تحول مالي رقمي يضع الإمارات على خارطة الريادة المصرفية العالمية
بلغت قيمة أصول البنوك الإماراتية 3.2 تريليون دولار، وبدأ القطاع المصرفي بالتطور الملحوظ بعد تأسيس الاتحاد عام 1971
حققت الإمارات العربية المتحدة نقلة نوعية في قطاع الخدمات المصرفية، لتصبح نموذجاً رائداً على مستوى الشرق الأوسط.
يعكس هذا التحول رؤية استراتيجية تهدف إلى تحقيق الريادة الاقتصادية والتقنية، وذلك ضمن إطار رؤية الإمارات 2030، فقد عملت الحكومة الإماراتية والمؤسسات المالية على تطوير القطاع المصرفي من خلال تبني التكنولوجيا الحديثة، وتعزيز الابتكار، وتهيئة بيئة تنظيمية مشجعة للنمو والاستدامة.
خدمات متقدمة
استطاعت الإمارات تحسين الخدمات المصرفية لتلبية احتياجات العملاء المتزايدة من حيث السرعة، والكفاءة، والتواصل الرقمي، إذ ركزت الجهود على استخدام التكنولوجيا المالية (FinTech)، التحول إلى مجتمع غير نقدي، وتعزيز الحوكمة والشفافية المالية، مما أسهم في تعزيز الثقة بين المؤسسات المالية والمستثمرين.
وحققت الدولة الخليجية مكانة ريادية في قطاع الخدمات المصرفية بمنطقة الشرق الأوسط، متصدرة المشهد بأكبر حصة من أصول البنوك في المنطقة التي تبلغ قيمتها 3.2 تريليون دولار.
إلى جانب ذلك، تقود الإمارات تحولاً رقمياً شاملاً يُعد نموذجاً يُحتذى به في تعزيز التحول المالي على المستوى الإقليمي، وفقاً لتقرير صادر عن شركة الاستشارات الإدارية العالمية “آرثر دي ليتل” ونقلته وكالة أنباء الإمارات “وام”.
سلط التقرير الضوء على الجهود الإماراتية في تطوير الخدمات المصرفية الرقمية، حيث أكد الشريك في قسم ممارسات قطاع الخدمات المالية لدى “آرثر دي ليتل”، ياسين محي الدين، أن الإمارات لا تكتفي بمنافسة الأسواق العالمية، بل تسعى لتحديد معايير جديدة لهذا القطاع من خلال استراتيجيات مثل إطلاق العملة الرقمية ودمج تقنية “البلوك تشين”، مما يُعيد تعريف المركز المالي الحديث ويضع أسساً جديدة للشمول المالي والابتكار الاقتصادي.
وأضاف محي الدين، أن البنوك الإماراتية تستفيد من خبرات أسواق عالمية متقدمة مثل جنوب شرق آسيا، مما ساهم في تسريع وتيرة الابتكار، بدءاً من المصرفية المفتوحة إلى تحليلات البيانات التي تُعزز ولاء العملاء وتوفر حلولاً مخصصة للشركات الصغيرة والمتوسطة.
وبحسب التقرير، شهد القطاع المصرفي الرقمي في الإمارات نمواً سنوياً مركباً بنسبة 8.7% خلال العامين الماضيين، مع توقعات باستمرار هذا الزخم بمعدل 4.8% سنوياً حتى عام 2029، ليصل حجم القطاع إلى 175.7 مليار دولار.
وتعتمد البنوك الإماراتية على تقنيات متطورة تشمل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، والبلوك تشين، مما يُعزز كفاءة العمليات ويضع معايير جديدة لتجربة العملاء.
وأشار مدير المشاريع الأول لدى “آرثر دي ليتل”، نيلسون دانام، إلى أن تحول القطاع المصرفي الإماراتي يتجاوز التكنولوجيا، ليشمل تبني ثقافة الابتكار والتغيير، مما يعكس الرؤية المستقبلية للبنوك الإماراتية في قيادة هذا التحول.
وأكد أن 80% من البنوك الإماراتية تضع التحول الرقمي على رأس أولوياتها لعام 2024، مما يُعزز من مكانة الإمارات كرائدة في مجال الابتكار المالي على مستوى المنطقة.
ومن خلال شراكات استراتيجية مع شركات التكنولوجيا الرائدة ومنصات إدارة علاقات العملاء، تواصل البنوك الإماراتية إعادة صياغة التجربة المصرفية الرقمية، مع التركيز على تقديم خدمات استثنائية وتحقيق كفاءة تشغيلية عالية، ما يرسخ مكانة الإمارات كرائد عالمي في هذا القطاع.
ريادة إماراتية
ويقول الخبير الاقتصادي جلال بكار، إن الإمارات تمتلك مكانة وأهمية اقتصادية إقليمياً ودولياً لأسباب عدة، أبرزها ريادتها في المجالات الاقتصادية العامة، مشيراً إلى تطور القطاع المصرفي الذي يعتمد كأساس لاقتصاد أي دولة.
ويضيف لـ”الخليج أونلاين” أن القطاع المصرفي يعتبر مهم جداً للدولة، بسبب أهمية تواجد السيولة المصرفية للمستثمرين والمقيمين على أراضي أي دولة في العالم، وهذا ما كانت به رائدة دولة الإمارات.
ويشير بكار إلى “نمو أصول القطاع المصرفي الإماراتي لأكثر من 12 مرة، حيث قفز من 75 مليار دولار أمريكي عام 2000، إلى أكثر من 900 مليار دولار في عام 2022”.
ويبيّن أن ذلك يعتبر قيمة مضافة للمستثمرين وللشركات الأجنبية، لاسيما وأن الإمارات كانت رائدة على المستوى إعلامياً في مستوى جذب الاستثمارات، بأنها بلد مستقر يعمل على جذب الاستثمارات وتطوير الاقتصادات.
ويؤكد بكار بأن ما يميز اقتصاد الإمارات هو المستقبل الواعد، وخطة التطور المستدامة للاقتصاد، ما يجعلها وجهة اقتصادية مهمة للشركات والدول وبعض الأفراد من المستثمرين أصحاب الأصول المرتفعة.
تحولات كبيرة
تعتبر دولة الإمارات من الدول الرائدة في تقديم خدمات مصرفية متطورة، مدعومة برؤية استشرافية تواكب التحولات الاقتصادية العالمية.
بدأ القطاع المصرفي في الإمارات كنظام تقليدي يعتمد على البنوك المحلية والإقليمية، ولكنه تطور ليصبح مركزاً مالياً عالمياً، مستفيداً من البيئة التنظيمية المتقدمة، والاستثمار في التكنولوجيا، ودعم الحكومة لسياسات التحول الرقمي.
وتشكلت بيئة القطاع المصرفي الإماراتي نتيجة سلسلة من المبادرات والقرارات، مثل تعزيز البنية التحتية الرقمية، وتشجيع الابتكار، واستقطاب الكفاءات العالمية، وتسهيل دخول الشركات الناشئة في التكنولوجيا المالية.
وبدأ النظام المصرفي في الإمارات خلال خمسينيات القرن الماضي مع تأسيس أول بنك محلي (بنك دبي الوطني).
وبعد تأسيس الاتحاد في عام 1971، شهد القطاع تطوراً ملحوظاً بإنشاء مصرف الإمارات المركزي الذي وضع الأطر التنظيمية لتطوير القطاع.
وتسارعت وتيرة التحول الرقمي خلال العقدين الأخيرين، فقد أطلقت البنوك الإماراتية مبادرات لتوفير الخدمات المصرفية الرقمية، مثل بنك الإمارات دبي الوطني الذي أنشأ “Liv”، أول بنك رقمي بالكامل في الإمارات، كما تم تعزيز الابتكار في القطاع المالي من خلال مبادرات مثل “صندوق دبي للمستقبل” و(FinTech Hive)، مما دعم إطلاق شركات مالية مبتكرة مثل (Payit) و(YAP)، وفق ما نقله موقع (FinTech Hive).
ونقلت وكالة الأنباء الإماراتية في 24 أكتوبر الماضي، إعلان مصرف الإمارات المركزي عن ارتفاع إجمالي الأصول المصرفية شاملاً شهادات القبول المصرفية على أساس شهري بنسبة 0.5% إلى ي 1.06 تريليون دولار أمريكي في نهاية أغسطس الماضي للمرة الأولى في تاريخها، وذلك مقارنة بنحو 1.056 تريليون دولار في نهاية يوليو 2023.