بزيارة تاريخية.. سلطان عُمان يعزز روابط السياسة والاقتصاد مع تركيا
ما أهمية زيارة السلطان هيثم بن طارق إلى تركيا؟
هي الأولى للسلطان هيثم منذ توليه السلطة في يناير 2020.
تتزامن مع تطورات إقليمية ودولية في غاية الخطورة والتعقيد.
طبيعة الأدوار والمكانة التي تتمتع بها كلاً من سلطنة عُمان وتركيا.
رغبة البلدين القوية في رفع مستوى الاستثمار والتبادل التجاري.
تفتح زيارة سلطان عُمان هيثم بن طارق، إلى تركيا، يوم الخميس (28 نوفمبر)، الأبواب على مصراعيها لتحسين العلاقات بين البلدين، وتنسيق الجهود والمواقف، في مرحلة حساسة تمر بها منطقة الشرق الأوسط والعالم.
زيارة هي الأولى للسلطان هيثم إلى تركيا، وهي الثانية في تاريخ السلطنة الحديثة، بعد التي قام بها السلطان السابق قابوس عام 1989، وفي ثناياهما قدر كبير من التنسيق والعلاقات الحسنة، والتبادل التجاري والاستثماري بين البلدين.
يرافق السلطان هيثم وفد رفيع يضم وزراء الدفاع والخارجية والتجارة والصناعة ورئيس جهاز الاستثمار العُماني. وبالنظر لطبيعة الوفد، يمكن التنبؤ بطبيعة المواضيع التي سيجري بحثها، وفي مقدمتها تنسيق الجهود السياسية، والتعاون العسكري والاقتصادي.
وتكتسب زيارة السلطان هيثم إلى تركيا أهمية خاصة، بالنظر للتطورات التي تشهدها المنطقة، والأهداف التي يطمح لها البلدين في مختلف المجالات، فما دلالة الزيارة، وكيف ستنعكس على مستقبل العلاقات بين البلدين؟
زيارة مهمة
تتزامن زيارة السلطان هيثم مع احتفاء البلدين بمرور 50 عاماً على إقامة علاقات دبلوماسية بين تركيا وعُمان، ومنذ ذلك الحين شهدت العلاقات تطوراً مضطرداً في مختلف المجالات، وخصوصاً التجارة والاستثمار والتعليم والثقافة، فضلاً عن حالة الانسجام السياسي بين البلدين.
وقال البلاط السلطاني في بيان له الثلاثاء (26 نوفمبر)، إن الزيارة تعكس الحرص على تعزيز مجالات التعاون ذات الاهتمام المشترك، وبما يسهم في تحقيق تطلعات البلدين.
وسيلتقي السلطان خلال الزيارة، بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لبحث تطوير أوجه التعاون بين البلدين، في مختلف المجالات، فضلاً عن التشاور والتنسيق حيال الموضوعات والمستجدات الراهنة على الساحتين الإقليمية والدولية.
الزيارة الأولى للسلطان هيثم إلى تركيا، والثانية بعد تلك التي أجراها السلطان قابوس عام 1989، بعد سنوات قليلة من تدشين العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، تكتسب أهمية خاصة وسط ندرة الزيارات المتبادلة بهذا الحجم، وهو ما يجعل نتائجها محط اهتمام المراقبين.
وعام 2005، استقبل السلطان قابوس، رئيس الوزراء التركي آنذاك، رجب طيب أردوغان، في زيارة هي الأولى للأخير إلى السلطنة، ومنذ ذلك الحين سجلت العلاقات بين البلدين تطوراً مستمراً في مختلف المجالات.
تنسيق مواقف
اتسمت العلاقات بين سلطنة عُمان وتركيا بالانسجام، إذ تتقارب مواقف البلدين من مجمل الأحداث الإقليمية والعالمية، وفي مقدمتها العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة.
وأبدى البلدان موقفاً رافضاً لتلك الجرائم، ودعيا في أكثر من مناسبة إلى محاسبة “إسرائيل”، وتحميلها مسؤولية الجرائم في غزة، ووقف العدوان فوراً، وهذا تجلى في اللقاءات والاتصالات التي جرت بين مسؤولي البلدين خلال الأشهر الماضية.
وفي أبريل الماضي، أكد سلطان عُمان والرئيس التركي، باتصال هاتفي، على ضرورة وقف الهجمات الإسرائيلية في غزة، وإرسال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى المنطقة بالقدر المطلوب، كما شدداً على ضرورة اتخاذ الدول الإسلامية خطوات موحدة بهذا الشأن.
وأواخر سبتمبر الماضي، بحث وزيرا خارجية تركيا وسلطنة عُمان في نيويورك العلاقات الثنائية والمستجدات الإقليمية، واتفقا على مواصلة تعزيزها وتنميتها في مختلف المجالات، واستمرار التشاور والتنسيق في العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وأكدا أيضاً على “أهمية خيار السلام القائم على حل الدولتين وعدالة القانون والشرعية الدولية، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية”.
وبالنظر للتفوق التركي في مجال الصناعات الدفاعية، والعسكرية، من غير المستبعد أن تشهد الزيارة توقيع اتفاقيات عسكرية بين البلدين، علماً بان البلدين لديهما تعاون في المجال ممتد لسنوات عدة.
التبادل التجاري
الاقتصاد هما المجال الأكثر توسعاً بين سلطنة عُمان وتركيا، وخلال السنوات الماضية تطورت العلاقات الاقتصادية بين البلدين، مدفوعةً برغبة كبيرة في الاستفادة من إمكاناتهما في هذا المجال.
ووفقاً لإحصائيات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات العُماني، فإن التبادل التجاري بين البلدين وصل خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري 2024، لقرابة 561.6 مليون دولار، مقارنة بـ540.8 مليون دولار خلال الفترة نفسها في عام 2023.
وتأتي تركيا في المرتبة الـ17 في قائمة أكبر الدول المستقبلة للصادرات العُمانية غير النفطية في قارة أوروبا خلال 2023، في حين بلغ عدد الشركات المسجلة والمرتبطة بمساهمين أتراك قرابة 423 شركة خلال 2023، برأس مال بلغ 267 مليون دولار.
في حين يبلغ عدد الشركات التي أسسها مواطنون عُمانيون في تركيا حوالي 36 شركة، برأس مال بلغ 195 مليون دولار في عام 2022، بحسب بيانات وزارة التجارة التركية، في حين تؤكد بيانات نشرتها صحيفة “عُمان” أن التبادل التجاري بين البلدين خلال الفترة من 2020 وحتى 2024، بلغ قرابة 3.38 مليارات دولار.
زيارة استثنائية
وبالنظر للتحولات التي تشهدها المنطقة، والأدوار التي تضطلع بها تركيا وسلطنة عُمان، يكمن القول إن أن هذه الزيارة ذات أهمية كبيرة واستثنائية، وهذا ما أكده الصحفي سالم الجهوري، نائب رئيس جمعية الصحفيين العُمانية.
وأضاف الجهوري في تصريح لـ”الخليج أونلاين”، إن زيارة السلطان هيثم إلى تركيا “تمثل أهمية بالغة نظراً للروابط التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والتجارية بين البلدين”.
وقال: “الزيارة تعد في نظري استثنائية بمعنى الكلمة لما لها من خصوصية بالغة جداً بين قيادتي البلدين اللتان تمثلان ثقلاً مهما في منظمة المؤتمر الإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط وستخرج زيارة (الدولة) هذه بنتائج متقدمة على صعيد العمل المشترك”.
وأشار إلى أن سلطنة عُمان وتركيا “تُكملان مسيرة التعاون منذ انطلاق العلاقات الرسمية في عام 1973 وبعد ذلك توجت الجهود بسفارتي البلدين؛ حيث افتتحت سفارة عُمان في أنقرة عام 1985، ثم السفارة التركية في مسقط عام 1986”.
واستطرد الجهوري قائلاً لـ”الخليج أونلاين”:
- العلاقات بين البلدين تمثل أهمية بالغة نظراً لموقعهما الجغرافي الفريد، كما أنهما يمثلان حجر الزاوية لعملية السلام في الشرق الأوسط، ويمتلكان قيادتين حكيمتين تتعاملان بحكمة في معالجة القضايا الإقليمية وقدرة على زيادة تبادل المصالح بينهما خلال المرحلة المقبلة.
- سلطنة عُمان وتركيا تملكان مرافق وإمكانات ضخمة ومهمة تستطيعان أن تعملان عليها بشكل كبير، فضلاً عن امتلاكهما علاقات دولية واسعة ومكانة رفيعة على المسرح الدولي.
- كما أن البلدين لديهما الطموح في زيادة التبادل التجاري بينهما خلال الفترة المقبلة، والذي بلغ خلال السنوات الأربع الماضية حوالي 3.38 مليار دولار، وهذا يعد أمراً مهماً في تاريخ العلاقات الطيبة بين مسقط وأنقرة.
- لدى عُمان وتركيا إمكانيات كبيرة للانفتاح على أسواق العالم من خلال المنتجات المحلية التي يمكن أن تشكل إضافة مهمة للغاية، فضلاً عن تشجيع الاستثمار المتبادل بين الجانبين والحركة التجارية والاقتصادية وتشجيع التبادل الذي يجعل منهما ركيزتان للعمل التجاري المشترك.
أهمية سياسية
ويرى الصحفي الجهوري، أن زيارة السلطان هيثم إلى تركيا، ستفتح آفاقاً أوسع من العمل السياسي والاقتصادي والاستثماري وتسهيل التبادل التجاري عبر الاتفاقيات وغرف التجارة، إلى جانب التوقيع على اتفاقيات تدعم هذه الجهود المشتركة في مجالات العلوم والصناعة والاستثمار.
وقال: “لا شك أن قيادتي البلدين سيناقشان الحالة المأساوية التي يشهدها الشرق الأوسط المتمثلة في الإبادة التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة ومسيرة عملية السلام في المنطقة”.
ونوّه إلى أن السلطان هيثم والرئيس أردوغان، سيبحثان أيضاً كيفية “إيجاد الحلول لكل هذه التشابكات التي يدفع بسببها الفلسطينيون ثمناً باهضاً يومياً، وكذا لجم الاحتلال من خلال الضغط الدولي الذي يمارس عليه والملاحقات الجنائية الدولية التي يتعرض لها قادته”.
واختتم الجهوري حديثه بالقول: “العديد من النقاط سيتم سياسياً التطرق لها في ملفات اليمن والسودان وليبيا لإيجاد الحلول في إعادة الأمن والسلام لهذه البلدان التي تفقد يومياً ابناءها ومواردها وقدراتها”.