السياحة المستدامة.. الخليج يرسم ملامح المستقبل البيئي والاقتصادي
ضمن جهودها لتعزيز السياحة تسعى دول الخليج لتحقيق أثر إيجابي على الحياة الاجتماعية والبيئية والاقتصادية من خلال تنفيذ مبادرات السياحة المستدامة
لا تتوقف دول الخليج عن بذل جهود لتطوير قطاع السياحة، والذي بات واحداً من القطاعات الإيرادية لها، في سبيل المساهمة في تعزيز الاقتصاد غير النفطي، والعمل على أن تصبح قبلةً للسياحة الخارجية.
وضمن جهودها لتعزيز السياحة، تسعى دول الخليج إلى تحقيق أثر إيجابي على الحياة الاجتماعية والبيئية والاقتصادية من خلال تنفيذ سياسات وممارسات ومبادرات السياحة المستدامة، والتي تعد وسيلة سفر تحمي بيئة البلاد، وتعزز الثقافات المحلية، وتفيد المجتمعات المحلية.
واتخذت الحكومات في دول مجلس التعاون الخليجي العديد من المبادرات والاستراتيجيات للتركيز على السياحة والاستدامة شملت استراتيجية الإمارات للسياحة 2031، ورؤية السعودية 2030، واستراتيجية قطر الوطنية لقطاع السياحة 2030، واستراتيجية البحرين للسياحة 2022-2026، واستراتيجية عمان الوطنية للسياحة، ورؤية الكويت 2035.
والسياحة المستدامة، أحد أشكال السياحة التي تلبي احتياجات السياح وصناعة السياحة والمجتمعات المضيفة في آن واحد اليوم، وذلك دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم الخاصة، والتي تأخذ في الاعتبار الكامل الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الحالية والمستقبلية، وتلبي احتياجات الزوار والصناعة والبيئة والمجتمعات المضيفة.
السعودية وتطور مستمر
نجحت السعودية في تعزيز مفهوم السياحة المستدامة الأمر الذي أهلها لأن تحصل على المركز الأول بأعلى نمو عالمي في السياحة خلال عام 2023 بعد استقبالها أكثر من 5 ملايين سائح دولي بحسب هيئة الأمم المتحدة للسياحة.
وتقول السعودية في أحدث تصريحات لمسؤوليها (نوفمبر 2024) إن العديد من المشاريع التي تؤسسها تعكس رؤية 2030، والتزامها بالسياحة المستدامة، ومنها مشروع نيوم، المدينة العملاقة الخالية من الكربون والتي خصصت 95% من أراضيها للحفاظ على البيئة، والتزام مشروع شركة البحر الأحمر الدولية بتحقيق الحياد الكربوني وعدم توجيه نفايات إلى المرادم.
وإلى جانب نيوم، تعمل المملكة على تنفيذ مشاريع سياحية متنوعة يأتي في مقدمتها “القدية، ووسط جدة، والسودة، وبوابة الدرعية، وأمالا، والبحر الأحمر”، حيث تقول المملكة في تصريح لوزير السياحة أحمد الخطيب (أبريل 2024)، إن بلاده أعلنت عن إنفاق أكثر من 800 مليار دولار في قطاع السفر والسياحة التي تتضمن السياحة المستدامة خلال السنوات القادمة.
وكان الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي قد أطلق المركز العالمي للسياحة المستدامة، ليكون منصةً تُعنى برصد نمو قطاع السياحة وتطويره، ودعم ممارسات الاستدامة فيه، مع تعزيز الالتزام العالمي المشترك بالمسؤولية البيئية، وتوفير الموارد، وتسهيل الشراكات، وتطوير الأدوات اللازمة للدول والمنظمات بهدف الحد من الأثر البيئي لقطاع السياحة.
الإمارات.. استدامة القطاع
وتولي دولة الإمارات عملية ترسيخ قطاع سياحي مستدام أهمية كبيرة، حيث يحتل قطاع السياحة أولوية في الأجندة التنموية لها.
ويقول عبدالله بن طوق المري، وزير الاقتصاد الإماراتي (نوفمبر 2024)، إن السياحة المستدامة “تشكل إحدى ركائز استراتيجية تنويع الاقتصاد الوطني، حيث نعمل على توفير تجارب سياحية تُسهم في الحفاظ على البيئة والتراث الثقافي والتاريخي”.
وعززت الإمارات جهودها لتكريس الاستدامة في القطاع السياحي بإطلاق عدد من المبادرات المعنية بتطوير قدرات الدولة السياحية، على رأسها “الاستراتيجية الوطنية للتنمية السياحية 2031” التي ترتكز على استشراف المستقبل والابتكار والتكنولوجيا لتحقيق استدامة السياحة، بما يدعم التوجهات المحلية والاتحادية، ويضمن استدامة قطاع السياحة.
وتعتبر المحميات الطبيعية إحدى أكثر وجهات السياحة المستدامة والبيئية استقطاباً للزوار، حيث تعمل على تعزيز التنوع البيولوجي وحفظ التوازن البيئي، حيث تحتضن دولة الإمارات 49 محمية طبيعية، تمثل نحو 15.53% من إجمالي مساحتها.
وتشكل جزيرة الجبيل الساكنة وسط طبيعة بكر خلابة إضافة نوعية للمشهد الحيوي في أبوظبي ونموذجاً استثنائياً للحياة العصرية التي تتماشى مع مفاهيم الاستدامة وتعزيز النظم البيئية والتنوع البيولوجي.
قطر وتعزيز الاستدامة
وتتميز قطر بتنوع بيئي فريد ومحميات طبيعية ساحرة تجذب عشاق الطبيعة والمغامرة من جميع أنحاء العالم، وأبرز هذه المحميات محمية الريم الشاسعة إلى جزيرة بن غنام الساحرة.
وتلعب هذه الوجهات البيئية دوراً محورياً في دعم السياحة المستدامة في الدولة، حيث التزمت قطر بمبادئ السياحة المستدامة والحفاظ على مواردها الطبيعية عبر تنفيذ ممارسات مبتكرة تهدف إلى تعزيز الاستدامة البيئية.
وأعلنت دولة قطر في نوفمبر الجاري عن بداية مرحلة جديدة في تطوير قطاع السياحة والترفيه، حيث تم وضع حجر الأساس لمشروع المدينة الترفيهية الكبرى في منطقة شاطئ سميسمة، والذي يهدف إلى تعزيز مكانة قطر كوجهة سياحية عالمية، ويمثل خطوة مهمة ضمن جهود الدولة المستمرة لتنمية السياحة.
ويمثل الالتزام بالاستدامة جزءاً أساسياً من استراتيجية المشروع، من خلال الاعتماد على الأنظمة الذكية، وسيتم استخدام تقنيات البناء الحديثة التي تساهم في تقليل البصمة البيئية، فضلاً عن استخدام المواد المحلية والمعاد تدويرها، بما يتماشى مع الاتجاه العالمي نحو التنمية المستدامة، ورؤية 2030.
الكويت.. سعي مستمر
تسعى الكويت إلى تطوير السياحة المستدامة من خلال الاستثمار في المشاريع البيئية والثقافية، وتقول إنه بحلول عام 2030، سيكون الهدف هو وضع سياسات للسياحة المستدامة التي من شأنها خلق فرص العمل.
وتعد سياحة الصحارى ومخيمات الربيع، والمحميات الطبيعية، والسياحة البحرية، والتراثية، والعلمية، والترويحية من بين أهم الاهتمامات الحكومية لتطويرها، ووضع إستراتيجية للعمل بها عند التخطيط للسياحة البيئية المستدامة لتكون رافداً اقتصادياً واجتماعياً في دولة الكويت.
وفي أكتوبر 2022، كشفت شركة “يو آر بي” URB ، الشركة العالمية الرائدة في تطوير المدن المستدامة، عن تصاميم مدينة “إكس زيرو”، بهدف توفير نمط حياة خالٍ من الكربون لـ 100,000 مقيم في دولة الكويت، بهدف تعزيز السياحة المستدامة من خلال أصول الضيافة الصديقة للبيئة.
وستعمل مدينة “إكس زيرو” على تعزيز السياحة المستدامة من خلال مناطق الجذب التعليمية والترفيهية بما في ذلك حديقة المرافق ومركز الحفاظ على الطبيعة.
عمان.. تقدم ملحوظ
حققت سلطنة عُمان تقدماً ملحوظاً في تبني السياحة المستدامة، حيث احتلت المركز الأول خليجياً والثاني عربياً في مؤشر السياحة المستدامة لعام 2020، الصادر عن مؤسسة “يورو مونيتور إنترناشيونال”.
ولعل مشروع المدينة المستدامة “يتي” هو علامة فارقة في تعزيز السياحة البيئية في السلطنة، حيث يتم تطويره على مساحة مليون متر مربع بهدف تحقيق معايير الاستدامة في مجالات البيئة والاقتصاد والثقافة.
كما أطلقت مؤسسة عُمان للإبحار أواخر 2021 “مبادرة الزعنفة الخضراء”، بهدف تعزيز السياحة البحرية المستدامة وتقليل الأثر البيئي للنشاطات السياحية.
البحرين.. تطوير القطاع
تعتبر السياحة المستدامة أساساً لتحقيق التناغم بين التنمية السياحية والحفاظ على الخلفية والأصول الطبيعية، وفقاً لما قاله علي أمر الله، الرئيس التنفيذي لبرنامج “زوروا البحرين”، في أحدث تصريحاته.
وقال أمر الله إن التحول إلى السياحة المستدامة يدل على تحرك متعمد في اتجاه وضع البحرين كمكان رائد للسياح في جميع أنحاء العالم الذين يبحثون عن تفاهمات مستدامة من الدرجة الأولى.
فيما أكدت وزيرة السياحة البحرينية فاطمة بنت جعفر الصيرفي، أن بلادها حريصة على تطوير القطاع السياحي بما يحقق أهداف التنمية المستدامة، وذلك في إطار التزامها بهدف الوصول للحياد الصفري.
وأكدت أن ذلك يأتي من خلال تعزيز الاستدامة البيئية والتوسع في استخدام مصادر الطاقة المتجددة في المنشآت الفندقية والسياحية، وتحقيق التوازن بين تطوير قطاع السياحة وحماية البيئة والحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي بما يتناسب مع الاستراتيجية السياحية 2022-2026.