرارات الاستراتيجية، أبرزها استهداف مستودعات الأسلحة السورية عبر غارات جوية مكثفة لضمان عدم وقوعها في أيدي جماعات تهدد “إسرائيل”.
وأفادت قناة “إن 12” الإسرائيلية بأن الجيش الإسرائيلي عزز وجوده في المناطق الحدودية، فيما أكد مصدر محلي لوكالة الأنباء الألمانية أن القوات الإسرائيلية توغلت داخل الأراضي السورية وأطلقت أربع قذائف خلال العملية.
من جانبه، أوضح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، عبر حسابه على منصة “إكس”، أن الجيش نشر تعزيزات إضافية في المنطقة العازلة استناداً إلى تقييمات أمنية حديثة.
وأشار إلى أن هذا الإجراء يأتي كخطوة استباقية لمنع دخول مسلحين إلى المنطقة، في ظل تطورات الأوضاع في سوريا.
وأضاف أدرعي أن القوات الإسرائيلية ركزت انتشارها في مواقع دفاعية حيوية بهضبة الجولان وفي المنطقة العازلة، بهدف تعزيز الأمن وضمان حماية سكان المنطقة الحدودية والمواطنين الإسرائيليين.
كما أعلنت “إسرائيل” إلغاء اتفاقية فك الاشتباك الموقعة مع سوريا عام 1974، في خطوة تضمنت تعزيز سيطرة الجيش الإسرائيلي على المنطقة العازلة في الجولان، التي تمثل نحو 200 كيلومتر مربع من أصل المساحة الكاملة للهضبة.
وبالرغم من وجود قوات “الأندوف” التابعة للأمم المتحدة، سارعت “إسرائيل” إلى تعزيز وجودها العسكري في المنطقة، بما في ذلك عمليات تمشيط للبحث عن أسلحة وخنادق.
وفي إجراء ذي دلالات سياسية وعسكرية، رفع جنود الاحتلال علم “إسرائيل” على قمة جبل الشيخ، التي يبلغ ارتفاعها 2500 متر، معلنين السيطرة عليها.
علاوة على ذلك، فرض الجيش قيوداً صارمة على تحركات سكان خمس قرى محاذية، مطالباً إياهم بالبقاء في منازلهم حتى إشعار آخر.
من جانبها، أعلنت العديد من الدول العربية، عن إدانتها للقصف الإسرائيلي على سوريا والاستيلاء على المنطقة العازلة، وجاء ذلك في بيانات رسمية منفصلة أصدرتها قطر والسعودية والكويت والإمارات وعُمان والأردن والعراق وجامعة الدول العربية، وغيرها من الدول.
أهمية استراتيجية
ويشير المحلل السياسي السوري هشام إسكيف، إلى وجود حالة من الارتباك بهذا الشأن، في ظل وجود اتفاقيات فك الاشتباك بين دمشق وتل أبيب.
وأكد في حديثه مع “الخليج أونلاين” أن الجولان “هي أرض سورية محتلة وفق القرارات الأممية، لكن هذا الملف يحتاج إلى بحث موسع، بعد عودة مقعد سوريا في الأمم المتحدة”.
ويعتقد إسكيف أنه “رغم أهمية الجولان الكبيرة استراتيجياً وجغرافياً، لكن ما يحرك السوريين تجاهها بأنها أرض سورية، إلا أن الملف يحتاج إلى تخطي المرحلة الانتقالية الحالية في دمشق بعد إزاحة نظام الأسد”.
بدوره يرى الخبير السياسي سعد الخطيب، أن “تحركات الكيان الصهيوني في هذه المرحلة تدل على ارتباكه مع الوضع الجديد الذي حصل في سوريا، وخوفه من الحراك الثوري جعله يتخذ خطوات استباقية لتعزيز خطوطه الدفاعية”.
ويضيف لـ”الخليج أونلاين” أن “المعلوم في الشارع السوري أن حافظ الأسد هو الذي سلم الجولان المحتل للكيان الصهيوني بخيانة واضحة وجلية، وسقوط نظام الأسد يعني أن حقبة الخيانة قد انتهت، وأن عهداً وطنياً جديداً قد بدأ، وبالتالي تمسك الشعب السوري بحقه في استعادة أرضه أمر مشروع”.
وأوضح الخطيب أن “الشعب السوري اليوم لديه أولويات يريد العمل عليها وأهمها تحقيق الأمن والاستقرار والعدالة والتنمية وتأمين المنشآت الحيوية والخدمات العامة في سوريا”.
ولفت إلى أن “معظم دول العالم داعمة للكيان الصهيوني المحتل، فلن يكون المجتمع الدولي منصفاً في تعامله مع الكيان، خاصة وأن للكيان تاريخ طويل في تجاهل جميع القرارات الدولية التي صدرت ضده الخاصة بالتوسع والاستيطان”.
تصعيد ملحوظ
وفي تصعيد ملحوظ، نفذت القوات الجوية الإسرائيلية سلسلة من الغارات المكثفة خلال الأيام الماضية، استهدفت أكثر من 300 موقع استراتيجي داخل سوريا، فيما وصفه إعلام الاحتلال بـ”أكبر عملية جوية في تاريخ إسرائيل”.
وتضمنت هذه الأهداف أنظمة صواريخ متطورة، مواقع للدفاع الجوي، مستودعات أسلحة وذخائر، منشآت تصنيع عسكرية، ومرافق مرتبطة بإنتاج الأسلحة الكيميائية، ومطارات عسكرية وأسراب طائرات ورادارات ومحطات إشارة عسكرية، وسفن حربية.
ووفقاً لمصادر إعلامية سورية، ركزت أعنف الضربات الجوية على مستودعات ذخيرة في ريف درعا جنوب البلاد، بالإضافة إلى مواقع في مناطق جديا شمالي إنخل، وتل الحمد غرب الشيخ مسكين، وتل الشعار في القنيطرة.
كما سُجلت انفجارات عنيفة بالقرب من مطار المزة العسكري في العاصمة دمشق نتيجة الضربات، بالإضافة إلى مهاجمة المعسكرات السورية في حماة وريفها.
وأوردت صحيفة “إسرائيل اليوم” أن تل أبيب تستهدف بشكل ممنهج تدمير مخزون الأسلحة الاستراتيجية الثقيلة التابعة للجيش السوري، مؤكدة أن الهدف الأساسي هو منع وصول هذه الترسانات إلى أيدي الفصائل المسلحة المعارضة، خشية استخدامها مستقبلاً ضد “إسرائيل”.
من جهته، يرى الكاتب والباحث السياسي محمد علوش، أن “الأهداف التي تسوّق لها إسرائيل بأنها تهدف لتدمير الأسلحة الإيرانية، وقطع شريان الحياة والإمدادات لحزب الله في لبنان، غير دقيقة وغير واقعية”.
ويضيف في حديث لـ”الجزيرة نت” أن “إسرائيل لديها هدف آخر، فهي تستغل حالة الفراغ السياسي والخلل الأمني لقضم مزيد من الأراضي السورية بحجة الحفاظ على الأمن، ولديها دعم واضح من الولايات المتحدة”.
ولفت علوش إلى أن “تل أبيب تراهن أن الحكومة القادمة في سوريا تريد الحصول على الشرعية الدولية ولا تريد أن تدخل في مشاكل إضافية، لذلك تحاول إسرائيل فرض أمر واقع جديد على الدولة السورية القادمة بأنها إذا رفضت أو حاولت الاعتراض على هذا التطور الميداني فإنها تعلن الحرب على إسرائيل مباشرة”.
وفي تطور لاحق أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، في 10 ديسمبر، إن البحرية الإسرائيلية دمرت الأسطول البحري السوري، واصفاً ما حدث بـ”النجاح الكبير”.
وكان مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، أكد ضرورة وقف التحركات والقصف الإسرائيلي داخل الأراضي السورية.