وسط تنديدات واسعة.. هل ينجح نتنياهو في مساعيه لضم الضفة؟
ما أهداف نتنياهو من خطط ضم الضفة؟
توسيع السيطرة على الأراضي الفلسطينية وتكريس الاحتلال.
ما المناطق المستهدفة في خطط الضم؟
منطقة الأغوار والمنطقة “ج”، التي تشكل ثلثي مساحة الضفة.
يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ سنوات طرح خطط توسعية تهدف لضم أجزاء من الضفة الغربية، مما أثار موجات من الانتقادات محلياً ودولياً.
تحرك جديد بهذا الملف جاء في إطار تحالفه السياسي مع الأحزاب الدينية واليمينية المتشددة التي تدعو إلى توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما يزيد من تعقيد الوضع في المنطقة وتداعياته السياسية والإنسانية.
ضم الضفة الغربية
يستند مؤيدو سياسة نتنياهو إلى القناعات الأيديولوجية التي تربط الضفة الغربية بالتراث اليهودي، وهو ما يبرر بنظرهم التوسع في المستوطنات واستمرارها.
وأفادت هيئة البث الإسرائيلية في 12 نوفمبر الجاري، بأن نتنياهو أكد في محادثات مغلقة أجراها خلال الأيام الماضية على ضرورة إعادة قضية ضم الضفة الغربية إلى جدول أعمال حكومته.
وشجع فوز الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب اليمين الإسرائيلي على المجاهرة برغبتهم في ضم مستوطنات الضفة وتوسيعها كذلك بعد تسلم ترامب مهامه في 20 يناير المقبل.
ونقلت الهيئة عن مصادر مقربة من نتنياهو قولها إن خطط ضم الضفة الغربية موجودة بالفعل، حيث عملت “إسرائيل عليها منذ عام 2020 في فترة الرئاسة الأولى لترامب ضمن إطار “صفقة القرن”.
وأوضحوا أن هذه الخطط تتضمن خرائط مفصلة، وأوامر لتوسيع المستوطنات، ومقترح قرار حكومي، فيما يعرب قادة اليمين الإسرائيلي عن تفاؤلهم بأن عودة ترامب إلى البيت الأبيض قد تسهل تحقيق ضم الضفة الغربية.
وجاء ذلك عقب إعلان وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش، الذي يضطلع أيضاً بدور الإشراف على المستوطنين في “وزارة الدفاع”، في 11 نوفمبر الجاري، عن توجيهه لإدارة الاستيطان والإدارة المدنية -التابعتين لوزارة الدفاع- للبدء في تجهيز البنية التحتية اللازمة لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، وفق ما أوردت صحيفة “يديعوت أحرونوت”.
وذكرت الصحيفة أن سموتريتش، خلال كلمة ألقاها في اجتماع حزب “الصهيونية الدينية” لتهنئة ترامب بفوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تعهد بأن يكون عام 2025 عام فرض السيادة الإسرائيلية على “يهودا والسامرة”، وهو المصطلح الذي تستخدمه “إسرائيل” للإشارة إلى الضفة الغربية.
وبحسب أرقام صادرة عن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، صادرت السلطات الإسرائيلية منذ بداية العام الجاري حوالي 42 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية المحتلة.
وتسعى الخطة الإسرائيلية لفرض السيادة على أجزاء واسعة من الضفة الغربية، لكن ليس على كامل أراضيها، وتشمل هذه الأجزاء منطقة الأغوار الحدودية وجميع المستوطنات في المنطقة “ج”.
وتمثل المنطقة “ج” نحو ثلثي مساحة الضفة الغربية، بما فيها الأغوار التي تغطي 28% من مساحة الضفة وتضم عدداً كبيراً من المستوطنات.
وفي المجمل، تحتوي الضفة على حوالي 144 مستوطنة رسمية وأكثر من 100 بؤرة استيطانية، تسيطر على نحو 42% من مساحة الضفة الغربية، ويعيش فيها نحو 600 ألف مستوطن.
وتعود أسباب المصادرة إلى تصنيف الأراضي كأملاك دولة تابعة لـ”إسرائيل”، أو الاستيلاء عليها بذرائع مختلفة، أو تعديل حدود المحميات الطبيعية.
ويعد هذا التوجه جزءاً من “التوجهات الحاكمة” لحكومة نتنياهو، إذ يرون في الضفة الغربية جزءاً لا يتجزأ من “أرض إسرائيل”.
وبالرغم من المعارضة الشديدة من المجتمع الدولي، فإن التحديات الداخلية والدولية تجعل من مساعي الضم قضيّة معقدة ودقيقة.
تطرف صهيوني
يؤكد الباحث الفلسطيني المختص بالشأن الإسرائيلي، صلاح العواودة، أن “مساعي نتنياهو للضم قديمة من قدم اليمين الصهيوني، لكنها أصبحت أكثر واقعية في ظل حكومته الحالية التي تعتمد على اليمين الديني الاستيطاني أكثر بكثير من أي حكومة سابقة”.
ويضيف لـ”الخليج أونلاين” أنه خلال ولاية ترامب الماضية، “سنحت الفرصة لنتنياهو بالتقدم باتجاه هذه الخطة؛ نظراً لأن ترامب يمثل اليمين الديني الاستيطاني في الولايات المتحدة، فانتزع قرار نقل السفارة للقدس، وضم الجولان، إضافة لاتفاقيات التطبيع”.
وبيّن العواودة أن هذا يتعارض مع رؤية الديمقراطيين لحل الدولتين، والذي تبنته جامعة الدول العربية سابقاً؛ “لذلك شهد عهد باراك أوباما أزمة في العلاقات مع نتنياهو، وكذلك عهد بايدن الذي اتسم بالقطيعة تقريباً حتى أحداث طوفان الأقصى”.
ويرى الباحث الفلسطيني أنه في ظل الحرب الحالية على غزة، وعودة ترامب إلى الرئاسة الأمريكية، “يرى نتنياهو أن المشهد بالكامل محسوم لصالح الضم وتصفية القضية الفلسطينية تماماً”.
وأشار إلى أن “فريق ترامب يميني استيطاني مسيحي إنجيلي يتطابق مع فريق نتنياهو تماماً، إذ يحمل الرؤية نفسها، كما أن سفير ترامب في إسرائيل مايك هاكبي مستوطن بحد ذاته، وكذلك مبعوثه للشرق الأوسط”.
ولفت العواودة إلى أن وزير الأمن القومي إيتمار “بن غفير وسموترتش والحركة الاستيطانية في الضفة الغربية هي امتداد الصهيونية المسيحية المتطرفة في الولايات المتحدة التي طورت رؤيتها الاستيطانية بعد الاحتلال عام 1967”.
دلالات وأسباب
بدوره يوضح الصحفي الفلسطيني محمود مطر، أن هناك وجود كبير للاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، إذا يسيطر عليها بشكل شبه كامل، حيث أنها مناطق مقطعة الأوصال.
ويرى في حديثه مع “الخليج أونلاين” أن خطة الضم قد تكون سهلة التطبيق خلال الوضع الحالي، من الناحية الميدانية، لاسيما وأن هناك انتشاراً لمئات البؤر الاستيطانية في 40% من مساحة الضفة.
وأضاف مطر أن “الاحتلال قد أعد خططاً وبرامج حقيقية لتطبيق الضم منذ ولاية ترامب السابقة، وقد فتحت شهية تل أبيب بشكل كبير نحو الاستيطان وتنفيذ الضم، وتصريحات اليوم تتزامن مع عودة ترامب للرئاسة الأمريكية، والداعم للاحتلال بشكل واسع”.
ويعتبر مساعي ضم الضفة “ستكون اختباراً حقيقياً للموقف الأمريكي وإدارة ترامب الجديدة، والتي كانت داعمة بشكل كبير للاحتلال في فلسطين بفترتها الرئاسية السابقة، وقد تشهد مواقف أكثر دعماً لمشاريع الاحتلال الاستيطانية وتعزيزها في الضفة”.
وأكد مطر بأن خطوة ضم الضفة “سيكون لها تداعيات مستقبلية خطيرة على السكان الفلسطينيين، حيث ستصادر أراضيهم، وسيعترف ترامب بسيادة الاحتلال على مساحات كبيرة من مناطق الضفة، وبالتالي سيكون هناك تضييقاً وتهديداً مباشراً لحلم الدولة الفلسطينية”.
ردود فعل مختلفة
أثار القرار المرتقب لضم أجزاء من الضفة الغربية ردود فعل واسعة محلياً ودولياً وخليجية، حيث عبرت مختلف الأطراف عن قلقها تجاه تأثير هذا التوجه على الاستقرار الإقليمي وعملية السلام.
رغم تأييد بعض أعضاء حكومة نتنياهو لمخطط الضم، ظهرت اعتراضات من قِبل رؤساء المستوطنات في الضفة الغربية، حيث يخشون أن يدفع هذا القرار “إسرائيل” إلى مواجهة ضغوط للاعتراف بدولة فلسطينية بموجب خطة السلام التي طرحها ترامب، والمعروفة بـ”صفقة القرن”، وفقاً لتقارير هيئة البث الإسرائيلية.
كما أعربت وزيرة العلوم والتكنولوجيا الإسرائيلية جيلا غمليئيل، من حزب الليكود، عن معارضتها للضم، معتبرة أن الوقت الحالي غير مناسب لهذا النقاش.
بالمقابل، اعتبرت السلطة الفلسطينية أن مخطط الضم يهدف إلى تكريس الاحتلال وعرقلة حل الدولتين، محذّرة من أنه سيقود المنطقة إلى انفجار شامل.
وندد أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية جاسم البديوي، والسعودية وقطر والكويت والإمارات، في بيانات منفصلة، بالتصريحات المتطرفة لسموتريتش حول الضفة الغربية.
واعتبرت تلك البيانات الخليجية نوايا الاحتلال تمثل انتهاكاً سافراً للقوانين والمعاهدات الدولية وكافة قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، كما أنها تقوض جهود السلام بما فيها حل الدولتين، وتشجع الحروب وتنتج مزيداً من التطرف، وتضاعف التهديد لأمن المنطقة واستقرارها.
وأعلن الاتحاد الأوروبي رفضه للخطة، واصفاً إياها بكونها “ضماً غير قانوني يقوّض الشرعية الدولية ويهدد حل الدولتين”، وفق تصريحات منسق شؤون الخارجية جوزيب بوريل.
وفي السياق ذاته، حذر السفير الألماني لدى “إسرائيل”، شتيفين زايبيرت، من أن فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة قد يهدد استقرار المنطقة.