الاخبار

شح المياه وتغير المناخ.. الخليج وشمال أفريقيا أمام اختبار الأمن المائي

90 % من سكان العالم العربي يعانون من ندرة المياه، فيما يفتقر نحو 50 مليون شخص في المنطقة العربية إلى مياه الشرب الأساسية

تواجه منطقة الخليج وشمال أفريقيا تحديات متزايدة في توفير المياه بسبب تغير المناخ، الذي يُعد أحد أكبر التحديات البيئية في العصر الحديث.

ومع تصاعد درجات الحرارة، وزيادة الجفاف، وتدهور الموارد المائية، أصبح من الضروري اتخاذ تدابير عاجلة لضمان استدامة المياه.

ويعتمد الأمن المائي في هذه المناطق على مزيج من السياسات الحكيمة، والتكنولوجيا الحديثة، والتعاون الإقليمي والدولي لمواجهة التحديات المتزايدة التي تهدد التنمية المستدامة.

تأثير كبير

يشكل تغير المناخ أحد التحديات الكبرى التي تهدد الموارد المائية في العالم، خاصة في المنطقة العربية، حيث تقع المنطقة في نطاق يتميز بندرة المياه جغرافياً، مما يجعلها أكثر عرضة لتداعيات تغير المناخ.

وبالتزامن انعقاد مؤتمر المناخ “كوب 29” خلال الفترة بين 11-22 نوفمبر الجاري، تتزايد الحاجة إلى تسليط الضوء على أزمة المياه في الدول العربية، حيث باتت هذه الأزمة تتفاقم نتيجة للأنشطة البشرية، والتغيرات المناخية التي تؤثر على أنماط التساقط ودرجات الحرارة.

وتشير توقعات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) إلى اتجاه مقلق نحو ارتفاع درجات الحرارة وجفاف أكبر في الشرق الأوسط، ومن المرجّح أن يواجه نحو 20% من الدول ندرة مياه دائمة بحلول عام 2040، وسيقع التأثير الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وحول ذلك، ذكر المختص في شؤون الموارد المائية، حسين رحيلي، خلال حديثه لشبكة “بي بي سي”، أن الإحصائيات تشير إلى أن المواطن العربي -بما فيه المواطن الخليجي- يحصل على أقل من 700 متر مكعب من المياه سنوياً، وهو ما يقل عن حد الفقر المائي البالغ 1,000 متر مكعب.

وفي بعض دول شمال أفريقيا مثل تونس، المغرب، الجزائر، وليبيا، تنخفض هذه الحصة إلى حوالي 500 متر مكعب سنوياً، وفيما يخص مستوى الدول الخليجية، فإن شح المياه يعود إلى طبيعة المناخ الصحراوي وتراجع مصادر المياه التقليدية. وفق ما ذكر رحيلي.

وفقاً لتقارير الأمم المتحدة لعام 2023، فإن 90% من سكان العالم العربي يعانون من ندرة المياه، فيما يفتقر نحو 50 مليون شخص في المنطقة العربية إلى مياه الشرب الأساسية، حيث أن أغلب الدول العربية تعتمد على موارد مائية عابرة للحدود، مما يزيد من تعقيد إدارة هذه الموارد.

وحول أسباب أزمة المياه في المنطقة العربية، يعتقد الخبراء أن تغير المناخ، الناتج عن الاحتباس الحراري وانبعاثات الغازات الدفيئة، يؤدي إلى تغيرات جذرية في أنماط التساقطات وارتفاع درجات الحرارة.

وارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى زيادة معدلات تبخر المياه من السدود والخزانات، والفيضانات الناتجة عن أمطار غزيرة لا يمكنها تغذية الموارد المائية بسبب سرعة جريانها إلى البحار.

بالإضافة إلى الجفاف الطويل الذي يقلل من التجديد الطبيعي للموارد المائية، فضلاً عن الإدارة غير المستدامة للمياه؛ حيث تفتقر العديد من الدول العربية إلى سياسات مائية مستدامة، مع وجود هدر كبير للمياه في القطاعات الزراعية والصناعية.

وتسببت التغيرات المناخية بشمال أفريقيا في تقليص عدد الأيام الممطرة، مما يؤثر بشكل مباشر على ملء السدود والموائد المائية الجوفية، بينما في دول الخليج، تعاني المنطقة من ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة وتكرار ظواهر الجفاف، مما يضع تحديات كبيرة أمام تحلية المياه لتلبية الاحتياجات المتزايدة.

1

تداعيات ومخاطر

ويقول خبير الاستراتيجيات والسياسات المائية وتغير المناخ، رمضان حمزة، إن مشكلة ندرة المياه في دول الخليج تتفاقم، حيث يعتمد السكان بشكل كبير على المياه الجوفية غير المتجددة، والتي تتعرض للاستنزاف بسبب الاستخدام غير المستدام، مما يهدد الأمن المائي في المنطقة.

ويضيف لـ”الخليج أونلاين” أن العديد من دول شمال أفريقيا تعاني شح الموارد المائية، بسبب الجفاف المستمر وقلة الأمطار، مما يزيد من الضغط على الأنظمة الزراعية والاستهلاك البشري، يضاف اليها سوء إدارة الموارد المائية المتوفرة.

ويبيّن حمزة أن المبادرات الإقليمية تعزز التعاون المائي بين دول الخليج وشمال أفريقيا، وذلك من خلال تبادل المعرفة والخبرات، والتعاون في مجال البحث العلمي، والتعاون في مجال البحث والتطوير، وتبادل استراتيجيات إدارة المياه المشتركة، فضلاً عن تنفيذ المشاريع المشتركة.

ويعتقد أن تؤدي أزمة المياه المتفاقمة إلى آثار اقتصادية خطيرة في هذه المنطقة، تتمثل في زيادة تكاليف تحلية المياه، مع تأثيرات سلبية على القطاع الزراعي، إضافة إلى تفاقم النزاعات السياسية والاجتماعية والصراعات المحتملة.

ويؤكد حمزة بأن تفاقم أزمة المياه نتيجة لتغير المناخ تصبح حاجة ملحة لتبني استراتيجيات وسياسات مائية وزراعية مستدامة لإدارة الموارد المائية والأراضي والتعاون الإقليمي لمواجهة التحديات المرتبطة بتغير المناخ، ويتطلب استجابة فعالة وتعاوناً بين الدول لضمان استدامة الموارد المائية وتحقيق الأمن الغذائي والاقتصادي.

بدوره، يقول زاهر هاشم، الكاتب المتخصص بقضايا البيئة وتغير المناخ، إن موارد المياه في دول الخليج وشمال أفريقيا تتأثر بشكل كبير؛ نظراً لطبيعة هذه المناطق الصحراوية التي تعاني أساساً من ندرة المياه واعتمادها الكبير على الموارد الجوفية المحدودة.

ويوضح لـ”الخليج أونلاين” أن المبادرات الإقليمية لحل هذا الملف تساهم في تبادل المعرفة والخبرات والاستفادة من التجارب الناجحة بين المنطقتين، حيث تمتلك دول الخليج العربي تقنيات متقدمة في تحلية المياه، بينما تمتلك بعض دول شمال أفريقيا خبرة في إدارة الموارد المائية التقليدية، وهو ما يسمح بتبادل مثل هذه الخبرات.

ويضيف هاشم أن هذه المبادرات تتيح الابتكار في إدارة المياه، وإنشاء أنظمة لنقل المياه بين الدول المتجاورة لتعزيز الأمن المائي، وتوجيه الاستثمارات الإقليمية المشتركة نحو استخدام مصادر الطاقة المتجددة في تحلية المياه واستخراجها ووضع أطر قانونية وتنظيمية لإدارة المياه المشتركة بطرق مستدامة، وتفعيل مراكز بحثية مشتركة لدراسة التغيرات المناخية وتأثيرها على المياه في المنطقة.

ويشير إلى أن دول شمال أفريقيا تعتمد بشكل كبير على الزراعة المطرية، لذا فإن تراجع الأمطار سيقلل من الإنتاج الزراعي وبالتالي ارتفاع تكاليف استيراد الغذاء، أما في دول الخليج التي تعتمد أساساً على الزراعة المروية، ستواجه ارتفاع تكاليف المياه والطاقة المستخدمة في الري.

كما أن دول الخليج، فتعتمد بشكل كبير على تحلية المياه، التي تستهلك كميات هائلة من الطاقة، ومع زيادة الطلب على المياه، سترتفع تكاليف الإنتاج ويزيد العبء على الميزانيات الحكومية، حسب هاشم.

تحقيق الأمن المائي

يعد الأمن المائي أحد التحديات الرئيسية التي تواجه دول الخليج العربي، حيث إن هذه الدول تقع في واحدة من أكثر المناطق جفافًا في العالم وتعاني من ندرة الموارد المائية الطبيعية.

ومع تزايد تأثيرات تغير المناخ وارتفاع الطلب على المياه بسبب النمو السكاني والاقتصادي، أصبح السعي لتحقيق الأمن المائي أولوية استراتيجية لدول الخليج.

ورغم محدودية الموارد، ازداد استهلاك المياه في الخليج نتيجة النمو الاقتصادي، والزيادة السكانية، والتوسع العمراني، إذ تجاوز معدل الاستهلاك الفردي 500 لتر يومياً، وهو ما يعادل خمسة أضعاف استهلاك الفرد في دول مثل ألمانيا، هذا الاستخدام المفرط يُسهم في استنزاف المخزون المائي المحدود.

ولمواجهة هذه التحديات، تبنت دول الخليج -وفق موقع “مجموعة البنك الدولي”- استراتيجيات مبتكرة أبرزها تطوير تقنيات تحلية المياه، حيث شهدت تكلفة التحلية انخفاضاً ملحوظًا من 5 دولارات للمتر المكعب في ثمانينيات القرن الماضي إلى ما يقارب 50 سنتاً.

كما أطلقت دول الخليج برامجاً لإعادة تدوير المياه وتقليل الفاقد المائي، مثل تجربة هيئة كهرباء ومياه دبي التي خفضت نسبة المياه المهدورة من 42% عام 1988 إلى 4.6% عام 2023.

وذكرت المجموعة أن دول الخليج تقود العالم في مجال تحلية المياه، حيث تُنتج نصف الإنتاج العالمي، رغم أن سكانها يمثلون أقل من 1% من سكان العالم، فيما تعمل المملكة العربية السعودية، عبر المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، على تطوير تقنيات جديدة لتحسين الكفاءة وتقليل الأثر البيئي لعملية التحلية.

ومع ذلك، تظل تحديات مثل ارتفاع ملوحة مياه الخليج والبحر الأحمر والآثار البيئية الناتجة عن التحلية بحاجة إلى تعاون إقليمي لإيجاد حلول مستدامة.

وفي إطار تعزيز الأمن المائي، تتعاون دول الخليج مع البنك الدولي لتبادل المعرفة وتحسين إدارة الموارد المائية.

ويعكس هذا التعاون التزام دول المنطقة بمواجهة تحديات شح المياه عبر الابتكار والتخطيط المستدام، حيث تستعد المملكة لاستضافة المنتدى العالمي للمياه عام 2027 كمنصة لعرض إنجازاتها ومشاركة خبراتها مع العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى